قنديل.. غنيم.. الجبالي.. أبو المجد.. سعد الدين.. وبكار.. أين ذهبوا.. ولماذا سكتوا؟! قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، شهدت الحياة السياسية داخل البلاد حالةً من المد والجزر فيما يتعلق بالحريات والمساحة المتاحة للمعارضين والرأي الآخر، فكانت الشخصيات السياسية التي تعبر عن الوجه الآخر لمعارضة النظام، تظهر بين الحين والآخر على القنوات، وبعد الثورة ظهر عدد من تلك الشخصيات ولمع نجمها بقوة، حتى أصبحت من أقوى الشخصيات التي توجه الرأي العام المصري، ويسير خلفها الكثير من المواطنين، مع مختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية سواء بالتأييد أو المعارضة، ولكن بعد سنوات وتحديدًا بعد ثورة 30 يونيو، اختفوا رجال المرحلة السابقة، ليظهر آخرون بدلًا منهم، وسط حالة من الغموض حول مصير هؤلاء الشخصيات وماذا حل بهم، وماذا يفعلون الآن، ولماذا ابتعدوا عن المشهد السياسي في ذلك الوقت؟ وهل من عودة؟!. عبدالحليم قنديل أشد معارضي نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، فكان من الشخصيات السياسية المعروف عنها رفضها ل"التوريث"، والاستبداد والديكتاتورية التي عاش فيها الشعب المصري طوال حكم مبارك. ظل عبدالحليم قنديل، الكاتب الصحفي، ورئيس التحرير السابق لصحيفة صوت الأمة في دائرة المعارضة في حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، والإخوان، ولكن بعد ثورة 30يونيو بسنوات قليلة، ابتعد قنديل عن الساحة السياسية والإعلامية، بعد ظهوره المتكرر في الفضائيات المصرية المختلفة، لتحليل الوضع السياسي بطريقة معارضة، إلا أنه بعد شراء رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، لصحيفة صوت الأمة، اختفى قنديل من الساحة الإعلامية بشكل كبير، وأصبح البوق الوحيد للحديث هو المقال الذي يقوم بكتابته في موقع القدس العربي. تهاني الجبالي كانت المستشارة تهاني الجبالي، من أشد المعارضين لحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، وشاركت في ثورة 30يونيو، والإطاحة بحكم جماعة الإخوان من السلطة، وطالبت مرسي بالرحيل، وأكدت حينها أنه رئيس ليس لديه أي خبرات في إدارة الدولة ومؤسسة الرئاسة، وطالبته بالانفصال التام عن جماعة الإخوان المسلمين وعدم السعي ل"أخونة الدولة"، ثم عادت وهاجمته بشدة عقب الإعلان الدستوري في 2012، معلنة أنه فقد شرعيته كرئيس للجمهورية، باعتباره يقضي على كل مكتسبات ثورة يناير. ومن ثم بدأت تسارع في ترك منصبها كنائب لرئيس المحكمة الدستورية؛ بسبب الخلاف الدائم مع جماعة الإخوان، ودعت إلى تأسيس جبهة التحالف الجمهوري، التي خاضت من خلالها معركة الانتخابات البرلمانية ولكنها لم تكتمل بسبب بُعد الأزمات التي خاضتها مع تحالف دعم مصر. اتخذت الجبالي طريق التأييد للنظام الحاكم بعد ثورة 30 يونيو، ولكن في بعض الأحيان كانت تنتقد سياسات الحكومة وتعاملها مع الأزمات بين الحين والآخر، ولكن في هذه الفترة ابتعدت الجبالي عن المشهد السياسي دون سابق إنذار، واكتفت بالظهور في المحافل العامة والمؤتمرات التي تخص الجانب القضائي والمحاماة. وائل غنيم ناشط سياسي بارز، يعتقد كثيرون أنه أبرز مفجّري ثورة 25 يناير المطالبة بإسقاط نظام الرئيس محمد حسني مبارك، وأطلق عليه البعض لقب "قائد ثورة الشباب"، نظرًا لكونه أحد مؤسسي صفحة "كلنا خالد سعيد"، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لإشعال الثورة، ولكنه وبعد ثورة يونيو اختفى غنيم عن الساحة الإعلامية والسياسية بشكل مؤقت؛ حيث سافر غنيم إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للعمل في مؤسسة جوجل، وابتعد بشكل مؤقت عن الحديث في الشئون السياسية المصرية، إلا في بعض الأحيان للتعليق على قرارات أو أزمات حادة دخلت فيها مصر، وتخص الشئون الداخلية. فكانت آخر تعليقات غنيم من نصيب الذكرى السادسة لثورة ال25 من يناير، حيث قال: "سَتُهزم يناير حين يصمت الجميع.. لا تيأسوا.. ولا تصمتوا.. فكلامكم ثورة.."، وقال في رسالة إلى الشباب داعيًا إياهم إلى عدم اليأس والصمت، مُقرًّا في الوقت نفسه بوجود الكثير من الأخطاء وب"السذاجة" بالاعتقاد أن الطريق إلى تحقيق الأحلام سيكون سهلاً، منددًا في الوقت نفسه بالحملات التشويهية التي تطال المعارضين. وقال غنيم، في تدوينة عبر حسابه بموقع فيسبوك: "سيطلقون سهام الغضب على إيمانك بأن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وإقامة دولة العدل والقانون هي أساس التقدم والاستقرار.. سيسخرون منك ويلقبونك بشمام الُكلّة، وناشط السبوبة، والنكسجي.. ويتهمونك بالعمالة للغرب، وخيانة الوطن، وكراهية الجيش". أحمد كمال أبو المجد دراسة فتنظيم سياسي ثم محاماة، والاهتمام بحقوق الانسان والشأن السياسي، ثم الاختفاء، هو مصير "أحمد كمال أبو المجد"، السياسي والمفكر الإسلامي، اهتم بالشباب وبقضاياهم، وأعطى من عمره ما يزيد على العشرين عامًا، مدافعًا عن الشباب، وإليه يرجع الفضل في انتشار أقوى تنظيم شبابي سياسي عرفته مصر في الستينيات وأوائل السبعينيات عندما قاد منظمة الشباب وعلى يديه تشكل التنظيم الطليعي الذي قدم لمصر كوادر سياسية رائعة. بدأ يلمع نجمه قبل الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في ثورة ال25 من يناير؛ حيث إنه كان من أحد المؤيدين لحكمه وسياساته، ليتم تعيينه فكان نائبًا لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ووزير الإعلام والشباب الأسبق وعمل أمينًا لشباب مصر وكان محامًيا أمام محكمة النقض ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا أيضًا. ولكن أين أبو المجد الآن؟، لقد اختفى تمامًا عن الساحة السياسية والإعلامية، ولم يعد يظهر للحديث في الشأن السياسي سواء بالتأييد أو الاعتراض، أو حتى التعليق على مجريات ما يحدث للأمور داخل مصر، فكانت آخر كلماته قبل عام تقريبًا على أن جماعة الإخوان المسلمين ستتجه للمراجعات الفكرية، وطالب قيادات من التيارات الإسلامية، بضرورة قراءة الواقع من جديد، خاصة بعد خسارة جميع التيارات الإسلامية في مصر سواء التي شاركت في الحياة السياسية أو التي فضّلت الانعزال والاتجاه للعنف. سعد الدين إبراهيم شخصية تخرج بين الحين والآخر، بمبادرات ودعوات للتوافق بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين، إنه سعدالدين إبراهيم السياسي والحقوقي، الذي ذاع صيته بعد ثورة يناير، بدخوله في المعترك السياسي عبر مركز ابن خلدون الحقوقي، ولكن بعد ثورة يونيو والإطاحة بالإخوان، وفصل عدد من العاملين في المركز وأكدوا انتماء إبراهيم إلى جماعة الإخوان بشكل فكري. ولكن فى الفترة الأخيرة ابتعد إبراهيم عن الحديث بالشأن السياسي، والاكتفاء بكتابة مقالات يغرّد فيها بعيدًا عن الشأن المصري، البعض رجح ذلك لخوفه من القبضة الأمنية التي فرضها النظام على الساسة المعارضين خاصة بعد موجة الاعتقال والتضييق التي طالبت عددًا كبيرًا من الشخصيات الحقوقية والسياسية في الآونة الأخيرة. نادر بكار ظهر في فضاء العالم السياسي، بعد خوضه للانتخابات البرلمانية في عام 2012، بعهد جماعة الإخوان المسلمين، فكان نائبًا برلمانيًا عن الحزب، بصفته قياديًا وعضوًا للهيئة العليا للحزب، واتجه لتشكيل جبهة معارضة لجماعة الإخوان، وهو ما تم فعليًا بعد إعلان الحزب دعمه لثورة يونيه، والنظام الحالي بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي. هاجم بكار جماعة الإخوان، ووصفهم ب"المجرمين"، ولكن قبل عام تقريبًا اختفى بكار عن المشهد السياسي بشكل مؤقت واتجه إلي جامعة هارفرد؛ لاستكمال مسيرته العلمية، والتي انتهت بحصوله على شهادة الماجستير من تلك الجامعة. سياسيون: "الخوف" سبب رئيس لغيابهم بعد سيطرة "القبضة الأمنية" من جانبه، قال مختار الغباشي، الخبير السياسي، إن غياب شخصيات سياسية بارزة كانت من أشد الظاهرين خلال الفترات الحرجة التي مرت بها مصر، يأتي ذلك لأسباب عديدة، أولها الخوف من الحديث أو معارضة النظام الحالي، نظرًا للقبضة الأمنية، التي فرضها النظام؛ بسبب حرية إبداء الرأي والتعبير عنه، بشكل معارض للسياسات الحالية. وأضاف الغباشي، في تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن من ضمن الأسباب هو عدم قدرة الشخصيات التي غابت عن الساحة مجاراة سرعة الأحداث التي تعيش فيها مصر، بالإضافة إلى عدم الرضا عن سياسات الحكومة، مشيرًا إلى أن هناك حالة من الإحباط قد أصابت الشعب المصري تجاه تحليل الشخصيات السياسية لما يجرى على الساحة، خاصة بعد ثورتي" 25 يناير و30 يونيو"، والتي جاءت بالعديد من السلبيات على المواطن البسيط، الذي لا يهتم سوى بلقمة العيش فقط. وفي السياق ذاته، قال حسن أبو طالب، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن هناك عددًا من الشخصيات السالف ذكرها، غابت عن المشهد السياسي بسبب عدم ثقة الشعب في آرائهم السياسية، بالإضافة إلى انتمائهم إلى عدد من الجماعات والحركات التي تسببت بوجود حالة من الخراب التي تعيش فيها مصر خلال الفترات الماضية. وأضاف أبو طالب، في تصريحات ل"المصريون" أن الساحة السياسية والتحليلية للوضع الراهن تحتاج إلى أشخاص جدد؛ لكي يثق بهما المواطنون والجمهور الذي يستقي منهما المعلومات المختلفة والآراء حول المنهج الذي يسير عليه النظام سواء بالتأييد أو حتى المعارضة. وأوضح أن هناك شخصيات فضّلت الغياب عن المشهد؛ بسبب الخلافات الدائرة والمشهد الضبابي الذي يسيطر على الحالة السياسية في مصر، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، في 2018، والتي من الممكن أن تولّد نظامًا جديدًا وشخصيات تحاول الدخول في المعركة الانتخابية، خاصة في ظل وجود معارضة تحاول إبداء رأيها وتسعي جاهدة لإظهار صوتها للمواطن البسيط. فيما قال معصوم مرزوق، القيادي بحزب تيار الكرامة، إن أسباب اختفاء الرموز السياسية، هو المناخ السياسي الذي تعيشه مصر في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن البيئة الحالية غير سوية لظهور آراء سياسية متعددة، لعدم قدرة الأحزاب السياسية العادية في إبداء آرائها بشكل مريح وحر. وأضاف مرزوق، في تصريحاته ل"المصريون" أن ما حدث في مصر مؤخرًا بعد ثورتي يونيو ويناير، هو نزع السياسة تدريجيًا من الحياة العامة، مشيرًا إلى أن نظام الحكم يدير البلاد بطريقة الإدارة وليس السياسة، وأن الصوت الواحد المؤيد للنظام هو فقط مَن يستطيع الظهور، والدليل على ذلك موجة الاعتقالات في صفوف الشباب المعارضين، بالإضافة إلى التضييق على الشخصيات التي تعيش أجواء المعارضة السياسية حتى الآن. وفي سياق متصل، قال معتز الشناوي، القيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن هناك شخصيات فقدت سمة الثقة فيما بينها وبين الشعب، وشخصيات أخرى فضّلت البُعد عن الساحة السياسية بعد حالة التضييق والقمع التي يعيش فيها السياسيون المصريون في الوقت الحالي، وآخرون لم يعد لديهم أي جديد لتقديمه، وفضّلوا البُعد والاهتمام بحياتهم العملية والشخصية عن العمل السياسي العام. وأضاف الشناوي، أن من أهم الأسباب التي أبعدت تلك الشخصيات عن الحديث السياسي، هو الخوف من القبضة الأمنية التي فرضها النظام الحالي على المعارضين، بالإضافة إلى قلة الوعي السياسي الذي يعيش فيه المواطنون البسطاء، الذين أصبح شاغلهم الأساسي هو الحصول على لقمة العيش، خاصة بعد القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة؛ بسبب الحصول على أموال صندوق النقد الدولي، لذلك لم يعد من السهل أن يفكر المواطن في مصير مصر السياسي بقدر ما يفكر في مسألة كيف يتم الحصول على لقمة العيش بشكل سهل.