حين يتعلق الأمر بالسودان وليبيا وفلسطين سيكون علينا فى مصر(الدولة والشعب)أن ننتبه وننتبه كثيرا. ذلك أن البلدان الثلاث ليسوا فقط جوارا جغرافيا بحدود ممتدة شرقا وجنوبا وغربا لكنهم يمثلون الأمان فى العمق_بتعبير الحكيم /طارق البشرى_ والعمق هنا استراتيجي بامتياز فهو عمق تاريخي واقتصادي وبشرى وسياسي وديني.. هو عمق حضاري فى الصميم , مصر الملكية كانت تعتبر ذلك اعتبارا كبيرا وأحداث القرن الماضى مليئة بما يؤكد ذلك ويبرهن عليه, لكن مصر الجمهورية لم تكن كذلك والخط البيانى لتاريخ العلاقة مع(الشقيقات الثلاث)يعكس خفة إستراتيجية واسعة. سيكون السودان نموذجا بالغ الوضوح على هذه الخفة وحين تقارن بين موقف كل القادة الكبارفى مصر الملكية من مسألة السودان _مثلا_ بموقف مصر الجمهورية(البكباشى وزملاؤه)ستجد الموضوع يميل بك دون أن تدرى إلى بحر الاتهامات والتشككات والخيبات والحسرات النادمات تنديما والمؤسفات تأسيفا.ولا حيلة لك فكم الأسئلة المعطلة والمؤجلة والحائرة عن لهفة البكباشى على انفصال السودان ظل بلا إجابات إستراتيجية كبرى تتعلق بالمستقبل والتاريخ فصاحبنا أصلا لم يكن يعرف من المستقبل إلا بكرة وبعده(على رأى حليم)ولم يكن يعرف من التاريخ إلا تفيد بإيه يا ندم(على رأى أم كلثوم).لقد رفع شعار الوحدة موصلا إياه إلى دماره , نازعا عنه كل مصداقية. سيظل وجه فلسطين(الاسلامى والقومي)يطل علينا عاتبا بين الحين والأخر لكن خبرا مثل فتح مكتب لحماس فى القاهرة والذى تناقلته وكالات الأنباء الخميس 14/9 خبرا كبيرا فى دلالته الإستراتيجية والأمنية وضع الأمني في حزمة الدلالات على(وش القفص)كما يقول المصريون الطيبون , زد على ذلك أن مصر طلبت من وفد حماس مد زيارته يوما حتى يلتقى بوفد فتح القادم إلى القاهرة الجمعة 15/9 . فى التفاصيل لا أهتم كثيرا بحضور الأستاذ/ دحلان أو عدم حضوره_ فلست متخصصا فى مجالات تحليل الهلوسة واندفاع الشهوات الباطنة_ لكن اهتمامى الحقيقى بالتطور الناضج فى الخبرة والفهم والتعامل عند حماس التى أكسبتها الأيام والأحداث وعيا وإدراكا واسعا بالسياسة والمصالح ولا أخفى عليكم عتاباتى القديمة على تلك الحركة الوطنية العزيزة على كل العرب..خاصة منها ما يتعلق بالارتباطات التنظيمية والإيديولوجية والتى وإن كانت معتبرة ومفهومة إلا أن المفهوم الوطنى والانسانى كحركة تحرر شريفة تناضل من أجل وطن محتل وشعب مأسور يظل هو المفهوم الأكثر اتصالا بحركة التاريخ والسياسة , وهو ما نراه يدور ويتحرك أمام أعيننا هذه الأيام واقعا يسيرعلى إيقاع زمنه. لكن ليبيا تظل هما وغما على صدر المصريين يغرقهم فى أعتى ظلمات القلق..ليس فقط لأن ليبيا تمثل الوسط الاستراتيجى لمصر فى الشمال الافريقى والذى بات مفتوحا على مخاطر جمة. وليس فقط لتلال الذكريات الشجية التى يحملها كل بيت مصرى عن ليبيا وأهل ليبيا نسبا ومصاهرة وتعليما وعملا وهى ذكريات مسكونة بكل الحكايات ولا أتصور أن هناك ليبيَا لم يتلق العلم على يد معلم مصرى ( وحكاية المعلم المصرى فى مدارس وجامعات كل العرب حكاية لا تكفيها الكتابات). ولكن وهو الأهم يظل الهم والقلق من كم الأيادي العابثة التى تكاثرت على أطول ساحل 1770 كم. يطل على بحرالتاريخ(البحر الابيض)وعلى المخزون الضخم(الخامس دوليا)للنفط الصخرى واحتياطات الغاز التى بلغت 177تريليون قدم مكعب . الليبيون لديهم ارتباط عميق بمصر الجغرافيا والبشرولديهم ميول مشرقية أكثر منها مغربية ,ولازالت عزيزالمصرى(الأب الروحى للعسكرية المصرية)وعبد الرحمن باشاعزام(مؤسس الجامعة العربية)لازالت تلك الأسماء فى ذاكرة الليبيين وهم يحاربون العدوان الايطالي جنبا الى جنب مع أبطال ليبيا ,وكلنا نذكر أن ضباط الانقلاب العسكرى الذى قام به الأخ العقيد وزملاؤه عام 1969م ,جاءوا إلى مصر وعرضوا على البكباشى الوحدة والاندماج الجغرافى والشعبى تحقيقا لحلم الوحدة العربية الذى عاش ومات عليه الكباشى خطابات رنانات فى التليفزيونات والإذاعات , ولم يخضه أبدا حقيقة وواقع (ومغامرة سوريا اكبر دليل على المسرح والمسرحة) البكباشى لم يكن أبدا أمينا مع منطق التاريخ, فلو كان جادا فى الوحدة لفعلها بكل السهولات مع السودان وليبيا. الخميس 14/9 بدأ في(لندن)الاجتماع السداسي حول ليبيا الذى سيستمريومين ويحضره وزراء خارجية أمريكا وبريطانيا ومصرومندوبين من فرنسا وإيطاليا والإمارات..فرنسا وايطاليا لهما خيوط من حديد موصولة بالداخل الليبى(مصالح ومنافع ومخابرات تجيد اللعب والمهارات)مصر والإمارات اختيارهم محسوم على الأستاذ/خليفة حفتر حيث المدرعة والدبابة تختصر كل الاختصارات وتفتح كل البوابات. دخول أمريكا على الخط وعلى هذا المستوى من التمثيل(وزير الخارجية)وعقد الاجتماع فى لندن(المخزن الأوروبى العتيق)يشير الى خطوات جديدة وأيضا جادة , فالوقت طال بما يزيد عن تخليص الخلاصات .. غسان سلامة(المبعوث الأممى السادس)ناقش كل الأطراف المأزومة فى ليبيا , د/غسان قام بمشاورات مكثّفة مع كل من(حكومة الوفاق والأستاذ/خليفة حفتر ومجلس النواب وأطراف ليبية أخرى أتصور أن منها فجر ليبيا)الاجتماع ركزعلى المحادثات السياسية والشرعية المؤسسة على التراضى العام _ وهو ما يعكر مزاج الأستاذ/خليفة_ وأيضا سيناقش تعديل اتفاق الصخيرات وهومطلب حفترى واقليمى قديم , أتوقع أن القادم فى ليبيا مختلف وإلزامى ونهائى وهو مرتبط بالتغيرات والتقلبات التى يشهدها الإقليم العربى كله وسط السأم العام والخوف المتزايد, الأوانى والقدور على النار تغلي وتفور والغطاء لم يرفع بعد ! ,تقول الشواهد أن كشف الغطاء بات قريبا . كل هذا كوم واهتمامي الشخصى بغسان سلامة كوم أخر..ذاك المفكر والمثقف الكاثوليكى والأكاديمى والسياسى الشامى , وإهتمامى به له جوانب عدة أولها بالطبع أنه يمثل نموذج للسياسى العتيق والمثقف العميق الذى حٌرمنا منه كثيرا فى المجال العام مصريا وعربيا(للأسف لا استطيع ذكر د/مصطفى الفقى فى هذا التصنيف..وكله من التنظيم الطليعى يا د/ مصطفى)وثانيها أنه المسيحى العربى المتجاوز للمذهبيات والطائفيات وثالثها أنه كان صديقا للعلامة محمد مهدى شمس الدين (1936م-2001م) أحد أهم أعلام الفكر الإسلامي المعاصر وسيد من سادة الاجتهاد الفقهى والذى كان رئيسا للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى غسان فريد سلامة 66 عاما(من جيل السبعينيات !! لكن شتان وستين شتان بينه وبين أهل الطموح والوجاهة عندنا)تخرج من كليةالحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت وذهب إلى باريس ليدرس الحقوق ثانية والعلوم السياسية والأدب,شارك في تأسيس معهد باريس للشؤون الدولية(معمل السياسة الخارجية الفرنسية كان وزيرا لثقافة لبنان بين 2000 و2003 وهو قومى عربى فرانكفونى !! فى عام 2003 عُين مستشاراً لبعثة الأممالمتحدة في العراق ثم مستشاراً للامين العام للام المتحدة بين 2003 و2005 ثم عام 2012 كان قريبا جدامن الراحل رفيق الحريري وبالتالى فهو خصم كبير للنظام السورى الطائفى(الأسد وعائلته) يقول:منذ اليوم الأول ولم أغير رأيي فى الأزمة السورية,لا يمكن أن تُحل عسكرياً بلهي تستدعي عاجلاً أم آجلاً حلاً سياسياً قد يبنى على بيان جنيف وعلى مبادئ فيينا التسعة,قال أيضا عن العراق مثَل غزو العراق على المستوى الإقليمي هدية إستراتيجية لإيران وعززت التيار المحافظ فيها ومكنتها من تصدير ثورتها إلى خمس ساحات: العراقولبنان وأفغانستان وبعض مناطق البحر الأحمر.الرباعية التونسية التى فازت بجائزة نوبل للسلام كانت قد طبقت أفكاره لإطفاء نيران كانت على و شك الاشتعال ويقول هو: ذلك يرجع لوعي المسئولين التونسيين بخطورة الوضع القائم آنذاك حيث بدأت الاغتيالات لأول مرة في تونس وبالتالي تخلى الجميع عن السلطة لصالح حكومة تكنوقراط لمصلحة البلاد. من مقولاته الهامة كمفكر عروبى: يتوجب علينا كعرب ألا نتشبث بالدفاع عن فكرتين، إما ثبات حدود الدول وإما التقسيم ويسأل: لماذا لا يفكر العرب بخيار ثالث كالفيديرالية مثلاً فعندما تريد جمع ما يكون قد تفرق وتشتت تكون الفيديرالية دواء وحين تريد تقسيم ما هو موحد تصبح الفيديرالية هي الداء). ننظر الى السودان ويحدونا الأمل والقلق..ننظر إلى فلسطين ويحدونا الوعد والبشارة والنصر القريب ..ننظر إلى ليبيا ويحدونا الخوف والترقب تحياتى للدكتور غسان فى مهمة كبيرة لكن عقله وصدره ليس بأصغر منها