فى مشهد عظيم شهده العالم أجمع منذ أيام على شاشات التلفزيون ألا وهو تسليم مقاليد الحكم الفرنسية للرئيس الشاب ايمانويل ماكرون وفق انتخابات شفافة و نزيهة تمتعت بالتنافسية الإيجابية بينه وبين باقى المرشحين ال 10 والتى أسفرت عن فوز المرشح الشاب ايمانويل ماكرون لمنصب رئيس جمهورية فرنسا لمدة 5 سنوات قادمة و بنسبة أصوات تجاوزت 66 بالمئة. و لكن نرجو ألا تمر علينا هذه الإنتخابات مرور الكرام، بل يجب علينا أن نمحص و نفحص فيها جيدا لما تحويه هذه الانتخابات من عدة دروس بالغة المعنى لعلنا نستفيد منها فى تجربتنا القادمة فى الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها فى أوائل الربع الثانى من عام 2018. فالدرس الأول من هذه الإنتخابات والذى يعد فريدا من نوعه ألا وهو إعلان الرئيس السابق فرانسوا هولاند فى الثانى من ديسمبر 2016 عدم ترشحه لفترة رئاسة ثانية ومن بين الأسباب التى دفعته لإتخاذ هذا القرار تراجع المكانة الدولية التى شهدتها فرنسا فى الفترة الأخيرة كما تراجع الوضع الاقتصادى للبلاد وتجاوز نسبة البطالة ال 10 بالمئة، هذا وقد رحب الغالبية العظمى من الفرنسيين بقرار هولاند والذى اعتبروه بمثابة إفساح الطريق وإتاحة الفرصة أمام المرشحين الأخرين لخوض تجربتهم ومعالجة الأوضاع الاقتصادية الفرنسية إلى الأفضل وإعادة فرنسا لمكانتها الدولية. الدرس الثانى أن من بين المرشحين ال 11 الذين خاضوا إنتخابات الرئاسة مرشحة سيدة وهى (المرشحة مارين لوبان) والتى استطاعت أن تحصل على أصوات تؤهلها لخوض المرحلة الثانية من الإنتخابات وهذا يعكس مدى الثقافة و الوعى لدى الشعب الفرنسى فى تساوى الحقوق بين الرجل والمرأة ولكنها حصلت فى الجولة الثانية على نسبة قاربت على 34 بالمئة مما أدى لفوز ماكرون الحاصل على نسبة 66 بالمئة. الدرس الثالث ألا وهو جرأة وثقة الشباب الفرنسي فى خوض التنافس على مقعد الرئاسة الفرنسية لما لديهم من قناعة من اتاحة الفرص فى بلادهم أمام الجميع دون تعصب أو تمييز لتمكين الشباب من ممارسة حقوقهم السياسية حيث يسمح الدستور الفرنسي بأن من حق كل من تجاوز ال 23 من العمر وتتوافر فيه شروط الترشح للرئاسة أن يتقدم للترشح وهذا ما تم ترجمته الفعلية من خلال ترشح الشاب ايمانويل ماكرون صاحب ال 39 عاما والذى كان يشغل منصب وزير الاقتصاد فى الحكومة السابقة قبل تقديم استقالته وتكوين حركة "إلى الأمام" الذى استطاع من خلالها خوض الإنتخابات وحصوله على نسبة أصوات 66 بالمئة وهذا يوضح لنا مدى اهتمام هذه الدول بالشباب ومنح الفرص الحقيقة والفعلية لهم ليطبقون أفكارهم وقد يكون ذلك سبب تقدمهم. الدرس الرابع وهو إيمان الفرنسيين أنفسهم بأن فرنسا باتت فى حاجة إلى رئيس يجدد دمائها ويعيد لها مكانتها بين الأمم بفكر وسطى يعمل على لم شمل كافة الطوائف ليقود فرنسا للأمام وهذا ما تبلور عمليا بإختيارهم رئيس شاب من بين المرشحين لم يتخط عمره ال 39 وهو أصغر المرشحين سنا رغبة منهم فى تجديد الدماء وإضفاء روح الشباب على أقدم بلد فى القارة العجوز لعودة مكانة بلادهم وسط الأمم وكأنهم يقولون للعالم بأن فرنسا تجدد دماءها بشباب رئيسها. الدرس الخامس وهو تركيز ماكرون على لم شمل الأسرة الفرنسية من خلال توحيد الصف الفرنسي، و التغلب على الانقسام والشقاقات داخل المجتمع الفرنسي لإعادة مكانة فرنسا، وإعادة الثقة للشعب الفرنسي في مستقبل بلدهم، وتعهده بأنه سيعمل "من أجل الجميع"، وأن برنامجه سوف يخدم اليمين واليسار. الدرس السادس تعهد ماكرون بالعمل على إعادة فرنسا إلى مكانتها الدولية وإعادة إطلاق الإتحاد الأوربي بعكس منافسته (لوبان) التى كانت تريد أن تنفصل عن الاتحاد الأوربى، ولكن معظم الفرنسيين أيدوا تصريحات ماكرون فى إحياء الإتحاد مرة أخرى مؤكدا أن فى الإتحاد قوة، معربا عن ذلك فى جملته "العالم وأوروبا يحتاجان إلى فرنسا أكثر من السابق، ففرنسا قوية، وتدافع بقوة عن الحرية والتضامن". الدرس السابع هو اختيار ماكرون ل "إدوارد فيليب" لتوليه رئاسة الوزراء ، حيث يبلغ فيليب من العمر 46 عاما فقط أى أنه يعتبر شابا وكان يشغل محافظا لبلدية (لو هافر) وبالرغم من أن فيليب لا ينتمى لحزب الوسط الذي أسسه ماكرون إلا أن ماكرون رأى أن اختياره لفيليب سيعمل على لم الشمل وجذب شخصيات هامة من يمين ويسار السياسة الفرنسية. الدرس الثامن وهو إعلان حزب ماكرون قائمة تضمم أسماء المرشحين للإنتخابات النيابية في يونيو المقبل، نصفهم من المجتمع المدنى والنساء، وهذا يؤكد لنا اهتمام ماكرون بدور المجتمع المدنى فى أنه الأقرب لمشاكل المواطن والأجدر على المشاركة فى حلها وكذلك تفعيل دور النساء فى السياسة الفرنسية كما أن هذه القائمة بها نسبة حوالى 5 بالمئة ممن كانوا أعضاء في البرلمان المنتهية مدته، وهذا يدل على عدم اقصاء الوجوه القديمة ولكن تم اختيار أفضلهم من وجهة نظر حزب ماكرون. كل ما سبق يعد دروسا ثرية من الإنتخابات الفرنسية تقدمها فرنسا للعالم وكأنها روشته لعلاج كيفية معالجة التراجع الذى يصيب أحيانا بعض الدول ولكن يبقى السؤال: هل من مستفيد من الدرس الفرنسي؟!!! [email protected]