الوضع الاقتصادى وغياب الرقابة وانعدام الشفافية وتصدر الواسطة والمحسوبية، بالإضافة إلى الروتين والبيروقراطية، أبرز الأسباب التى ذكرها عدد من السياسيين والاقتصاديين، لا سيما بعد انتشار الرشوة فى مؤسسات الدولة بمختلف قطاعاتها، الأمر الذى شبهه أحدهم بالسرطان الذى يسرى فى جسد الإنسان ولا يمكن السيطرة عليه. قال عاصم عبد المعطي، وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات الأسبق، ورئيس المركز المصرى للشفافية ومحاربة الفساد، إن غياب الرقابة الداخلية داخل كافة مؤسسات الدولة وأجهزة الحكومة ووزاراتها المختلفة، يعد سببًا من أسباب انتشار الفساد داخل هذه القطاعات. وأضاف عبد المعطى فى تصريحه ل«المصريون»، أن وجود الموظف العام «الرجل الأول فى أى قطاع» داخل هذه المصالح لفترة زمنية كبيرة وترقيته باستمرار يعد سببًا من أسباب انتشار الفساد، لأن هذا الموظف هو الرجل الوحيد الذى يعلم خبايا الأمور عن هذا القطاع، وبالتالى استمراره بهذه المدة يساعده فى عمل مصالح خاصة واستئثارها على المصلحة العامة. وأوضح، أن الرجل الثانى فى أى هيئة يعد المسئول بالتعاون مع الرجل الأول عن أية وقائع فساد تحدث داخل أى مؤسسة، وبالتالى استحواذ الرجلين على دفاتر المؤسسة يؤدى إلى انتشار الفساد الذى يشبه السرطان . وأشار، إلى أن الرقابة الخارجية المتمثلة فى الجهاز المركزى للمحاسبات ووزارة المالية، عامل مهم فى التصدى لانتشار الرشوة والفساد بوجه عام، داخل أى مؤسسة، فالطريقة التى يتبعها المركزى للمحاسبات فى الكشف عن الفساد، والتى تسمى ب«الجشني» وهو الفحص بالعينة، وبالتالى لا يستطيع هذا الكشف الوقتى على كشف الفساد الدقيق الذى استطاع الرجلان الأول والثانى فى أى مؤسسة إخفاءه عن الدولة، كما أن الهجوم على رئيس جهاز المركزى للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة جعل الكثيرين يخشون ملاقاة مصيره . وبالحصر الدقيق بحسب خبراء لانتشار الفساد لأعداد جرائم الرشوة فى مصر، والتى أعلنت عن ضبطها الأجهزة الرقابية خلال عام 2017 فقط يظهر جليًا أن عدد هذه الجرائم يتعدى 35 قضية رشوة، فلم يستثن من قطاعات الدولة شيئًا، فقد شكلت العديد من هذه القطاعات كالصحة والإسكان والتعليم والزراعة، بالإضافة إلى الأوقاف والقضاء شكلت أرضًا خصبة للعديد من أشكال الرشاوى المختلفة والتى ضبطتها الأجهزة الرقابية فى الآونة الأخيرة. ولفت إلى أن تحكم الحكومة فى الأجهزة الرقابية وعدم استقلال تلك الأجهزة فى عملها ساعد فى انتشار الرشوة، كما أن غياب الدور الرقابى للبرلمان فى الفترة الحالية بوجود الأغلبية التابعة للسلطة التنفيذية هو ما جعل يد البرلمان مغلولة فى الرقابة. وتابع رئيس المركز المصرى للشفافية ومحاربة الفساد، « أن الهجوم على مؤسسات المجتمع المدنى ومحاربتها والتى تعد صاحبة الرقابة الشعبية الأولى ساعد بشكل كبير كل الفاسدين على استغلال نفوذهم فى جميع قطاعات الدولة من أجل العمل لمصالحهم ومصالح تابعيهم وهو ما أدى إلى كثرة الفساد واعتماد الرشوة». رشاد عبده الخبير الاقتصادي، رأى أن من أهم أسباب انتشار الفساد والرشوة فى مصر غياب الرقابة من قبل الحكومة، معتبرًا أن الحكومة والدولة بتعاملهم العام فى كافة مناحى الحياة ساعد الفاسدين والمرتشين على وجودهم بقوة داخل كافة مؤسسات الدولة. وأوضح «عبده» خلال تصريحه ل«المصريون»، أن الرشوة فى الفترة الراهنة أصبحت نهجًا عامًا ينتهجها العديد من موظفى الدولة، كما أن الناس أصبحت تتقبلها بسهولة وبحالة من الرضا؛ وذلك بسبب اعتماد كافة مؤسسات الدولة وأجهزة الحكومة ووزاراتها المختلفة عليها. وأشار إلى أن مصر قفزت فى مؤشر الشفافية إلى مراتب متقدمة، حيث كانت مصر تحتل المركز 88 فى العام الماضى، ولكن العام الحالى وصلت إلى المركز 108 وهو ما يؤكد أن الدولة فى غياب تام عما يحدث كما تفتقد الوقوف على أسباب انتشار الفساد عامة والرشوة على وجه الخصوص . وفى دراسة صدرت عن البنك الدولى فى يناير الماضي، أكدت أن 51% من المصريين مقتنعون بشكل تام بأن العلاقات الشخصية والواسطة والمحسوبية أهم من الكفاءة فى الحصول على وظيفة حكومية، بينما يرى 12% فقط أنهما بنفس الأهمية. التقرير الذى حمل عنوان الإدارة والقانون، أكد أن ظاهرة المحسوبية باتت منتشرة فى مصر بشكل غير مسبوق، إلى الحد الذى بات فيه معظم من فى مصر يرون أن دور العلاقات الشخصية أو العائلية أو السياسية فى الحصول على وظيفة حكومية أهم من الكفاءة. واستكمل الخبير الاقتصادى، أن اعتماد الواسطة والمحسوبية فى الحصول على منصب أصبحت السمة السائدة فى المجتمع المصرى، فأصبحت كافة قطاعات الدولة لا تضع الكفاءة على أولوياتها فى الحصول على منصب أو وظيفة؛ بل أصبحت المحسوبية والواسطة عوامل أساسية إن لم تكن رئيسة، كما أن الروتين التى تتبعه الوزارات فى كافة قطاعاتها لانتشار الرشوة يعد سببًا رئيسيًا فى خسارة قطاع الاستثمار فى مصر أكثر من 40% . وتابع،« وزارة الداخلية بها إدارة تسمى إدارة المرور لا أحد يستطيع أن ينهى مصلحة بها إلا إذا دفع رشوة "ورش" على كل من يقع تحت يده مستند يتوقف على توقيعه، وبالتالى فإن الوزارة التى من المفترض أن تحارب وتتصدى لهذه المسالة هى من أكثر الوزارات انتشارًا للرشوة». بدورها قالت اليزابيث عبد المسيح عضو مجلس النواب، إن الحالة الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد والعيشة التى يعانى منها الجميع فى الفترة الراهنة، جعل الراتب الحلال لا يكفى وبالتالى أصبح البحث عن وجوه أخرى للحصول على الأموال من جانب ضعاف النفوس أمر لا مفر منه . وأضافت عبد المسيح ل«المصريون»، أن الرشوة منتشرة منذ زمن كبير فى مصر إلا أن عمل الرقابة الإدارية فى الفترة الراهنة وضربها بيد من حديد على الفاسدة والفاسدين هو من جعلها تطفو على السطح. وتابعت« غياب الرقابة الداخلية لكافة الوزارات بالإضافة إلى الرقابة الخارجية فى الفترة الماضية أدى إلى توغل الفساد فى كافة قطاعات الدولة، وبتفعيلها فى الفترة الراهنة ظهر للعيان كم الفساد الذى يعانى منه المجتمع منذ عشرات السنين». وكان تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، قد أكد أن مصر باتت أكثر فسادًا فى 2016 عما قبله، وأن وضعها على مؤشر الفساد تراجع درجتين فى 2016، حيث سجلت 34 نقطة، مقابل 36 فى العام السابق 2015. وقالت المنظمة، إن الفساد مستشر فى مصر فى ظل غياب أى إرادة سياسية حقيقية وجادة لمكافحته، وأن الحكومة المصرية تعدت على الهيئات المستقلة حين أقال السيسى المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق.