رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك شعب كنيسة عين شمس الاحتفال بخميس العهد    القومي للمرأة يهنئ سيدات مصر التي كرمهن الرئيس السيسي باحتفالية عيد العمال    مصطفى بكري: اتحاد القبائل العربية كيان وطني لا مجال للمزايدة عليه    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    أسعار العملات اليوم.. ارتفاع الدولار مع نهاية التعاملات    أسعار النفط تستقر وسط ارتفاع المخزونات وهدوء التوترات الجيوسياسية    للشهر الثاني على التوالي.. ميتسوبيشي مصر تثبت أسعار سياراتها    واشنطن: على إسرائيل منع الهجمات على قوافل المساعدات    الأونروا تعلن عدم قدرتها على إجلاء المدنيين من رفح وتحذر من سقوط آلاف القتلى    باحث: انشقاق واضح وغير مسبوق داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتستولي على قرية أوشيريتين    الحكومة: نعمل على توفير السيولة الدولارية لمواجهة أي تحديات اقتصادية إقليمية أو دولية    الدوري الأوروبي.. باير ليفركوزن يحرج روما في الشوط الأول    أسامة فيصل يَخلُف موديست في الأهلي.. خاص    بيان عاجل من الأهلي بشأن أزمة الشحات والشيبي.. «خطوة قبل التصعيد»    حريق هائل بسوق الخردة في الشرقية والدفع ب8 سيارات إطفاء (صور)    جهود لضبط متهم بقتل زوجته في شبرا الخيمة    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لشاب ينقب عن الآثار بأسيوط    بعد عرض 4 حلقات.. كيف علق الجمهور على مسلسل "البيت بيتي 2" ؟    ياسمين الخطيب تصدم الجمهور بسبب تغير أخلاق البنات (فيديو)    زاهي حواس لا يوجد آثار للأنبياء في مصر.. والبعض يدمرنا ليقف بجانب إسرائيل    من هي دانا حلبي التي ارتبط اسمها بالفنان محمد رجب وأنباء زواجهما؟    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    "العلاج على نفقة الدولة" يُطيح بمسؤولة الصحة في منيا القمح بالشرقية (صور)    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    خلال احتفالات شم النسيم.. مشروبات احرص على تناولها بعد تناول الفسيخ والرنجة    وزير الرياضة يشهد توقيع بروتوكول تعاون مع جامعة جنوب الوادي    إصابة موظف بعد سقوطه من الطابق الرابع بمبنى الإذاعة والتلفزيون    نجوم الغناء والتمثيل في عقد قران ابنة مصطفى كامل.. فيديو وصور    لمدة أسبوع.. دولة عربية تتعرض لظواهر جوية قاسية    مصرع أربعيني ونجله دهسًا أسفل عجلات السكة الحديدية في المنيا    الأرصاد العمانية تحذر من أمطار الغد    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    رسالة ودعاية بملايين.. خالد أبو بكر يعلق على زيارة الرئيس لمصنع هاير    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    «المهندسين» تنعى عبد الخالق عياد رئيس لجنة الطاقة والبيئة ب«الشيوخ»    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بطب قناة السويس    محمد سلماوي: الحرافيش كان لها دلالة رمزية في حياة نجيب محفوظ.. أديب نوبل حرص على قربه من الناس    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    ندوة توعوية بمستشفى العجمي ضمن الحملة القومية لأمراض القلب    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    رانجنيك يرفض عرض تدريب بايرن ميونخ    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التبرير وإلقاء المعاذير (2 2)


ثانيا : تبرير ترك السنة :-
وهناك من يترك السنة ، ويبرر للآخرين سبب تركها ، وقد وقع في هذا أفاضل الناس ، ومن ذلك ما رواه الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلة فقال : { أَلاَ تُصَلِّيَانِ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا ، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ : { وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } ( الكهف : 54 ) }
فشيخ الإسلام يرى أن احتجاج علي رضى الله عنه هذا لم يكن صوابا بل يرى جواب النبي صلى الله عليه وسلم له نص في ذم من عارض الأمر بالقدر . فقد قال في " المنهاج " : { ولهذا ذم السلف أهل الكلام وكذلك الجدل إذا لم يكن الكلام بحجة صحيحة لم يك إلا جدلا محضا والاحتجاج بالقدر من هذا الباب كما في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال طرقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة فقال ألا تقومان تصليان فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء يبعثنا بعثنا قال فولى وهو يقول : ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ). فإنه لما أمرهم بقيام الليل فاعتل علي رضي الله عنه بالقدر وأنه لو شاء الله لأيقظنا علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس فيه إلا مجرد الجدل الذي ليس بحق فقال وكان الإنسان أكثر شيء جدلا . } أه .
وفي مجموع فتاويه قال : { حديث علي رضي الله عنه المخرج في الصحيح لما طرقه النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة - وهما نائمان - فقال ( ألا تصليان ) فقال علي : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يمسكها وإن شاء أن يرسلها ، فولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب بيده على فخذه وهو يقول : ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) هذا الحديث نص في ذم من عارض الأمر بالقدر ، فإن قوله : ( إنما أنفسنا بيد الله ) إلى آخره . استناد إلى القدر في ترك امتثال الأمر ، وهي في نفسها كلمة حق ، لكن لا تصلح لمعارضة الأمر بل معارضة الأمر فيها من باب الجدل المذموم الذي قال الله فيه : ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) . } أه .
وقال محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله – في تفسيره " التحرير والتنوير " : { يريد النبي أن الأولى بعلي أن يحمد ، ويشكر إيقاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ليقوم من الليل ، ويحرص على تكرار ذلك ، وأن يُسرّ بما في كلام رسول الله من ملام ، ولا يستبدل به ما يحبذ من نومه ، فذلك محل تعجّب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام عليّ رضي الله عنه } أه .
ومن أمثلة تبرير ترك السنة الآن : تبرير بعض المسلمين ترك صلاة القيام - التراويح - فى رمضان بحجة تطويل الإمام ، بالرغم من عدم تطويله ، وجل هم بعضهم العودة سريعا إلى بيوتهم للإعتكاف أمام التلفاز ومشاهدة البرامج الرمضانية ، ولا يجدون حرجا من الوقوف في طوابير الخبز وأنابيب الغاز بالساعات !!
ثالثا : تبرير الوقوع فى الشرك :-
فقد برر المشركون شركهم بالقدر ، وأن الله قد كتبه عليهم ، فقال الله عنهم : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } ( الأنعام : 148 ) . وقد رد الله عليهم بقوله تعالى : { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا } ( الأنعام : 148 ) فلم تقبل منهم هذه الحجة ، لأن الله تعالى جعل ذلك تكذيباً وجعل له عقوبة : ( حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا ) .
ومن أمثلة تبرير الوقوع في الشرك الآن :
1- تبرير الحلف بغير الله ، بالنية الصالحة ، فكثير من المسلمين يحلفون بالنبى صلى الله عليه وسلم ، ويحلفون بالنعمة ، وبآبائهم وأبنائهم ، وغير ذلك من المخلوقين ، فإذا أنكر عليهم ، برروا ذلك بأن النية لا تقصد الوقوع في الشرك ، واستدلوا بحديث { إنما الأعمال بالنيات ) ( رواه البخارى )
2- تبرير الوقوع في التشبية المحرم في الصفات بأن النية لم تنصرف إليه ، فترى البعض يعد النقود فيقول : الله واحد ماله ثان ، ماله ثالث وهكذا .
ويرد على الإحتجاج بالنية على الوقوع في الشرك أو المحرم بالآتى :
أ – بالمنقول : فقد تواترت الأدلة على إعتبار الحلف بغير الله شركا لا يجوز للمسلم أن يقع فيه :
فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الآ إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } ( متفق عليه ) .
وعن بريدة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من حلف بالأمانة فليس منا } ( رواه أبو داود وصححه الألباني ) .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – إنه سمع رجلا يقول : والكعبة ، فقال ابن عمر : { لا يحلف بغير الله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك } ( رواه أبو داود وصححه الألباني ).
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه قال : { لئن احلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا }
ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا من الكبائر ، لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان شركا أصغر .
فالحلف بغير الله إن اعتقد المسلم جوازه أو استحله ، أو عظمه تعظيم العبادة كان شركا أكبر ، وإن كان غير ذلك فهو شرك أصغر ، قال الإمام حسين بن غنام : ( ومن حلف بغير الله معظما له تعظيم العبادة فقد أجمع أهل الإسلام على كفره وإن لم يقصد ذلك صار كفرا دون كفر ) وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله أن يكفر عن ذلك بقول لا إله إلا الله ، فعن أبو هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حلف منكم فقال في حلفه باللات فليقل لا إله إلا الله } ( رواه مسلم )
كما تواترت الأدلة على توحيد الله في صفاته ، كما يوحد في ربوبيته وألوهيته ، فيثبت المسلم لله ما أثبته لنفسه بغير تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ، قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ( الشورى 11 ) فمن ثم فلا يجوز أن يمسك المسلم بالنقود ويقول عند عد أولها الله واحد ، فهل الجنية هو الله ؟!!
ب – بالقياس : فقد نهى الله عز وجل الصحابة عن القول المتردد بين الحل والحرمة بالرغم من أن نيتهم لم تتجه إلي معناه المحرم ، فالنهى عن القول المحرم مع عدم إتجاه النية إليه من باب أولى : فقد كان الصحابة يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم ( راعنا يا رسول الله ) من المراعاة أي أرعنا سمعك ، وكان اليهود يقولون : ( راعنا يا محمد ) من الرعونة وهى سبة للنبى صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم الله عن قول راعنا بالرغم من أن نيتهم لم تتجه إلى المقصد المحرم فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ? وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( البقرة 104 )
ج – يقال لمن يعترض على ما سبق هل يمكن لرجل أن يسرق أو يزنى ، فإن قال السرقة والزنى محرمان ، فيقال له سيسرق للإنفاق على الفقراء ، ويزنى لإنجاب أولاد يحفظهم القرآن ويستدل على ذلك بحديث { إنما الأعمال بالنيات } ، فلن يقبل هذا الإستدلال ، فنقول له لم لم تقبله في السرقة والزنى وقبلته في الحلف بغير الله ، وتشبيه الله بمخلوقاته ، وهما أعظم إثما منهما ؟!!
رابعا : تبرير الوقوع فى الكفر :-
اصطلح العلماء على أن من صرف ما يجب لله لغيره أو صرفه لله ولغيره - كالعبادات فهو المشرك ، وأن من أتى مناقضًا للإيمان من اعتقادات وأقوال وأفعال حكم الشارع بأنها تناقض الإيمان ، فهو الكافر . وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في " شرح صحيح مسلم " : { الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش ، فيكون الكفر أعم من الشرك } أه .
وقد يقع المسلم في الكفر ، وهو يجهله ، فيعذر بجهله ، ولكن لا يجوز له أن يبرره ، فبعض من لا خلاق لهم إذا وقعوا فيه برروه ، فعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال : { أنه قال رجلٌ في غزوةِ تبوكَ : ما رأينا مثلَ قُرَّائِنا هؤلاءِ أرغبَ بطونًا ولا أكذبَ ألسُنًا ولا أجبَنَ عندَ اللقاءِ . فقال له عوفُ بنُ مالكٍ : كذَبتَ ، ولكنك منافقٌ ، لأُخبِرَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فذهب عوفٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لِيخبِرَه ، فوجد القرآنَ قد سبقه ، فجاء ذلك الرجلُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقد ارتحلَ وركب ناقتَه ، فقال : يا رسولَ اللهِ ، إنما كنا نخوضُ ونتحدثُ حديثَ الركبِ نقطعُ به عنا الطريقَ . قال ابنُ عمرَ : كأني أنظرُ إليه متعلقًا بنسعةِ ناقةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وإن الحجارةَ تنكُبُ رجلَيه ، وهو يقولُ : إنما كنا نخوضُ ونلعبُ . فيقولُ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ما يلتفتُ إليه وما يزيدُه عليه يعني رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابَه القراءَ . } ( رواه إبن جرير وسنده جيد )
ومن أمثلة تبرير الوقوع في الكفر الآن : إلقاء النكات المستهزئة بالله وآياته ورسوله ، ثم تبرير ذلك بأنه ليست حقيقية وإنما على سبيل المزاح ، الإستهزاء بشعائر الإسلام كاللحية ، والجلباب القصير للرجال ، والنقاب للنساء ، وتبرير ذلك بالرجعية والتخلف .
خامسا : تبرير فعل الحرام :-
وقد وقع أقوام في الحرام وبرروه بإتباع نهج الآباء ، وبأن الله أمرهم به ، قال تعالى : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ? قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ? أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. } ( الأعراف 28 )
وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال : { بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود ، قال : ( انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة ، ومعها كتاب فخذوه منها ) . فانطلقنا تعادى بنا خيلنا ، حتى انتهينا إلى الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي من كتاب ، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ، فأجرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا حاطب ما هذا ) . قال : يا رسول الله لا تعجل علي ، إني كنت أمرأ ملصقا في قريش ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة ، يحمون بها أهليهم وأموالهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم ، أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد صدقكم ) . قال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، قال : ( إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) . قال سفيان : وأي إسناد هذا .} ( رواه البخارى )
فحاطب بن أبى بلتعة إرتكب فعلا محرما يكمن في إبلاغه قريشا بعزم النبى صلى الله عليه وسلم فتح مكة ، ثم برر فعله هذا بأنه أراد أن يتقرب من سادات قريش حتى يحموا أقاربه الموجدين بمكة ، ولم يقتنع النبى صلى الله عليه وسلم بهذا المبرر ، وإنما سامحه لأنه شهد معركة بدر ، ولأن الفعل وإن كان جرما إلا أنه لا يشكل حدا .
ومن أمثلة تبرير فعل في الحرام الآن : تبرير مصافحة المرأة الأجنبية المحرم بإتفاق الأئمة الأربعة على تحريم مصافحتها ، وقالت الحنابلة منهم : سواء كانت المصافحة من وراء حائل أو لا . فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له } ( رواه الطبراني وصححه الألبانى ) ولا شك في أن المصافحة من المس . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : { والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى ، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط ، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن البيعة : " قد بايعتكن كلاما ". } ( أخرجه إبن ماجة وصححه الألبانى ) وعن أميمة بنت رقيقة رضى الله عنها قالت : { أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ مِن الأنصارِ نبايعُه ، فقلنا : يا رسولَ اللهِ ، نبايعُك على أن لا نشركَ باللهِ شيئًا ، ولا نسرقَ ، ولا نزنيَ ، ولا نأتيَ ببهتانٍ نفتريه بين أيدينا ، وأرجلِنا ، ولا نعصيَك في معروفٍ . قال : فيما استطعتُنَّ وأطقْتُنَّ . قالت : قلنا : اللهُ ورسولُه أرحمُ بنا . هلمَّ نبايعْك يا رسولَ اللهِ ، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم : إني لا أصافحُ النساءَ ! إنما قولي لمائةِ امرأةٍ ، كقولي لامرأةٍ واحدةٍ أو مثل قولي لامرأةٍ واحدةٍ . } ( رواه النسائى وصححه الألبانى ) بأن كل الناس يصافحون النساء ، وأن أجدادهم وآباءهم كانوا يفعلون ذلك حتى ظهرتم أنتم وحرمتم المصافحة !!
سادسا : تبرير فعل المكروه :-
وقد يفعل المسلم المكروه فيبرر فعله بمبررات واهيه ، فمثلا : مسألة الأكل والشرب باليد الشمال قد ورد النهي الصريح عنها في أحاديث صحاح فقد روى مسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه واذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله }
قال الشيخ خالد بن سعود البليهد في " حكم الأكل والشرب بالشمال " بموقع صيد الفوائد بالشبكة العنكبوتية : { وقد اختلف أهل العلم في توجيه النهي الوارد : فذهب أكثر العلماء وهو مذهب الأئمة الأربعة إلى أن النهي على سبيل الكراهة فيكره الأكل والشرب بالشمال ولا يحرم وحجتهم :
أن هذا النهي من باب الأدب والإرشاد وما كان من هذا الباب فمحمول على التنزيه كنظائره لأن مقصود الشارع التكريم وقد تقرر قاعدة الشارع في استعمال اليمين في الأمور التي حقها التكريم .
وذهب قلة إلى أن النهي على سبيل التحريم فيحرم الأكل والشرب بالشمال ويأثم الانسان بذلك قال بذلك ابن عبد البر وابن حزم وابن حجر وحجتهم في ذلك :
1- أن الأصل في النهي التحريم إلا بصارف ولا يوجد صارف .
2- ولأن الشارع شبه هذا الفعل بالشيطان وهذه قرينة تدل على أن هذا الفعل محرم لأن التشبيه في هذا المقام يقتضي التحريم .
3- ولأن النبي دعا على الآكل بالشمال بالشلل وهذا يدل على تحريم هذه الفعلة .
والصحيح مذهب الأكثر وهو القول بالكراهة وذلك للآتى :
1- لأن النهي إذا كان يرجع إلى معنى الأدب والإرشاد ولا يتضمن التعدي على ملك الغير فيحمل على الكراهة .
2- ولأن معنى هذا النهي يحمل على مقصد استحباب اليمين في الطيبات لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي شأنه كله كما ثبت في الصحيح ولذلك ورد في الصحيحين : { يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك } قال القرطبي : { كل هذه الأوامر من المحاسن المكملة والمكارم المستحسنة والأصل فيما كان من هذا الترغيب والندب }.
3- ولأن تشبيه الفعل بصفات الشيطان لا تدل على التحريم مطلقا وإنما مقصود الشارع بهذا التشبيه الذم والتنفير وأقلها الكراهة وتختلف مرتبة هذه الأفعال منها ما هو محرم لقرينة ومنها ما هو مكروه لوجود أدلة تفيد جواز فعلها كالسفر منفردا وترك القيلولة والوقوف بين الظل والشمس ونحو ذلك مما ورد أنها صفات للشيطان في لسان الشرع ومع ذلك فهي مكروهة عند العامة فليس كل تشبه به يقتضي التحريم .
4- وأما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من عصاه بالشلل فلا يدل على تحريم الأكل بالشمال وإنما دعا عليه بسبب الكبر واستعلائه على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا شك أن الكبر من الكبائر الموجبة دخول النار.
ومع كون الأكل والشرب بالشمال مكروه وليس بحرام فلا ينبغي للمؤمن أن يتعمد ذلك اتباعا للسنة وتواضعا لله إلا إذا دعت الحاجة لذلك خاصة إذا كان ممن يقتدى به وينبغي عليه أن يربى ولده وأهله وأصحابه على استعمال اليمين في الأكل والشرب . أما إذا لم يستطع استعمال اليمين في الأكل والشرب لعذر منعه من ذلك كمرض وجراحة ونحو ذلك جاز له استعمال الشمال بلا كراهة ولا يدخل في النهي لأنه معذور ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها . } أه .
وعن سلمة بن الأكوع : { أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت - ما منعه إلا الكبر- فما رفعها إلى فيه } ( رواه مسلم ) فهذا الرجل قد برر فعل المكروه بعدم إستطاعة الأكل بيمينه ، والحقيقة أنه كان قادرا على ذلك ولكن منعه الكبر ، فكان جزاؤه أن دعى عليه النبى صلى الله عليه وسلم فشلت يده .
ومن أمثلة تبرير فعل المكروه الآن : أكل بعض الناس وشربهم بشمالهم ثم يبررون ذلك بما أصطلحوا على تسميته " الإتيكيت " فإمساك السكين باليمين والأكل بالشوكة بالشمال ، ووصمهم من ينكر عليهم بالرجعية والتخلف ، وأن العالم قد تقدم وصعد إلى الفضاء وأنتم مازلتم تنكرون على من أكل بشماله !!
الوقفة الرابعة : سوء عاقبة التبرير :-
جاء بمقالة التبرير سلاح العاجز بموقع إسلام ويب بالشبكة العنكبوتية : { التبرير مرض عضال نهايته مؤسفة ، ونتيجته مُرَّة على صاحبه ، فهو بمداومته على التبرير ينصرف عن إصلاح ذاته ، كما ينصرف عن تفقد عيوب نفسه ، وبالتالي يرى أنه دائما على خير وإذا وصل العبد إلى هذا الحال صعب إصلاحه وفقد انسجامه الذاتي ؛ لأنه في الواقع يعيش حالة من الحرب النفسية الداخلية هو فيها الجلاد والضحية .
إن صاحب هذا المرض يكون وبالا على نفسه وعلى الآخرين ، كما أنه يكون شديد الخصومة كثير الجدل وعندئذ يكون من أبغض الخلق إلى الله تعالى ، ففي الحديث : { أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم } ( رواه البخاري ) .} أه .
ويخشى على هؤلاء من أن يكونوا ممن ورد فيهم الأثر عن الحسن البصري - رضي الله عنه قال : ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ، إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ، وقالوا : نحسن الظن بالله تعالى وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .
الوقفة الخامسة : من أسباب الوقوع في التبرير:-
كما جاء بنفس المقالة : { إن العقبة الرئيسة في التبرير هي عدم الصراحة مع النفس ، ذلك أننا نفشل في أن نحدث أنفسنا عن واقعنا ، وهذا يرجع إلى أننا تعلمنا منذ طفولتنا وصبانا أن نرتفع إلى مستويات أخلاقية ، وصفات سامية ، وعالية ، لا يسهل علينا الوصول إليها غالباً .
ولذلك نعمد إلى إخفاء حقيقتنا في إطار من الأكاذيب على النفس حددته أساليب تربيتنا الأولى ( قراءة في مشكلات الطفولة ) .
كما قد يكون التبرير راجعا إلى كِبْرٍ أصاب القلب يصعب معه الاعتذار أو الظهور بمظهر الضعف في ظن هذا المتكبر.
ومن أسبابه أيضا حب الدنيا والركون إليها ولعل هذا السبب تحديدا هو ما يحمل الكثيرين على ارتكاب ما نهى الله عنه مبررين ذلك بأسباب واهية ، فمن يأكل الربا يزعم أنه مضطر ولو نظرت في حاله لوجدته غالبا غير مضطر بل ربما غير محتاج أصلا ، وقس على ذلك كثيرا من المخالفات التي تقع في عصرنا ويحاول أصحابها تبريرها . } أه .
الوقفة السادسة : علاج التبرير وإلقاء المعاذير :-
وجاء بها أيضا : { لا شك أن الصدق مع النفس هو الطريق الواضح ، والسبيل اليسير ، حتى لا ندخل في متاهات التبرير، فمحاسبة النفس على التقصير والوقوف على خطئها يقيها كثيراً من مصارع السوء ، ولا يجعلنا نراكم الأخطاء ، والواقع أن الصدق مع الذات من أعلى مراتب الصدق ، وأصعبها ، وأرجو أن نتدبر قصة توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه ، فإنما أنجاه الله بصدقه ؛ فإنه لما جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يا رسول الله ! إني لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطته بعذر ، والله ما كان لي عذر } .فقبل الله منه وعذره وتاب عليه ، أما من كذب وأتى بأسباب واهية لا حقيقة لها فقد فضحه الله .
كما أن من أهم وسائل العلاج مطالعة سير وأحوال من وقعوا في هذه الآفة ، وانظر إلى هؤلاء القوم من بني إسرائيل لما سيطرت عليهم العقلية التبريرية فاحتالوا على حكم الله تعالى واصطادوا يوم السبت مسخهم الله قردة وخنازير : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين } . ( البقرة 65 ) .
إنك حين تتدبر هذه العقوبة لمن كان متصفا بهذه الصفة مجترئا على حدود الله تعالى لا شك ستراجع نفسك مرات ومرات قبل الإقدام على فعل تعلم سوء عاقبته .
والله الموفق .
المستشار / أحمد السيد على إبراهيم
** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة والكاتب بمجلة التوحيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.