كما كان متوقعا قدمت الحكومة الأردنية برئاسة عدنان بدران استقالتها، فيما تم تكليف السفير الأردني السابق في إسرائيل معروف البخيت من قبل العاهل الأردني بتشكيل الحكومة الجديدة، في إشارة واضحة إلى سيطرة النفس الأمني في الأردن، وكرد فيما يبدو على تهديدات الزرقاوي الأخيرة، بأن الأمن سيكون هاجس الأردن منذ الآن. هذا التغيير لن يكون الوحيد، والظاهر أن الأردن مقبل على سلسلة تغييرات جذرية لتعزيز خطى الإصلاح ومكافحة الوافد الجديد إليه "الإرهاب". فمن المتوقع أن يتبع هذا القرار قرار مماثل بحل مجلس النواب الأردني قبل أن ينعقد في دورته العادية المقبلة في الأول من كانون الأول المقبل .. * استحقاق لتفجيرات 9/ 11! ويعتقد على نحو واسع أن هذا التغيير إضافة إلى تغييرات تمت قبل أيام على مستوى المؤسسة الأمنية، تأتي كاستحقاق للتفجيرات التي ضربت ثلاث فنادق في العاصمة عمان، فضلا عن الانتقادات التي رافقت أصلا تشكيل حكومة بدران، هذا الرجل الأكاديمي في إبريل (نيسان) الماضي. فالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان قد أعاد الأسبوع الماضي تشكيل مجلس الأعيان بعد يوم واحد من إجراء تغييرات جذرية في مواقع رئيسة في الديوان الملكي وجهاز الأمن العام. والملاحظ أيضا أن هذه التغييرات تأتي بعد شهرين فقط من إلقاء العاهل الأردني خطابا أمام النخب السياسية والبرلمانية، ألمح فيه إلى عزمه إجراء تغييرات رئيسة في مؤسسات الدولة. * والوضع الاقتصادي أيضا! وإضافة لاستحقاق الأوضاع الأمنية في الأردن، برز تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين الأردنيين كواحد من أهم أسباب رحيل حكومة عدنان بدران، كيف لا وهي الأكثر إضرارا بالمستوى الاقتصادي للأردنيين، حيث أجرى بدران بعد ثلاثة أشهر من تشكيل حكومته الأولى تعديلا وزاريا محدودا بعد أن وقع أكثر من خمسين نائبا عريضة تهاجم الفريق الاقتصادي لحكومته. وأقرت حكومته رفع أسعار المحروقات مرتين في تموز وأيلول الماضيين، كما أن عهده شهد هجوم العقبة بقذائف الهاون والتفجيرات الأخيرة في فنادق عمان. * حكومة أمنية إصلاحية! وبعيدا عن الأسماء المطروحة في وزارة البخيت، ينظر إلى الحكومة المقبلة على أنها حكومة الأمن والإصلاح ومرحلة ما بعد تفجيرات عمان التي أحدثت تغييرا جذريا في الساحة الأردنية على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وكان البخيت يشغل منصب مدير الأمن الوطني قبل تكليفه بالحكومة الجديدة، ويحمل البخيت (58 عاما) الذي بدا حياته المهنية في الجيش رتبة لواء، وكان منسقا لمحادثات السلام مع إسرائيل بين عامي 1993 و1994. وكان البخيت أيضا سفيرا لدى تركيا قبل تعيينه سفيرا لدى إسرائيل في شباط/فبراير الماضي. والدكتور البخيت ينتمي لقبيلة عبّاد القوية في منطقة البلقاء في وسط الأردن، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في منتصف الثمانينيات في التاريخ العسكري من كلية لندن كوليدج العريقة للدراسات الإستراتيجية، وعمل في السابق مستشارا لولي العهد السابق الأمير الحسن بن طلال ثم مستشارا لدائرة المخابرات العامة. والملاحظ على الدوام ثقة العاهل الأردني بالأجهزة الأمنية ورجالاتها خاصة في الظروف الحالية التي تمر بها الأردن. وخلافا للجنرال البخيت تم تعيين جنرال آخر وهو سالم الترك رئيسا للديوان الملكي. وبذلك يكون هناك جنرالان على رأس المؤسستين الأردنيتين الأهم، ومن هنا ينظر إلى التغييرات بعين أمنية. فيما يعتقد أن حملة تغيير ستطال المؤسسة الأمنية الأردنية بأكملها، وقد تمس جهاز المخابرات العامة الذي ينظر إليه على أنه أخفق في التصدي للهجمات الأخيرة إضافة لهجمات العقبة. ويتوقع أن يشهد الأردن خلال الفترة المقبلة تشديدا رسميا في الخطابين الإعلامي والديني، والتوجه لتبني سياسة داخلية تحث على مراقبة الخطابين الديني والإعلامي على حد سواء باعتبارهما أحد مكونات "الإرهاب" الرئيسية. ومن المتوقع أن تطعّم الحكومة الجديدة بخبرات أمنية وإصلاحية وإعلامية، حيث تصاعد الجدل غداة التفجيرات عن حقيقة الدور الأمني في البلاد، ودور مؤسسات الإعلام الرسمية والخاصة في هذا الشأن وتحديدا التلفزيون الأردني الرسمي الذي اتهم بالتقصير. أما في موضوع الإصلاح، فينتظر أن تشمل الحكومة الجديدة شخصيات إصلاحية، بالنظر إلى اعتماد العاهل الأردني تقريبا لتوصيات ما عرف بلجنة "الأجندة"، التي وضعت في 24 صفحة تصوراتها واقتراحاتها لمضي الأردن في طريق الإصلاح في كافة النواحي. * معالي الشعب الأردني إلى أين! طالما عرف الأردن بكثرة التغييرات الوزارية فيه لدرجة أن البعض يتندر فيلقب الشعب الأردني ب"معالي" الشعب الأردني لكثرة المستوزرين أو الحالمين بتولي المناصب الوزارية. وحكومة معروف البخيت ستكون الرقم 90 منذ نشوء الدولة الأردنية عام 1921، وستولي موضوعي الأمن والإصلاح جانبا كبيرا من الاهتمام خاصة مع طرح ما يعرف بلجنة "الأجندة" لتوصياتها في 2900 صفحة، تتضمن رؤية الأردن المستقبلي في كافة المناحي، ولكن وسط كثير من الترقب والحذر والتشكيك والرفض لما سينبثق عن هذه اللجنة التي شكلت بأمر ملكي، من توصيات مقلقة قد تغير وجه الأردن تماما بدعوى الإصلاح والتغيير. وحكومة البخيت ستكون أولى مهامها تنفيذ توصيات لجنة الأجندة التي نعتقد أنها ترسم سياسات الأردن الداخلية والخارجية، ومن ضمنها أدوار الأردن في المنطقة. هي أجندة سترسم شكلا جديدا لهوية الأردن وستفرز تبعات جديدة لحالة الاستقطاب والحراك في الشارع الأردني بشكل يبعث على التفاؤل والتشاؤم معا. فثمة انتخابات برلمانية مقبلة على أساس تقسيم الأردن لأقاليم، وثمة أجندة لإعادة هيكلة الإعلام الأردني، وثمة توجه لتقوية ذلك الحلف القوي بين الأردن والولايات المتحدة. ترافق ذلك مع تصاعد الحديث في الأردن عن مشروع أمريكي "لتطوير" الإعلام الأردني، إلا أن أكثر ما أثار بعض التيارات الأردنية في توصيات لجنة الأجندة هذه، تلك الدعوة لتفكيك مؤسسات الدولة الأهلية منها والحكومية وعلى رأسها النقابات المهنية عبر بوابة إلغاء الزانية العضوية. العشر سنوات المقبلة هي المهمة الآن في الأردن، لأنها تنطوي على رؤية جديدة، رؤية يتبناها العاهل الأردني ويدعو لها على أساس الإصلاح والتغيير المصدر : مجلة العصر