مرة أخرى يتحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي باستهانة شديدة عن حقوق الإنسان المصري ، ويعتبره ضمنيا أحقر من أي إنسان آخر ، وبشكل خاص الإنسان الغربي ، ففي لقائه أمس مع مجموعة من الشخصيات الأمريكية في مقر إقامته بنيويورك حيث يشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، طالبهم بأن لا يقيموا حقوق الإنسان في مصر من منظور حقوق الإنسان في الغرب ، معتبرا أن الأهم من الحقوق السياسية هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، والحقيقة أن هذا الكلام الذي تكرر من رئيس الجمهورية هو ضمنيا اعتراف بانهيار منظومة حقوق الإنسان في البلد ، وبالتالي هو يطلب أن لا يحاكموه بموجبها وإنما ينظروا إلى الأبعاد الأخرى ، وأنا لا أفهم مقصده بالحقوق الاجتماعية ، لأن الحقوق الاجتماعية متصلة جوهريا بقيم المساواة والعدالة واحترام الخصوصية وكرامة الناس ، وهي القيم التي تعاني انحدارا شديدا في مصر طوال السنوات الماضية التي تولى فيها السيسي رئاسة الجمهورية . الحديث عن حقوق الإنسان لا يحتمل ابتكار لغة جديدة ومفاهيم خاصة بكل قائد سياسي ، فالعالم كله عندما يتحدث عن حقوق الإنسان ، فهو يتحدث عن الحريات العامة وعن الحق في الاختيار وحرية التنقل وحرية الإعلام وحرية تكوين الأحزاب وممارسة النشاط السياسي بكل صوره وحرية الاجتماع والتظاهر والحصانة من انتهاك الكرامة الإنسانية في تعامل المواطن مع الدولة وأجهزتها الأمنية وغير الأمنية وضمان المحاكمات العادلة والاستقلال الكامل للقضاء ، ونحو ذلك من معايير ومفاهيم مستقرة وبديهية ، فعندما يطالب الرئيس المصري العالم بأن يضع تلك المعايير كلها خلف ظهره أو تحت قدمه ، لأنه مشغول بالاقتصاد ، فلا ينتظر إلا المزيد من الضغوط الدولية التي ترى في حديثه اعترافا بالانتهاكات وغياب منظومة حقوق الإنسان في بلده بالكامل . أبعد من ذلك ، فإن هذه التفرقة التي يقررها بصدر رحب وبدون أي شعور بالحرج رئيس مصر بين المواطن المصري والمواطن الأوربي مثلا ، في مسألة الكرامة والحقوق السياسية باختلافها ، فإنه في الحقيقة يحتقر مواطنيه ، ويعتبرهم أقل آدمية من الآخرين ، وبالتالي لا يستحقون حقوق "آدمية" من تلك التي حصل عليها الآخرون ، وبسهولة يمكن لأي مراقب أن يربط هذا الشعور الذي يستولي على فكر الرئيس بممارسات عملية تمت بالفعل خلال السنوات الماضية في مصر ، وضح فيها أن المواطن "الأجنبي" له حرمة وكرامة لا يحظى بها المواطن المصري ، ويمكن مراجعة ملفات كل المعتقلين الأجانب الذين تم احتجازهم في مصر ثم أطلق سراحهم تباعا ، أمريكان واستراليين وايرلنديين وايطاليين وغيرهم ، أطلق سراحهم وسافروا إلى بلادهم معززين مكرمين ، آخرهم إيطالي قتل مهندسا مصريا عمدا في الغردقة قبل حوالي شهر ، والحقيقة أن أغلبهم ما زالت ملفاتهم منظورة أمام القضاء بتهم خطيرة ، بينما قيادات وطنية وحقوقية مصرية يتم إدراجها منذ سنوات على قوائم المنع من السفر بحجة أنه يجري التحقيق معهم في بعض الاتهامات ، بل إن المواطن المصري المعتقل الذي يحمل جنسية دولة غربية تكون فرصته في الحرية أعظم كثيرا من المواطن المصري المسكين الذي لا يحمل سوى جنسيته المصرية التي يقول رئيس الجمهورية أنها لا تتيح له نفس الحقوق التي يحصل عليها من يحمل جنسية غربية . الرئيس السيسي يراهن في خطابه للغرب على تقديم نفسه كمحارب للإرهاب نيابة عن العالم ، ولكنه غير مدرك أن الغرب بعد خبرة السنين والتجارب يدرك أن المحارق التي تتم داخل السجون والمعتقلات وانتشار التعذيب وسحق كرامة الإنسان ، هي المصنع الرئيسي لتخليق وتصدير أسوأ أنواع المنظمات الإرهابية ، هذا كان درس العراق وسوريا وليبيا وتونس ، وتلك صفحة أصبحت من الوضوح بما يكفي العالم كي يقف من باب المصلحة على الأقل محذرا من الانتهاكات الواسعة للحقوق الإنسانية في العالم الثالث ، لأنه يدرك أن هذه الانتهاكات هي التي تصدر له الإرهاب ، وليست هي التي تمنع عنه الإرهاب . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1