تشهد الانتخابات الرئاسية فى البلاد احتدام السباق الرئاسى بين مرشحى التيارات الإسلامية والتيارات الليبرالية، وخاصة بعد استبعاد عدد من مرشحى الرئاسة على رأسهم الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل والمهندس خيرت الشاطر واللواء عمر سليمان ليصبح السباق الرئاسى بين عدد من المرشحين أبرزهم د. عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحى وعمروموسى والفريق أحمد شفيق ود. محمد سليم العوا، إضافة إلى د. محمد مرسى، الذى دفعت به جماعة الإخوان مؤخرًا كبديل للمهندس خيرت الشاطر، مما أدى إلى اشتعال الحرب الانتخابية بين كل من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ومرشح حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) الدكتور محمد مرسى، ومن المعروف أن الجماعة قررت الدفاع بمرسى بعد أن قررت لجنة الانتخابات استبعاد المهندس خيرت الذى كان يحظى بتأييد كبير داخل الجماعة ليبقى الصراع والمنافسة بين الدكتور محمد مرسى، المرشح البديل للشاطر، والدكتور أبو الفتوح الذى يحظى بشعبية كبيرة. أبو الفتوح مسيرة من العطاء الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عبد الهادى الشهير بعبد المنعم أبو الفتوح من مواليد حى الملك الصالح بمصر القديمة عام 1951 اشتهر منذ صغره بتفوقه الدراسى، الذى استمر حتى دخوله الجامعة وحصل على بكالوريوس طب قصر العينى بتقدير جيد جدًا، ولكن تم حرمانه من التعيين بسبب مواقفه التى طالما كان يدفع ثمنها غاليًا، وخاصة موقفه الشهير أمام الرئيس الراحل السادات الذى وقف أمامه بكل شجاعة ليصارحه بأن الذين حوله ينافقونه مما أدى حينها إلى غضبة السادات الشهيرة، ولكنه اكتفى حينها بحرمانه من حقه فى التعيين الجامعى ولم يعتقله. هذا الموقف الذى لم يمح من الذاكرة الوطنية حتى الآن. كما عرف عنه اهتمامه بشئون زملائه فى الجامعة فتولى منصب رئيس اتحاد كلية طب (قصر العينى) ثم بعد ذلك أصبح رئيس طلاب (جامعة القاهرة). وانضم أبو الفتوح لحركة الإخوان المسلمين فى السبعينيات، وشغل منصب عضو مكتب الإرشاد منذ عام 1987 - 2009. واستكمالا لمسيرته المليئة بالمواقف الجادة المحترمة تم اعتقاله عام 1981 بسبب موقفه من معاهدة "كامب ديفيد" ضمن اعتقالات سبتمبر الشهيرة, ولم يتوقف الأمر فقط فى عهد السادات بل امتد إلى عصر الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك حيث سٌجن فى عهده عام 1995 لمدة خمس سنوات بسبب مواقفه ضد نظام مبارك. كما اعتقل بعدها. وعند قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير كان من المؤيدين للثورة منذ الوهلة الأولى وتواجد فى ميدان التحرير، وفى 10مايو 2011 أعلن أبو الفتوح نيته للترشح لرئاسة الجمهورية، حيث إن هذا القرار قوبل بالرفض من مكتب الإرشاد للجماعة وأعلن مكتب الإرشاد فصله. كما اشتهر أبو الفتوح بالإسهامات الفكرية والسياسية والشئون الدعوية فألف كتابين، الكتاب الأول هو (مجددون لا مبادرون) تم نشره عام 2009، وجاء الكتاب ليوضح فيه أبو الفتوح الصدام الفكرى داخل جماعة الإخوان والذى يتصاعد كل يوم بين القطبيين والإصلاحيين حيث إنه أكد أنه لابد من مراجعة أفكار الشيخ سيد قطب، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية، التى أدت إلى إقصائه وتهميشه داخل الجماعة. والكتاب الثانى هو عبد المنعم أبو الفتوح: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر 1970 – 1984. تناول فيه أبو الفتوح شهادته على تاريخ الحركة الإسلامية خلال حقبة السبعينيات حيث إنها الفترة التى شهدت تأسيس الجماعات الإسلامية فى الجامعات حيث إنها كانت بمثابة التأسيس الثانى للحركة الإسلامية فى مصر. أبو الفتوح فى قلب العاصفة بدا أبو الفتوح خلال مسيرته متأثرًا بوضوح بالرواد الأوائل للجماعة وخاصة الأستاذ عمر التلمسانى، المرشد الثالث للجماعة، كما كان شديد التأثر بمنهج المؤسس الأول الأستاذ حسن البنا، خاصة فيما يتعلق بمنهج التعددية والحرية وقبول الآخر، مما أدى إلى دخوله فى صدام مع التيار القطبى داخل الجماعة، والذى كان يعتبره أبو الفتوح خطرًا داهمًا يهدد مسيرة الجماعة وينحرف بها عن منهج الأستاذ البنا، كما رفض فى الوقت ذاته هيمنة فكر التنظيم الخاص على مجريات الأمور داخل الجماعة. كل هذه الأمور جعلت أبو الفتوح يلقى بنفسه فى قلب العاصفة، خاصة مع تصاعد دور تنظيم 65 داخل الجماعة وسيطرته على مفاصلها المهمة، والجدير بالذكر أن معظم مكتب الإرشاد الحاليين هم من المنتمين لهذا التنظيم. وبلغ الصدام ذروته بين الطرفين أثناء محنة عام 1995 حيث اصطدم أبو الفتوح بنائب المرشد الحالى د. محمود عزت صدامًا شديدًا ووفق مصادر مطلعة فإن القرار كان قد اتخذ حينها بتصفية وجود أبو الفتوح داخل مكتب الإرشاد، وقد أخذ نائب المرشد الحالى م. خيرت الشاطر على عاتقه تنفيذ هذه المهمة. وبالفعل تمت الإطاحة بأبو الفتوح نهائيًا من مكتب الإرشاد عام 2009 لتتم تصفية التيار الإصلاحى داخل الجماعة، كما تمت الإطاحة فى السياق ذاته بالدكتور. محمد حبيب نائب المرشد آنذاك. محمد مرسى مرشح على غير موعد أما الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية العدالة لانتخابات الرئاسة فهو من مواليد محافظة الشرقية عام 1951 حصل على بكالوريوس الهندسة جامعة القاهرة عام 1975 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ثم حصل على الدكتوراه فى الهندسة من جامعة جنوب كاليفونيا 1982، وعمل مدرس مساعد فى جامعة كاليفورنيا نورث ردج فى الولاياتالمتحدة بين عامى 1982 – 1985 وعمل أستاذًا ورئيس قسم هندسة المواد بكلية الهندسة جامعة الزقازيق عام 1985 حتى عام 2010 كما عمل لفترة معيدًا ومدرس مساعد بكلية الهندسة جامعة القاهرة. اُختير عضواً بلجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية، واُختير عضواً بالمؤتمر الدولى للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، وهو عضو مؤسس باللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيونى. التحق بالقسم السياسى بجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأته عام 1992، وترشح لانتخابات مجلس الشعب عام 1995 وانتخابات 2000 ونجح فيها واُنتخب عضواً بمجلس الشعب المصرى عن جماعة الإخوان المسلمين وشغل موقع المتحدث الرسمى باسم الكتلة البرلمانية للإخوان. وفى 30 إبريل 2011 انتخبه مجلس شورى الإخوان رئيساً لحزب الحرية والعدالة. ويعتبر كثيرون أن الدكتور مرسى ينتمى إلى الحرس القديم القطبى داخل الجماعة وبعد استبعاد الشاطر أصبح مرسى هو المرشح الرسمى لحزب الحرية والعدالة فى انتخابات الرئاسة، وقد قوبل ترشحه بالرفض من قبل بعض شباب الإخوان داخل الجماعة حيث إنهم يرون فى أبو الفتوح منافساً حقيقياً على كرسى الرئاسة لما له من أفكار إصلاحية معتدلة حيث إنه – من وجهة نظرهم - الإسلام الوسطى المعتدل، فضلاً عن إنهم يرون أن مرسى ليس لديه ما كان يملكه الشاطر من قدرات تجعل لديه القدرة على أن يتواصل مع الناس بصورة أسرع، بالإضافة إلى الكاريزما وبعد أن تم استبعاد الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل فأغلب الظن أن أصوات مؤيديه ستذهب لأبو الفتوح حيث إن أنصار أبو إسماعيل يرون أن الإخوان قد خذلوهم ولم يقفوا بجوار مرشحهم أثناء قضية الجنسية. مقارنة غير متكافئة المقارنة بين أبو الفتوح ومرسى تصب فى صالح الأول الذى يتمتع بتاريخ سياسى طويل بدأه منذ أن كان طالبًا فى جامعة القاهرة، كما أنه لعب دورًا كبيرًا فى استقطاب شباب الجماعة الإسلامية فى الجامعات للدخول فى الجماعة التى كانت خارجة آنذاك على التو من السجون، وكانت تعانى نقصًا حادًا فى جيل الشباب الذى يمثل امتدادها الطبيعى والزمنى فكانت الجماعة على موعد مع الشاب أبو الفتوح الذى تمكن من ضخ دماء جديدة فى عروق الجماعة، مما أدى إلى اعتباره المؤسس الثانى للجماعة بعد الأستاذ البنا. كما خاض أبو الفتوح معمعة العمل النقابى والبرلمانى منذ وقت مبكر من حياته، وكان لصيقَ الصلة بالأستاذ عمر التلمسانى – رحمه الله – مما أدى إلى تصعيده لمكتب الإرشاد وعمره لم يتجاوز 32 عامًا ليصبح بذلك أصغر عضو لمكتب الإرشاد. كما مثل أبو الفتوح همزة الصلة التى ربطت الجماعة بالتيارات السياسية والفكرية الأخرى واستطاع أن يفتح نافذة حوار على التيارات الليبرالية واليسارية. كما اشتهر عن أبو الفتوح إيمانه العميق بالتعددية والحريات والعدل باعتبارها قيمًا أساسية حرص الإسلام على تأصيلها فى المجتمعات الإسلامية. وعلى الجانب الآخر، فإن د. محمد مرسى يفتقد ذلك التاريخ الذى يتمتع به أبو الفتوح حتى داخل الأوساط الإخوانية نفسها والتى تشهد حاليًا حالة من الانقسام تجاه الاثنين، خاصة مع توقعات بأن يحصد أبو الفتوح نسبة لا بأس بها من الأصوات داخل الأوساط الشبابية. وهو ما تحاول الجماعة معالجته هذه الأيام بإطلاق حملة إشاعات هائلة مرشحة للزيادة فى الفترة القادمة. وعلى الصعيد الدولى، فقد اهتمت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بالسباق الرئاسى فى مصر حيث قالت إن أكبر منافس يواجه عمرو موسى هو أبو الفتوح حيث إن له توجهات ليبرالية فى إطار إسلامى، وأنه يحظى بتأييد العديد من الشباب المسلمين إلى جانب المسيحيين الذين يرون فيه الوسطية الإسلامية التى تحافظ على نسيج الوطن الواحد. كما يرون أن أبو الفتوح يحظى بتأييد الشيخ يوسف القرضاوى الذى له تأثير كبير فى الخارج. وأشارت الصحيفة إلى أن أبو الفتوح يرى أن قضية التغيير فى المجتمع المصرى ومقاومة كل أشكال الظلم من أكبر المشاكل التى تواجهه وقد تعهد بمواجهة هذا التمييز والظلم. كما اعتبرت العديد من القوى أن أبو الفتوح يمكن أن يصبح أردوغان مصر فيمكنه أن يعبر بمصر من كونها دولة نامية إلى دولة تستطيع أن تحقق معدلات نمو مرتفعة من خلال فكر ليبرالى إسلامى معتدل دون تطرف أو مزايدة ويرون أنه يمثل حلقة الوصل بين الإسلاميين والليبراليين. بينما يرى الإخوان أن مشروع النهضة الذى يطرحه مرشحهم للرئاسة قادر على الوصل بمصر إلى العالمية، ويراهنون فى ذلك على قدره مرشحهم باعتباره تم اختياره أحسن نائب برلمانى فى العالم 2005، فضلا عن قدراته التنظيمية والإدارية والحزبية، وتحدثه الإنجليزية بطلاقة، وإحتكاكه بالكثير من الوفود والمسئولين الأجانب الذين توافدوا على زيارة "الحرية والعدالة" عقب فوز الحزب فى انتخابات مجلس الشعب. ويعتمد الإخوان سياسة السلاسل البشرية لدعم مرشحهم من خلال الخروج بمسيرات ضخمة تجوب المحافظات، وطوابير من المؤيدين يصطفون على الطرق السريعة فى أسلوب دعائى مؤثر يقنع المواطنين بقوة هذا المرشح. أبوالفتوح ومرسى .. مواجهة من نوع خاص، لا تقف فقط عند معركة الرئاسة، فالرجلان كانا صديقان بالأمس، واليوم هما طرفا حلبة السباق للفوز بأصوات الإسلاميين، فضلا عن كونهما طرفا معركة من نوع آخر بين مرشح إخوانى سابق تم فصله من الجماعة، ومرشح إخوانى هو رئيس حزب الجماعة، وربما كان له دور فى فصل الأول.