أخيرا أصدر الدبلوماسي المخضرم عمرو موسى مذكراته. وكما هو متوقع جاءت ثرية بالتجارب، قوية وأنيقة في لغتها مثل شخصيته تماما. عندما كان أمينا عاما للجامعة العربية زرناه في مكتبه. أنا والصحفي السعودي الصديق هاني نقشبندي رئيس تحرير مجلتي المجلة وسيدتي في ذلك الوقت، والصديق مصور جريدة الشرق الأوسط محمد متولي فضل. اقترح عليه نقشبندي أن يكتب مذكراته وأن تنشرها المجلة، وتصدرها في كتاب الشركة السعودية للأبحاث والنشر صاحبة أشهر مجموعة عربية دولية من الصحف والمجلات وسائر المطبوعات، وكان على رأسها الناشران الشهيران هشام ومحمد علي حافظ، وتقود قاطرتها جريدة الشرق الأوسط من لندن. وافق عمرو موسى وتم الاتفاق أن أقوم أنا بتسجيلها صوتيا معه وكتابتها على الورق. كان وقته مزدحما وعيد الأضحى على الأبواب، فطلب أن تكون البداية بعد العيد، قالها بلغته الواثقة الرائعة، فهو يستيقظ مبكرا ليمارس رياضته الصباحية المعتادة في نادي الصيد، فليكن تسجيل المذكرات في ذلك التوقيت. من الطبيعي أن أكون سعيدا بتلك الفرصة الذهبية التي سيتيحها لي واحد من أفضل وأقوى من تولى وزارة الخارجية المصرية العريقة، بل آخر الأقوياء العرب المؤثرين في السياسة الإقليمية، لكن اختيار وقت صباحي مبكر هو ما أزعجني، فأنا لا أحب الاستيقاظ مبكرا، وعكس معظم الناس لا أكون في كامل تركيزي. انتهى عيد الأضحى ولم أحاول الاتصال به. من ناحية هاني نقشبندي فقد انشغل هو الآخر ببعض التغييرات الصحفية في المؤسسة شملته هو شخصيا فلم يسألني عن شيء. بعد سنوات عديدة انتهت مدة عمرو موسى في الجامعة العربية، وبعدها أصبح عضوا بارزا في جبهة الانقاذ المعارضة للرئيس الأسبق محمد مرسي. كتبت أنتقده على بعض مواقفه السياسية في عمودي بجريدة الصباح التي كان يصدرها رجل الأعمال أحمد بهجت صاحب قنوات دريم، وأعدت في نفس اليوم نشر المقال في موقع قناة العربية الذي كنت أتولى إدارته الفعلية. لم تمض ساعة حتى اتصل بي من القاهرة المذيع الشهير بقناة العربية محمود الوراوري وأبلغني رسالة شفوية من السيد عمرو موسى بأنه مستاء من إعادة نشر المقال في العربية نت، وقال بالحرف الواحد: كم سيقرأ جريدة الصباح؟!.. إنهم لن يكونوا بأي حال مجرد جزء صغير من قراء موقع العربية نت. ثم شرح له ما غاب عني في نقدي. عمرو موسى رجل أنيق في كل شيء. حتى في تعاملاته مع الوسط الصحفي. أعرف علاقاته القوية جدا إقليميا ودوليا وعلى مستوى أجهزة الإعلام، وأعلم أنه لم يكن يحتاج إلى أن يكلم الوراوري ثم يبلغني بما يريده. كان يستطيع أن يحذف المقال بقرار من أعلى. أن يتصل بمدير عام القناة عبدالرحمن الراشد أو بأكبر مسؤول في السعودية. لكنه لم يفعل ولا يرضى أن يفعل. لا أخفي إعجابي الشديد به منذ كان وزيرا للخارجية. يتكلم ويتحرك بلباقة طبقة الباشاوات وعباقرة مجمع اللغة العربية وأساتذة اللغويات في جامعة كامبردج. لغتاه العربية والإنجليزية ومفرداته متميزة للغاية. عندما ترشح للرئاسة تمنيته أن يكون رئيسا لمصر وقلت هذه فرصة ذهبية لتوطيد حكم مدني ولو حتى خلال الأربع سنوات الأولى من التجربة الديمقراطية التعددية بعد ثورة يناير، وأعطيته صوتي في الانتخابات، لكن الفرصة ضاعت على مصر، وما أكثر الفرص الضائعة في تاريخها المديد. [email protected]