استطلاعات الرأى مجرد نسب مئوية خيالية تجرى حول نسب التصويت الخاصة بمرشحى الرئاسة ومدى شعبية الجماهير وقَبولها لهم، والتى تنشرها الصحف وتنقلها وسائل الإعلام بشكل يومى أو أسبوعى منذ بداية ماراثون الانتخابات الرئاسية، والتى تصدَّر مرشحا الفلول عمرو موسى وأحمد شفيق فى المرتبة الأولى لهذه الاستطلاعات، وكأنها تتم على كوكب المِرِّيخ، وعلى عيّنات وأشخاص ربما لم يوجَدوا داخل المجتمع المصرى، أو تمَّت فى دولة أحلام فلول النظام السابق الذين يسعَوْن لعودة كِيانهم مرةً أخرى، كمحاولة فاشلة للتأثير فى الرأى العام وتوجيه اختيارهم. نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة كشفت زيف استطلاعات الرآى التى ظلت صحف الفلول ورجال الأعمال وقنوات المال القبطى والمشبوه تروج لها، فالمرشح الإخوانى د. محمد مرسى استبعدته كافة استطلاعات الرأى، لكن النتائج على أرض الواقع أدخلته جولة الإعادة بفارق كبير عن أقرب منافسيه. * الأهرام والمصرى اليوم انفردتا بالاستطلاعات المضروبة حالة التبايُن واختلاف النتائج النهائية التى تنشرها كل جريدة تفضح جرائم تزوير الاستطلاعات لصالح الفلول، فعلى سبيل المثال صحيفة "الأهرام" تنشر أسبوعيًّا منذ ما يزيد عن شهر ونصف استطلاعًا يحتل صفحةً كاملةً مصحوبًا بالجداول والرسوم التوضيحية، وتتعمد أن يتصدَّر عمرو موسى المرتبة الأولى، ثم يليه عبد المنعم أبو الفتوح، ويأتى فى المرتبة الثالثة أحمد شفيق. وفى استطلاعها الأخير الذى نشرته (14 مايو)، حقق عمرو موسى الترتيب الأول بنسبة 40.8%، وفى المرتبة الثانية جاء أحمد شفيق بنسبة 19.9%، بينما أبو الفتوح 17.7% ليحتل المركز الثالث. إبراز "الأهرام" لعمرو موسى لم يكن مستبعَدًا بعد الاستطلاع الشهير الذى جاء عقب إعلان عمر سليمان ترشيح نفسه، والذى حقَّق سليمان فيه المركز الأول بين كل المرشحين فور ترشحه! وإذا انتقلنا إلى صحيفة أخرى مثل "المِصرى اليوم" فسوف نجد تقارب نتائج الاستطلاع بين المرشحين موسى وشفيق؛ حتى تكاد لا تجد فارقًا كبيرًا مثل الذى تقرؤه فى استطلاعات "الأهرام". وتصدّر أحمد شفيق المركز الأول فى استطلاع الرأى الذى أجراه مركز معلومات مجلس الوزراء؛ الذى كان يعد استطلاعات "المخلوع"، يليه عمرو موسى وحمدين صباحى، واختفى تمامًا اسمَا أبو الفتوح والدكتور محمد مرسى. هذا التباين الواضح فى الاستطلاعات يجعلنا لا نبنى عليها حساباتنا، ويعيد إلى ذاكرتنا هذا الاستطلاع الشهير الذى أجراه مركز اتخاذ ودعم القرار التابع لمجلس الوزراء المصرى قُبيل قيام ثورة يناير ببضعة أسابيع، وخلصت نتائجه إلى رضاء المصريين بدرجة كبيرة عن مجمل الأداء الحكومى! وفى الوقت الذى تنشر فيه الصحف المصرية مثل تلك الاستطلاعات فإن الانتخابات الرئاسية فى فرنسا كانت على أشدّها، وأجريت استطلاعات الرأى حول فرص المرشحين البارزين ساركوزى وأولاند، ولم نجد مثل تلك الفوارق الضخمة، التى نجدها فى استطلاعات الرأى الرئاسية التى تُجرى فى بلادنا، وجاءت النتائج النهائية مطابقةً لنتائج استطلاع الرأى. تساؤلات عدة تطرح نفسها: هل يمكن تصديق مثل هذه الاستطلاعات؟، وما هى أسباب التباين بين صحيفة وأخرى فى نسب الاستطلاعات؟، وما مدى تأثير التوجهات السياسية للصحيفة فى النتائج النهائية للاستطلاع؟! * استطلاعات خادعة تصطدم تمامًا مع ما يجرى على الأرض يقول حسين الصاوى موظف أن استطلاعات الرأى التى تم إجراؤها مؤخرًا من جانب صحف قومية وبعض وسائل الإعلام، أفضت إلى نتائج تصطدم تمامًا مع ما يجرى على الأرض، وما يستقر فى نفوس المواطنين، وما يشكِّل حديث الناس ومناقشاتهم، موضحًا أن الشارع المصرى أعلن أن التيار الإسلامى هو التيار الأساسى فى المجتمع، وظهر ذلك جليًّا فى الانتخابات النيابية، وعلى الرغم من ذلك يظهر علينا استطلاع رأى يضع أحمد شفيق فى المقدمة بنسبة (64%)، وهذا إن دل فإنما يدل على فساد الخُطوات العلمية المتبعة فى تنفيذ هذه الاستطلاعات، إلا أن المواطنَ أصبح لديه القدرة على التمييز الصحيح. ويشير إلى أن هناك خطأً حدث أثناء قيام الصحف بعملية الاستطلاع فى اختيار العينة؛ حيث تمَّ اللجوء إلى عينة من وَحدات وأمانات الحزب الوطنى المنحل، ومن ثَمَّ سيكون من الطبيعى إذا صَوَّت أعضاء الحزب الوطنى فى استطلاع ما سوف تكون النتيجة لصالح شفيق أو عمرو موسى! ويشاركه فى الرأى محمد النمرسى، مهندس حاسب آلى، حيث قال إن مثل هذه الاستطلاعات تلعب دورًا فى خداع الرأى العام وتضليله، ويستحق معدو هذه الاستطلاعات أن يقدَّموا للمحاكمة؛ لأنهم يزيِّفون اتجاهات الرأى العام مرةً بالتوجيه إلى أن مرشحى الفلول هم أكثر المرشحين شعبيةً، والمرة الأخرى بتزييف الأساليب العلمية التى من المفترض أن يُجرَى الاستطلاع وفقًا لها. ويطالب المِصريين بأن ينتبهوا جيدًا للمؤامرة التى تُحَاكُ بهم، وألا يتركوا الفرصة لأحد ليخدعهم بالأساليب العلمية؛ لأن هذه الأساليب تمَّ توظيفها لتوجيه إرادة الجماهير وليس الحصول على الحقيقة. * د. عبد العزيز الصواف: مؤسسات "مبارك" البحثية تحرِّك الاستطلاعات الوهمية وحول هذه الظاهرة يقول الدكتور عبد العزيز الصواف أستاذ علم الاجتماع إن الجهة المنوط بها القيام بعمليات استطلاع الرأى فى أى مجتمع توجد جهتان لاستطلاع الرأى: إحداهما رسمية تقوم بها السلطة، وأخرى خاصة تقوم بها مراكز وبحوث خاصة، ومصر لا يوجد بها استطلاعات رأى بالمعنى العلمى على المستويين الرسمى والخاص؛ وذلك لأن استطلاعات الرأى الخاصة يشوبها الكثير من الأخطاء المنهجية والرسمية؛ فهى استطلاعات موجودة بالأساس لتأتى بنتائج معينة، ومن ثم لا ينبغى للجمهور أن يثق بنتائجها. وترجع أسباب تبايُن نتائج الاستطلاعات فى الصحف المختلفة إلى الأغراض الخاصة لمطبقى الاستطلاع وقناعاتهم وأيديولوجياتهم الفكرية والسياسية والتوقيت الذى يجرى فيه الاستطلاع، مستبعدًا أن تكون وسائل الإعلام التى أجرت استطلاعات للرأى طبقت المعايير العلمية الدقيقة للاستطلاع. ويضيف أن حجم العينة يلعب دورًا مؤثرًا فى صحة نتائج الاستطلاع، مبينًا أنه كلما زاد عدد أفراد المجتمع يزيد حجم العينة، وكلما كان أفراد المجتمع متجانسين لا يحتاج الاستطلاع إلى عينة كبيرة، أما إذا كان أفراد المجتمع غير متجانسين، أى كانوا ذكورًا وإناثًا، وشبابًا وشيوخًا، فإنه ينبغى أن تكون العينة كبيرة جدًّا حتى تعطى مؤشرًا جيدًا. * د. ثريا عبد الخالق: تزوير الرأى العام أمر غير مستبعَد من بقايا النظام البائد وتؤكد الدكتور ثريا عبد الخالق أستاذ الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أن استطلاعات الرأى التى تجرى حاليًّا حول مدى شعبية الجماهير وقَبولها لمرشحى الرئاسة، تفتقد الثقة، خاصةً أنها مازالت تجرى على أيدى أقطاب النظام السابق، وفى المؤسسات البحثية التى تخدم النظام القديم، بالإضافة إلى أنها تتم فى مجتمع يعانى التضارُبَ والانقسامَ فى الرأى العام والفتن السياسية، مشيرةً إلى أن عملية قلب الحقائق شىء متوقَّع، وتَنُمُّ عن وجود عقلية شيطانية تخطط لقلب الموازين. وتضيف أنه بأى حال من الأحوال لن تكون النتائج النهائية على قدر من الدقة؛ لأنها لا تعتمد على قياسات صحيحة، فضلاً عن أن الفترة التى يجرى فيها الاستطلاع قصيرة جدًّا، موضحةً أن الجهات التى تتولَّى عملية الاستطلاع لم توضح المؤشرات والأخطاء التى اعتمدت عليها وحجم العينة التى تم القياس عليها، وهل أجريت على كل الجماهير فى كل المحافظات أم لا؟! * د. خالد الصفتى: الصحف المسمَّاة بالقومية تنشر نتائج خيالية ويشير الدكتور خالد الصفتى أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة إلى أنه من البديهى جدًّا أن يتم تزوير استطلاعات الرأى؛ لأنها مسألة قديمة مرتبطة بالنظام القديم، وكانت هناك وَحدة داخل الحزب الوطنى المنحل للقيام باستطلاعات الرأى المزيفة، التى كانت تؤكد أن المصريين راضون عن الأداء الحكومى. ويضيف أنه ليس من الغريب أن الصحف المسمَّاة بالقومية تطلع بنتائج خيالية؛ لتدعم شخصية محسوبة على النظام السابق، وتروّج له إعلانيًّا وإعلاميًّا بهذه الصورة الضخمة، على الرغم من أن الحقيقة تقول إنه ليست له قاعدة جماهيرية تدعمه. ويؤكد كلامه بأن ثورة يناير لم تحقق أهدافها بعد، ورياحها لم تصل إلى هذه الصحف والمؤسسات، فلم يسقط سوى رأس النظام، وأذنابه لا يزالون باقين، ويتصارعون من أجل تجديد وجودهم، فما نشهده اليوم هو صراع كبير على السلطة بين القديم والحديث. *د. صفوت العالم: تفتقد الدقة لأنها أُجريت على عيِّنات لا تمثل المجتمع ويعتبر الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسى بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، الاستطلاعات التى تنشرها العديد من وسائل الإعلام آليات للتوظيف الدعائى؛ لأنها تعظِّم من فرص مرشح وتقلل من فرص مرشح آخر، ومن ثم تؤثر فى اتجاهات التصويت، فضلاً عن كوْنها لا تُبرِز حجم الخطأ فى العيِّنة ولا أسلوب جمْع البيانات، موضحًا أن هذه الاستطلاعات تقدم نتائج تمَّت على عيّنات غير ممثلة للمجتمع، ومن ثم النتائج دون الإشارة لنسبة الخطأ غير دقيقة، ويؤكد أن الانطلاق من هذه الاستطلاعات لتعميمات بشأن تأييد محافظة أو فئة ما لمرشح أسلوب دعائى مرفوض، وينطوى على قدر من عدم الشفافية، متسائلاً: لماذا كثرت استطلاعات الرأى بهذا الكمِّ وفى هذا التوقيت وهناك العديد من القضايا المحورية المهمة والكثيرة الأخرى لا يجرى عليها استطلاع واحد؟!، بل على العكس من ذلك تُهمل وتذهب فى طى النسيان.