الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعد : كثرت في الآونة الأخيرة الكتابات والتصريحات التي تسب الصحابة وتقدح في عدالتهم وتنتقص من قدرهم ومكانتهم وما كان هذا ليحدث لو أن الناس عرفوا قدر صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفضلهم في نقل هذا الدين إلى العالم بأسره وحكم من سبهم وأنهم معرضون لسخط الله في الدنيا قبل الآخرة، وفي هذه المقالة سيتعرف القارئ الكريم على بعض فضائل الصحابة وتحريم سبهم وحكم من فعل ذلك ومن أراد المزيد فعليه بالكتب التي تحدثت عنهم بالتفصيل فنقول وبالله التوفيق : تعريف الصحابي : هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام . شرح التعريف : من لقي النبي يدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته للنبي صلى الله عليه وسلم أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه ومن لم يره لعارض كالعمى . مؤمنًا به : قيدٌ في التعريف خرج به من لقيه كافرًا ولو أسلم بعد ذلك ، إذا لم يجتمع به مرة أخرى . وأُخرج بقولنا ( به ) من لقيه مؤمنًا بغيره ، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة . ومات على الإسلام : قيد في التعريف خرج به من لقيه مؤمنًا به ثم ارتد ومات على ردته مثل عبيد الله بن جحش الذي كان زوجًا لأم حبيبة فإنه أسلم معها وهاجر إلى الحبشة فتنصر هو ومات على نصرانيته ، وكعبد الله بن خطل الذي قتل وهو متعلق بأستار الكعبة ، وكربيعة بن أمية بن خلف. فضل الصحابة وخصائصهم: 1- عدالتهم : اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول ولم يخالف في ذلك إلا شواذ من المبتدعة والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى فمنها قوله تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } {التوبة : 100} ، وقوله : كنتم خير أمة أخرجت للناس { آل عمران : 110}، وقوله: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا { الفتح: 18}، وقوله: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا {الأحزاب: 23}، وقوله: لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون (88) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم {التوبة: 88، 89}. قال الخطيب في كتابه " الكفاية ": { ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق ، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه وجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام ، وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين ، القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والعدول الذين يجيئون من بعدهم". اه 2- خير قلوب العباد : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: { إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه". {رواه أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر ، وحسنة الألبانى } 3- خير القرون: عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : { خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم }. { أخرجه البخاري ومسلم } 4- هم أسوة يُستن بهم : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : { من كان مستنًا فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، فأولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا ، وأقلها تكلفًا قد اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم على الهدي المستقيم } ( أخرجه أحمد وسنده حسن موقوفًا على ابن مسعود) 5- صمام الأمان للأمة : عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن النبي أنه قال : { النجوم أمنة للسما ء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون }. { رواه مسلم } 6 سَبْقُهم لغيرهم: عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه } . ( رواه البخارى ) 7 كفر وضلال من سب الصحابة : في الحديث السابق يقول صلى الله عليه وسلم : { لا تسبوا أصحابي } ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبهم فقد آذى الله ورسوله وأنه مستحق للعنة ، وأوجب الإمساك عن ذكر مساويهم ، وإن من آذاهم فقد آذى الله ورسوله : فعن عبد الله بن معقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي ، لا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا مِنْ بَعْدِي ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ " {رواه أحمد بسند حسن ، وضعفه الألبانى } 8 استحقاق اللعن لمن سبهم: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : { من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } . {رواه الطبراني وحسنه الألباني} 9 الإمساك عن ذكر مساوئهم : فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : { إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا} .{رواه الطبراني وصحه الألباني} وقد بين الأئمة حكم من سبهم ، فقد قال الذهبي رحمه الله : { من طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين } . اه. وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : { فمن سب أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو أحدًا منهم أو تنقص أو طعن عليهم أو عرض بعيبهم أو عاب أحدًا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلا } . اه. وقال الإمام أبو زرعة الرازي : { إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة ". اه. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : سب الصحابة يتضمن أربعة محاذير: 1- سبهم . 2- سب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن رجلاً يكون أصحابه محل التنقص والعيب والسب لا خير فيه لأن الإنسان على دين خليله. 3- سب الشريعة ؛ إذ أن الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا من طريقهم. 4- سب الله حيث اختار لنبيه صل الله عليه وسلم - وهو أفضل الخلق عنده - مثل هؤلاء الرجال. اه. ومن ثم أخي الحبيب فقد عرفت حكم من سبهم وأن من ذكرهم بسوء فهو زنديق فاسق داخل تحت قوله تعالى : { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ، ولا تغتر بقول السفهاء حينما يذكر أحد الصحابة يقول : { هم رجال ونحن رجال } والعجب العجاب أن من يسب أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمسك لسانه عن سب الناس على صفحات الجرائد خوفًا من تعرضه لعقوبة السب والقذف التي يعاقب عليها القانون ويَلَغ في عرض أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بدعوى حرية الرأي ، ونحن نناشد المسئولين أن يردعوا هؤلاء بقوة وذلك ليكونوا عبرة لغيرهم وحماية للدين من العبث به. والله الموفق. ** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة ، و الكاتب بمجلة التوحيد