الرئيس الأمريكي ترمب يهدد من فوق منبر الأممالمتحدة بإشعال حروب مدمرة، ويخص كوريا الشمالية بهذا التهديد الساحق، وهو تدميرها بالكامل. وفي الجانب المقابل سنجد من يماثله في الحمق، وهو كيم جونج أون رئيس كوريا الشمالية، وهو على استعداد لاستهداف أمريكا وحلفائها قدر ما تطاله ترسانته التسليحية التقليدية والنووية، ويليه في المغامرات الحمقاء النظام الإيراني، وإن كان يلعب بدهاء في الإقليم الذي يُعتبر مجالا حيويا لأمريكا، وقد ثبت أقدامه وأوضاعه في مناطق حساسة فيه. لنفرض أن ترمب اتجه لتحويل تهديده إلى قرار حرب، فهل سيكون قادرا على تسوية كوريا الشمالية بالأرض؟، أشك في ذلك، كوريا، وإذا كانت لا تُقارن مع قدرات القوة العظمى، فهي ليست دولة عربية، ويؤسفني أن أقول ذلك، فلم تكد تمر ثلاثة أيام بعد عقوبات مجلس الأمن المشددة حتى أطلق صاروخا مر فوق اليابان في رسالة تحد واضحة. كوريا لديها ما يؤذي جيرانها، وهم حلفاء أمريكا في شرق آسيا، كوريا الجنوبية، واليابان، ولديها ما يؤذي أمريكا ذاتها في جزيرة جوام في المحيط الهادي، وصواريخها البالستية باتت قادرة على الوصول لأي مكان في الأراضي الأمريكية، كما تمتلك قدرات نووية متطورة، وقبل أيام أجرت تجربة ناجحة لتفجير قنبلة هيدروجينية، وهي تسابق الزمن حتى تمتلك رؤوسا نووية يمكن تركيبها على صواريخها المتوسطة والطويلة المدى لتدشن بذلك نفسها دولة نووية رسميا، وتنضم لعضوية النادي النووي، إيقاف هذا الطموح لا يكون بالحرب، إنما بالحوار والاحتواء والإغراءات، الحروب التي شنتها أمريكا في كل مكان بالعالم لم تحقق الأهداف التي من أجلها بدأتها. رغم الظروف الاقتصادية الصعبة لكوريا، وسلسلة العقوبات المتتالية ضدها، إلا أنها تعكف على تعظيم ترسانتها التسليحية التقليدية والنووية، ولا يعني نظامها أن يكون شعبه جائعا، أو مقهورا، ما يعنيه فقط أن يتفوق في سباق القوة، وهذا ما تفعله إيران أيضا التي تمتلك قدرات تسليحية تقليدية متطورة، ومدى صواريخها قادر على إيذاء إسرائيل حليفة أمريكا، لكن ذلك للتهديد والدعاية، فلم تطلق صاروخا يوما على الكيان الصهيوني الذي تناوئه العداء ظاهرا، لكن في الباطن الوضع مختلف، كما نجحت إيران في صناعة أذرع عسكرية مذهبية تابعة لها تنتشر في لبنان وسوريا والعراق واليمن. إيران في حالة أفضل كثيرا من كوريا في الموارد، فلديها ثروة نفطية وغازية هائلة، لكن تلك الثروة ليست موجهة لتحسين معيشة شعبها الفقير، إنما للتسليح وبناء الكيانات العقائدية العسكرية الملحقة بها داخل البلدان العربية، والإنفاق على الحروب التي تخوضها مباشرة أو تخوضها أذرعها بالوكالة لتحقيق أهدافها في النفوذ والهيمنة. إذا كنا أمام دولة عظمى تعيش غطرسة القوة، وإذا كان نظاما كوريا وإيران اللذان وصفهما ترمب بأنهما مارقان وديكتاتوريان وفاسدان وشريران، وهما كذلك بالفعل، إلا أن واشنطن لا تختلف عن طهران وبيونج يانج كثيرا عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على مصالحها حيث ستجدها فاسدة وشريرة وديكتاتورية وقاتلة وبدرجة أشد، لعل أفغانستان والعراق شاهدان على ما تفعله مع العرب والمسلمين، وليست مآسينا وحدنا في هذا المجال، فكثير من بلدان العالم تعاني من جرائمها، لكن كوارثنا أكبر وأعمق. وأمريكا في سياساتها الخارجية فاسدة وشريرة عندما لا تكون عادلة في قضايا العرب والمسلمين، وتنحاز إلى إسرائيل بشكل مطلق، وتفرض حماية خاصة وشاملة على الكيان الصهيوني الغاصب، رغم أن العرب هم أخلص حلفائها، وهم أكثر من يتبعونها في العالم، ويضعون أوراقهم كلها في جعبتها. ترمب لن يكون بمقدوره الحرب مع كوريا الشمالية، ولا إيران، وإلا لكان فعلها بوش الابن، فهو جمهوري محافظ مثل ترمب، وكان أكثر من ترمب في الانتشاء بالقوة الأمريكية حتى الثمالة، وهو الذي احتل بلدين مسلمين ودمرهما، بوش في خطابه بعد 11 سبتمبر 2001 وضع ثلاث دول في قائمة أطلق عليها "محور الشر" ضمت العراقوإيرانوكوريا الشمالية، لكنه لم يقدر إلا على العراق الضعيف الذي صار مرتعا للفوضى والطائفية والإرهاب والتدخلات الخارجية، وطوال 8 سنوات في الحكم لم يقترب من إيرانوكوريا الشمالية، المفارقة أنه قدم أعظم خدمة لإيران بتدميره للعراق وتسليمه لها مجانا، كما أزاح حركة طالبان من أفغانستان، وكانت تمثل عامل قلق لها على حدودها الشرقية. الصين لن تسمح بالتدمير لحليفها الكوري الشمالي، وروسيا لن ترضى بذلك مع كوريا، أو مع حليفها الإيراني، فالمصالح التي تربط هاتين القوتين مع بيونج بانج وطهران كبيرة، علاوة على أنهما سيقاومان محاولة التفرد الكامل لأمريكا بالعالم، ورفض إحداثها خللا في التوازنات الاستراتيجية في جوارها وتخومها وحدائقها الخلفية. المجتمع الدولي ليس بحاجة لمزيد من الحروب التي يهدد بها مهووس أمريكي، ومن يستهدفهم لا يقلون عنه هوسا، العالم بحاجة لمزيد من العقل والحكمة والحوار والسلام والحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. ذهب بوش الابن بعد أن حول الشرق الأوسط إلى بحر من الفوضى، وحاول أوباما إطفاء بعض الحرائق، ونجح جزئيا في احتواء كوريا الشمالية، وعقد اتفاقا مع إيران لإيقاف خططها النووية، لكن يأتي ترمب اليوم ليعصف بكل إرث أوباما في السلام العالمي ولو كان محدودا. لو اندفع الأمريكي مغترا بالقوة القاهرة لبلاده فإنه سيجني الخراب الشامل فقرار الحرب سهلا، وقرار إيقافها هو الأصعب، لا يجب السماح للحمقى بتدمير العالم، النازي ليس ببعيد عنا. [email protected]