لست من الذين يخشوْن على الإسلام من نشوب معارك ما ضده، فهو في يقيني دين المولى عز وجل وهو سبحانه المتكفل بحمايته.. وكل القضايا العالقة والمتشاكلة التي يظن الناس أنها ربما تمثل عائقا أمام الإسلام أو تحديا له، أراها تحديا أمام المسلمين لا الإسلام.. ولست ممن يحبون خداع أنفسهم متستّرين وراء حجب كثيفة من لدائن شفافة لا تستر شيئا، توهم المختبئ خلفها بأن أحدا لا يتلصص عليه.. فالعملية التعليمية كلها في أضعف مستوياتها.. لا المدرسة تقوم بدورها الذي كانت تقوم به قبل عقود كمدرسة، ولا المنظومة برمتها قادرة على تقديم شيء ذو نفع حقيقي للتلاميذ، فالكل يدور في فلك الدروس الخصوصية ولا يعتمد سواها في تحصيل الشهادة لا التعليم ولا التربية، فإذا كان هذا هو الواقع، وحيث أنه لا يوجد درس خصوصي لتدريس التربية الإسلامية، فيكاد يكون وجود المادة وعدم وجودها سواء تقريبا.. فليست على ذلك هذه هي المعركة التي يجب أن يخوضها الغيورون على تدين المسلمين.. سوى لاعتبارات شكلية تقليدية لا تمت للواقع بكبير صلة! ورغم كل ما قدمته لأمهد لقارئي العزيز أنني لست قلقا بشدة تجاه هذه القضية، ومع ذلك أعترف لك بمخاوفي.. وللعجب أن مخاوفي لا تتعلق بزيادة نسب الإلحاد أو موجات اللا تدين أو التحلل من القيم الدينية التي ربما يواجهها شبابنا في المستقبل القريب جراء إلغاء تدريس التربية الإسلامية، ففي تقديري أن وجودها من عدمه لا يؤثر ايجابا على خفض هذه النسب-ربما وجودها يزيد الأمور سوءا-، لكنني متخوف حقيقة من ارتفاع نسب التطرف والتعصب الديني والفهم الخاطئ المضلل لتعاليم الإسلام وبالتالي تزايد نسب العنف المتمركز على أفكار منسوبة للدين! ولأنني بت مسكونا بهذا الخوف محاولا اشراك المجتمع لإيجاد صيغ حلول ما تتجاوز الواقع، وبصرف النظر عن تنفيذ قرار منع تدريس التربية الإسلامية في المدارس من عدمه، اقترح الآتي: 1 – يقوم الأزهر الشريف بإعداد كتاب يشرح القضايا الإسلامية التي يواجهها المسلم في حياته المعاصرة بشكل مبسط ومختصر وعصري وجذاب يناسب كل مرحلة تعليمية بحيث يكون على هذا الشكل( كتاب موحد للمرحلة الابتدائية، يفضل كتابين واحد للصفوف الأولى، والثاني للصفين الخامس والسادس- ثم كتاب للمرحلة الاعدادية، وكتاب ثالث للمرحلة الثانوية، ومستوى رابع للمرحلة الجامعية) 2 – يتم توزيع الكتاب على الطالب مرة في بداية المرحلة التعليمية الخاصة به مثلما يتم توزيع أطلس الخرائط أو قاموس اللغات أو الكشاف في معجم الكلمات العربية في بعض المراحل.. بحيث يصبح مرجعا للتلميذ طيلة مرحلته الدراسية ومرجعا لأسرته والمسؤولين عن تثقيفه دينيا.. 3 – أسوة بتعيين اخصائي اجتماعي وزائرة صحية في كل مدرسة، يتم توظيف شيخ أزهري مشرفا للشؤون الدينية بالمدرسة يلجأ إليه كل تلميذ لديه سؤال أو مشكلة تتعلق أو تتشابك مع الدين لتوضيح الصورة الصحيحة في تلك المسائل آخذا في الاعتبار المنهج المعتمد من الأزهر الموضوع لتلك المرحلة الدراسية. نحن وأبناؤنا في حاجة ماسة لممارسة تعاليم الدين، وليس مجرد دراسته أو القراءة عنه أو فيه، كما أنه لا يمكن اقتلاع جذور التدين من النفوس بتغييب دراسة رأي الدين في قضايا حياتنا اليومية، فالمسلم في كل حركة حياته يشتبك برأي الدين، والمسلم أيا كانت درجة تدينه يسأل يوميا عن تكييف ديني لممارساته اليومية، فالغش والسرقة والرشوة والتحرش والقذف والغيبة والنميمة والحسد والغل وكل ما هو مسيء ممنوع ليس لأنه مجرم بقانون ولكن لأنه حرام شرعا.. في المقابل الصفات الحسنة من رفع الأذى عن الطريق، واحترام الكبير ورحمة الصغير، ومساعدة المحتاج، والصدقة والإحسان واتقان العمل وغيرها من الاخلاق التي تقابل الفرد أثناء ممارسة حياته اليومية إنما يحثه عليها الدين، ولا يتوجب عليه فعل أغلبها بحكم قانون ما.. وتطبيع المسلم بأحكام وأخلاق الإسلام يتطلب أكثر بكثير مما يمكن أن يضيفه تدريس مادة دراسية لا تدخل في المجموع الكلي في شهادة التلميذ، ولا يقوم بتدريسها –إن قام بتدريسها-قدوة حقيقية للأبناء، ولا تتفق مناهجها من حيث الفلسفة والرؤية التربوية مع متطلبات العصر واحتياجات المجتمع الحياتية.. فليس هذا ما يمكن اعتماده لحفظ هوية أو تشجيع تدين، أو محاربة تطرف او إلحاد. علاء سعد حميده ** عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية