القَصَص الذي جاء في القرآن الكريم لم يأت للتسلية ولا للتأريخ... إنما أتى لحكم كثيرة... من ضمنها أخذ العبر والدروس والاعتبار بما حدث للأولين... وتتكرر القصة في القرآن حسب حاجة المجتمع إليها... فكلما كان الأمر مهما ويحتاجه المجتمع؛ كثر تكرار القَصَص الذي يتعرض له... ولذلك تكررت كثيرا في القرآن قصة موسى عليه السلام مع فرعون؛ وذلك لتكرار قضية الاستبداد والطغيان في المجتمعات.. ومن هذا القَصَص القرآني ما جاء في سورة الكهف؛ فقد اشتملت سورة الكهف على أربع قصص هي: - قصة أصحاب الكهف - قصة صاحب الجنتين - قصة موسى والخضر - قصة ذي القرنين وأي مجتمع، قديما وحديثا، يقوم على ركائز أربع هي: - العمل الجماعي : وتمثله قصة أصحاب الكهف... - المال : وتمثله قصة صاحب الجنتين... - العلم : وتمثله قصة موسى والخضر عليهما السلام... - السلطان : وتمثله فصة الملك الصالح ذي القرنين... * فأما ((قصة أصحاب الكهف))... فتمثل ركيزة العمل الجماعي في المجتمع.... وأصحاب الكهف هم مجموعة من الشباب اتفقوا على مواجهة الباطل والشرك وبيان الحق والتوحيد، فجهروا بالدعوة... فقصدهم سلطان جبار بالشر، فهربوا لينجوا من بطشه وجبروته... وقصة ((أصحاب الكهف)) بما فيها من دروس نافعة، مهمة جدا، من هذه الدروس بيان مواصفات من يتصدون للدعوة... وهذا تناولناه في المقال السابق... ومن الدروس النافعة والأحكام الفقهية المستنبطة من قصة أصحاب الكهف: - القصة دليل صريح في الفرار بالدين وهجرة الأهل والقرابة والأصدقاء والأوطان خوف الفتنة. - ضرورة الاهتمام بتربية الشباب لأن الأوطان لا تنهض إلا بهم، ولكونهم أزكى قلوبا وأنقى أفئدة وأكثر حماسة... - ضرورة الحركة والتقلب وعدم السكون... فقد كان سبحانه بقدرته يقلبهم يمينا وشمالا بقدر ما لا تفسد الأرض أجسادهم. - الرفقة الصالحة من أسباب الهداية والثبات على الدين... - جواز اتخاذ الكلاب للحاجة والصيد والحراسة... - الانتفاع بصحبة الأخيار ومخالطة الصالحين؛ فقد حاز كلب حسن الذكر بمصاحبة أهل الفضل الصالحين. - يحفظ الله أولياءه في نومهم كما يحفظهم في يقظتهم... - مشروعية الوكالة وحسن السياسة والتلطف مع الخلق. - الله سبحانه قادر على الحشر وبعث الأجساد من القبور... - العاطفة والحماس في عمل الخير لا يكفيان؛ فلابد من التقيد بأحكام الشرع؛ فبناء القبور على المساجد محرم.. - جواز المراء الظاهر... وهو الجدال المحمود المتصف بالتي هي أحسن... والمجادلة لا تكون إلا فيما عندنا فيه علم. - تعليق الأمور المستقبلية بمشيئة الله. ** وتمثل ((قصة صاحب الجنتين)) ركيزة المال كواحدة من الركائز التي يقوم عليها المجتمع؛ أي مجتمع... فالمال عصب الحياة... ونعم المال الصالح مع الرجل الصالح... ويجب الحذر من الغرور والاغترار به... فالمال لا ينفع إن لم يعن على طاعة الله. وعلينا ان ننسب المال إلى المتفضل به سبحانه؛ فالمال مال الله على الحقيقة ونحن مستخلفون فيه... مأذون لنا بالتصرف فيه وفق مراد الله وشرعه. *** وتمثل ((قصة موسى والخضر)) عليهما السلام ركيزة العلم كركيزة أساسية من ركائز المجتمع... وفي القصة دروس وعبر وتوجيهات ذكرناها في مقال قصة موسى والخضر بما لا يحتاج إعادة هنا... ولكن نذكر برؤوس أقلام منها: - فضيلة العلم وأهمية الرحلة في طلبه - السماع والقراءة والتأمل أسباب فقط... والله وحده هو مؤتي العلم... - يجب اغتنام لقاء الفضلاء ولو بعدت أقطارهم. - استحباب اتخاذ الخادم أو المساعد الذكي الفطن الكيس. - التأدب مع المعلم.. - النسيان لا يقتضي المؤاخذة... - العلم النافع هو العلم المرشد للخير... والعلم الذي يؤدي للدمار والخراب ليس علما.. بل طغيان محرم. - فضيلة الصبر وأهميته في طلب العلم. - وجوب التأني والتثبت وعدم الحكم حتى يتبين المقصود والمراد بوضوح. - استحباب خدمة الصالحين. **** وتمثل ((قصة ذي القرنين)) ركيزة السلطان وواجبات الدولة، كركيزة أساسية من ركائز المجتمع.. وقد توسعنا هناك في مقال قصة الملك الصالح ذي القرنين بما لا يحتاج هنا لإعادة شيء منها مرة أخرى... وأخيرا... يتضح لك لما اجتمعت هذه القصص الأربع في سورة الكهف.. ولماذا كان لسورة الكهف هذه الخصيصة في فضيلة قراءتها أو قراءة عشر آيات من أولها؟... فسورة الكهف تذكر قصص أربع تدعم وتصحح مسار ركائز المجتمع الأساسية؛ العمل الجماعي والمال والعلم والسلطان... فسبحان من هذا كلامه...