لفت نظري تركيز (سورة الروم) على قضية الإقناع بالأدلة العقلية والبراهين الملموسة والمشاهدة في الكون وضرب الأمثال، بصورة واضحة ومقنعة جدا... ومع ذلك تطرح بصورة لافتة للنظر العديد من القضايا المهمة في هذا الكون... فالسورة الكريمة تركز على بيان الحقيقة الكونية في أن تصريف الأمور والأحوال والأحداث لله وحده فقط... فجميع الأمر لله؛ وذلك ما تضعك فيه الآيات الأولى مباشرة من السورة الكريمة (... لله الأمر من قبل ومن بعد...)... والإقناع وضرب الأمثال وبيان الحق بالحجج والبراهين غاية في التلطف وحسن التناول... لذلك كثر في السورة الكريمة (... ومن آياته...)... وجاء في ختام السورة الكريمة (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل...)... ولذلك لفتت السورة الكريمة نظرنا إلى أن من يرون الآيات ويشاهدون الحجج والبراهين ثم لا يبصرون ولا يهتدون؛ فاليأس منهم أولى وأنهم لا يستحقون أن نحزن عليهم... فتذكر السورة الكريمة اليأس مرتين وهو (البلس) المذكور في الآيتين 10 و 49 ... مرة في بلفظ (يبلس) في قوله: (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) أي ييأس المجرمون. ومرة بلفظ (مبلسون) في قوله: (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) أي يائسين. وتمثل الآية رقم 28 من السورة الكريمة قمة هذا الإقناع العقلي وقمة المحاجة والمجادلة بالتي هي أحسن وقمة الإقناع المنطقي... فالآية تقول للمشركين بكل بساطة: أترضون أن يشارككم أحد فيما تملكون حتى تجعلون لي شركاء فيما خلقته لكم وملكتكم إياه؟... (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون). أي ضرب الله لكم أيها المشركون مثلا مأخوذا من أنفسكم؛ هل لكم من عبيدكم وإمائكم وجميع مماليككم شريك يشارككم في أموالكم بالسوية، فتخافون منهم كما يخاف بعضكم من بعض؟... هل ترضون لأنفسكم من عبيدكم بهذا الشيء؟... لا شك أنكم لا ترضون بذلك أبدا... فالله أولى بأن لا يكون له شريك في ملكه من مخلوقاته وعبيده... ومن لا يهتدون بعد ضرب الأمثلة وإقامة الحجج والبراهين ولا ينتفعون بها فهم ك(الصم) الذين لا يسمعون و(العمي) الذين لا يبصرون... بل ك(الموتى) والعياذ بالله... ولذلك جاء في السورة الكريمة لفظا (صم) و (عمي) و(الموتى) في قوله: (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصُمّ الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العُمي عن ضلالتهم...) الآيتان 52 و 53 من السورة الكريمة. ومن اللافت للنظر في السورة الكريمة؛ ورود الأمر المباشر للرسول صلى الله عليه وسلم مرتين في السورة الكريمة (فأقم وجهك للدين...)... في الآيتين 30 و 43... والعجيب أنها جاءت في المرة الأولى: فأقم وجهك للدين (حنيفا)... وفي المرة الثانية: فأقم وجهك للدين (القيم)... وذكر في المرة الأولى في نفس الآية (ذلك الدين القيم) فكأن القيم هي محور هذا القيام وهذا التوجه المؤمور به صلى الله عليه وسلم... وكأنها هي مربط الفرس... نعم والله... ذلك الدين القيم؛ المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، العالي القدر، الوسط، الذي فطر عليه الناس قبل أن تلوثهم الأفكار والموروثات الباطلة... ويأتي في السورة الكريمة ذكر مجموعة من آيات الله الكونية التي تضع أيدينا على حقائق العظمة الإلهية وطلاقة القدرة الربانية... بما يرسخ لدينا اليقين الذي ذكر في آخر لفظ في السورة الكريمة... محذرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستخفنه أولئك الذين لا يقين عندهم.
فتختتم السورة الكريمة بهذا الأمر الصارم للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر والتحذير من أن يستخفه أولئك الجهال الذين لا يقين عندهم ولا بصيرة لديهم... (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون). ومن القضايا التي تعرضت لها السورة الكريمة: - النصر من عند الله وحده... - الظلم سبب لهلاك الأمم... - يأس الكافرين يوم القيامة... - يستحب ضرب الأمثال لبيان الحق... - الإسلام هو الفطرة التي خلق الله الناس عليها... - نعمة الزواج والسكن نعمة عظيمة... - للذنوب أثر في انتشار الأوبة وخراب البيئة (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). - آثار رحمة الله تملأ هذا الكون ويراها المؤمن... - مراحل عمر الإنسان عبرة لمن يعتبر... فاللهم انفعنا بما في القرآن من النور والحكمة والبيان يا رب العالمين....