رغم أن الانتخابات البرلمانية في الجزائر جاءت تتويجا لإصلاحات سياسية أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل عام لتفادي تداعيات "الربيع العربي"، إلا أن هناك مخاوف واسعة من أن تتسبب تلك الانتخابات في إدخال البلاد في دوامة جديدة من عدم الاستقرار السياسي في ظل العدد الكبير للأحزاب المشاركة فيها والذي سيسفر عن تشتيت الأصوات وبرلمان جديد ضعيف ومجزأ. وكان بوتفليقة دعا الجزائريين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات التشريعية المقررة يوم الخميس الموافق 10 مايو، معتبرا أن الانتخابات ستقطع الطريق أمام ما وصفها بقوى الشر المتربصة بالجزائر كما فعلت بغيرها من البلدان العربية، حسب تعبيره. وقال بوتفليقة في خطاب ألقاه بمدينة سطيف بمناسبة الذكرى ال67 لمجازر الثامن من مايو التي ارتكبها الجيش الفرنسي خلال حقبة الاستعمار:"أدعو الجميع إلى الخروج يوم الاقتراع خروجا حاشدا لتخوضوا مرحلة جديدة من مسيرة التنمية والإصلاحات والتطور الديمقراطي في وطنكم الجزائر". واعتبر الرئيس الجزائري أن المجلس الشعبي الوطني الجديد "مجلس النواب" سيكون "مغايرا" من حيث المشاركة الأوسع لمختلف التيارات السياسية، وكذا مشاركة واسعة منتظرة للنساء والشباب على قوائم الترشيحات. وتابع"هذه الانتخابات ستكون متميزة أيضا من حيث الضمانات العديدة التي وفرناها لتكون كما يريدها شعبنا نظيفة شفافة، انتخابات ناجحة بفضل مساهمة الجميع، قضاء مستقلا وإدارة محايدة وأحزابا فاعلة وجمعيات نشيطة يقظة وصحافة حرة ومراقبة وطنية ودولية إلى غير ذلك من الإجراءات، البلاد على أعتاب مرحلة مصيرية لا خيار لنا فيها إلا النجاح". ومن جانبه، قال رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى إن الهدف الرئيسي من الانتخابات البرلمانية هو الحفاظ على استقرار البلاد، وحذر من أن أية مقاطعة كبيرة للانتخابات البرلمانية ستكون ذريعة للتدخل الخارجي في الشئون الجزائرية. وقال أويحيى أمام عدد من أنصار حزبه "التجمع الوطني الديمقراطي" في تجمع انتخابي بالعاصمة الجزائرية :"إن الوضعية صعبة، إما أن نرفع ورقة المشاركة بالانتخابات وإما سيرفعون مبدأ التدخل في الشئون الداخلية باسم الديمقراطية". وانتقد أويحيى بشدة دعاة مقاطعة الانتخابات وخص بالذكر زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة عباسي مدني الذي دعا من مقر إقامته في قطر إلى مقاطعة الاقتراع، قائلا:" الشعب الجزائري يجب أن يكون يقظاً لمواجهة طوفان الربيع العربي، فبعد تدمير العراق وتقسيم السودان وتكسير ليبيا وإدخال مصر في الفوضى جاء الدور الآن على مالي الجار الجنوبي للجزائر". وشارك 44 حزبا منها 21 حزبا جديدا في الانتخابات للتنافس على 462 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني، وواجه المرشحون منذ بداية الحملة الانتخابية في 15 إبريل الماضي صعوبات كبيرة لإثارة اهتمام الناخبين المقدر عددهم ب21 مليون ناخب في بلد يسكنه 37 مليون نسمة تقل أعمار 75 بالمائة منهم عن 35 سنة، وهو ما أثار مخاوف السلطات من احتمال انخفاض نسبة المشاركة فيها، خاصة في ظل دعوات المقاطعة التي أطلقتها بعض الأحزاب. ورغم أن زعماء تكتل "الجزائر الخضراء"، الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية هي حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح الوطني والتي تدخل الانتخابات بقوائم موحدة لأول مرة دعوا إلى تكثيف المشاركة في الانتخابات لأنها السبيل الكفيل ل "منع التزوير" من وجهة نظرهم، إلا أن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني المعارض قاطع الانتخابات وقال في بيان له :"إن رفض التصويت في 10 مايو ليس قرارا سلبيا وإنما هو عمل مقاومة يعكس رفض الذل والظلم"، في إشارة إلى رفض السطات السماح له بتنظيم تظاهرات شعبية العام الماضي. وتمثلت أهم محاور الحملة الانتخابية في البطالة التي يعاني منها 21بالمائة من الشباب وغلاء المعيشة والسكن ومكافحة الفساد في هذا البلد الغني بالنفط والغاز، لكن الناخبين لم يبدوا اهتماما كبيرا بالمهرجانات الانتخابية للأحزاب، بما فيها الأحزاب الإسلامية، على عكس الاهتمام الواسع بالحملة الانتخابية لأول اقتراع تشريعي تعددي في الجزائر في عام 1991 والذي فازت به حينها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة وتسبب إلغاء نتائجه في اندلاع أعمال عنف واسعة في البلاد أسفرت عن سقوط نحو مئتي ألف قتيل. ورغم أن سياسة المصالحة الوطنية التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مباشرة بعد انتخابه في 1999 ساهمت في تهدئة الأوضاع، إلا أن انتخابات 2007 شهدت أكبر نسبة عزوف عن المشاركة سببها التزوير المستمر منذ 1989. ولمواجهة أية اتهامات محتملة بالتزوير، دعا بوتفليقة 500 مراقب دولي لحضور الانتخابات، كما شارك فيها 120 مراقبا يمثلون جامعة الدول العربية. ودعا الرئيس الجزائري ومعه زعماء الأحزاب أيضا إلى المشاركة بقوة في الانتخابات خاصة بالنسبة للشباب والنساء، وقال بوتفليقة :"الشباب هم أول المعنيين بالإصلاحات السياسية ونعتمد عليهم لإكمال مسيرة البناء وحماية الوطن والشعب"، كما دعا النساء إلى فرض وجودهن على الساحة السياسية. وكان بوتفليقة أعلن أيضا في 15 إبريل 2011 عن سلسلة إصلاحات سياسية، تبعتها الحكومة بزيادة أجور الموظفين، بعد احتجاجات وتظاهرات هزت الجزائر في خضم الثورات العربية. وأثمرت هذه الإصلاحات عن 13 قانونا جديدا بعد مشاورات مع شخصيات سياسية مدنية ونقابية تنتمي إلى الأحزاب الحاكمة وإلى المعارضة الرسمية، كما أطلق بوتفليقة "74 عاما "خطة خمسية تنتهي بانتهاء ولايته الثالثة في 2014 تضم بناء مليوني مسكن وإتمام الطريق السريع شرق-غرب وبناء مسجد كبير يخلد ذكراه في الجزائر العاصمة. ورغم أن بوتفليقة حاول عبر إصلاحاته السابقة تفادي الربيع العربي، لكن يبقى التحدي الأكبر في انتخابات 10 مايو النتيجة التي سيحققها الإسلاميون، وكذلك نسبة المشاركة فيها. وتشارك سبعة أحزاب إسلامية في الانتخابات منها ثلاثة متحالفة في قائمة "الجزائر الخضراء"، ويحلم الإسلاميون بتحقيق الغالبية في تلك الانتخابات ليسيروا على خطى الإسلاميين في تونس ومصر والمغرب، لكن المهمة تبدو صعبة بالنظر إلى العدد الكبير من الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات. ونقلت قناة "الجزيرة" عن أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر ناصر جابي القول إن احتمال تحقيق الأحزاب الإسلامية فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية شبه منعدم لأنها منقسمة فيما بينها ومنغلقة على نفسها. وتابع" فشل الإسلاميون في العودة إلى الساحة السياسية بقوة من خلال استغلال الغضب الشعبي الذي نجم عن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في يناير 2011 وأعمال الشغب التي اندلعت حينها وأسفرت عن 5 قتلى و800 جريح". كما توقع الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الحاكمة عبد العزيز بلخادم فوز حزبه بالأغلبية ثم تليه الأحزاب الإسلامية في المركز الثاني بنسبة 35 بالمائة من الأصوات، مستبعدا أن تحقق أي جهة منفردة فوزا ساحقا. وقال عبد العزيز بلخادم الذي يشغل أيضا منصب وزير دولة ممثل شخصي لرئيس الجمهورية إن التاريخ لا يعيد نفسه والجبهة الإسلامية للإنقاذ وناشطوها موزعون الآن على عدة أحزاب، في إشارة إلى الانتخابات التشريعية التي ألغيت وفازت في دورتها الأولى الجبهة الإسلامية للانقاذ المحظورة في 26 ديسمبر 1991، قبل أن يلغي الجيش الدورة الثانية في 11 يناير 1992 . وبدورها، أكدت رئيسة حزب العمال لويزة حنون أن التيار الإسلامي أصبح ضعيفا والأحزاب الإسلامية تمر بأزمة وهي متناحرة فيما بينها، قائلة:"الشعب الجزائري حفظ الدرس من التجربة الإسلامية ولا يريد أبدا عيش المأساة الوطنية مرة أخرى"، في إشارة إلى الحرب الأهلية التي اندلعت في الجزائر بعد 1992 وأسفرت عن 200 ألف قتيل. وفي السياق ذاته، قال الدكتور إسماعيل معراف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر إن السلطة حضرت كل الظروف لمنع الإسلاميين من الفوز، مشيرا إلى قانون الأحزاب الجديد الذي يمنع الأعضاء السابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة من العودة إلى العمل السياسي. كما شكك رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة المنشق عن حركة مجتمع السلم الإسلامية في فوز ساحق للإسلاميين بسبب العدد الكبير للأحزاب المشاركة في الانتخابات، ما سيسفر عن تشتيت الأصوات وبرلمان ضعيف ومجزأ. وبدوره، استبعد وزير الداخلية دحو ولد قابلية أيضا إمكانية حصول أي حزب على الأغلبية، واعتبر أن ال 462 مقعدا سيتم تقاسمها بين الأحزاب ال44 المشاركة في الانتخابات. وأمام ما سبق، اختلفت التوقعات بخصوص السيناريوهات المحتملة بعد انتخابات 10 مايو، حيث حذر مرشح تكتل "الجزائر الخضراء" امحمد حديبي من أنه في حال التزوير فإن الشعب وخاصة الشباب منه لن يصمتوا، قائلا:" المناخ الدولي والإقليمي لا يصب في مصلحة النظام، وإذا ما أراد النظام الاستقرار فلا يجب عليه أن يتدخل في أي من مراحل الاقتراع". نفس الموقف تبناه أيضا رئيس حزب أنصار الجزائر "إسلامي تحت التأسيس" سعيد مرسي الذي قال :"ما وقع بتونس ومصر ليس ببعيد عن الجزائر لأننا نعيش نفس ظروف ثورتيهما". وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن المناخ الدولي والإقليمي لا يصب بمصلحة النظام الجزائري، ولذا فإنه لا بديل أمامه سوى ضمان نزاهة انتخابات 10 مايو والإسراع بوتيرة الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي إذا ما أراد الاستقرار.