لم يكن عبد الله نصر الشهير بالشيخ ميزو أول ، ولن يكون أخر من يحرف تفسير القرآن ويستهزىء بالسنة المطهرة ، ولن يكون أول ولا آخر من يستخدم هذا الأسلوب البذىء في النقد الديني .. فقد سبق لغيره أن انتهج هذا النهج الحقير في تناول قضايا الدين .. حتى بات الدين والشريعة عرضا مستباحا على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لكل جهول حاقد .. إن المشكل الحقيقي ليس في اختلاف الآراء مهما جنحت كما يحاول أن يصور ذلك أدعياء التجديد والتنوير أمام الرأي العام ، وإنما المشكل الحقيقي أن هؤلاء يتجاوزون حدود البحث العلمي المجرد إلى الطعن في حقائق الدين ، والتحريف ، والتدليس ، والاستهزاء ، والسخرية من الشريعة ومن السنة المطهرة ، والصحابة ، وأهل العلم .. بما لا تليق بأن تصدر من مسلم نحو مسلم ، ناهيك عن أن تصدر من أدعياء التنوير نحو صحابة وعلماء وأئمة لهم مكانة كبيرة في قلوب المسلمين ، أونكون هذه الطريقة المتدنية .. بديلا عن الاجتهاد المعتبر ليصبح الدين مادة للسخرية والاستهتار تلوكها الألسن دون حسيب أو رقيب ؟ وبداية أقول أن جميع هذه الشبهات التي يلقيها هؤلاء في وجوهنا كل يوم قديمة جدا وغير صحيح على الإطلاق أنهم هم أول من اجتهد فيها وأثارها .. هذه أكبر كذبة يضحكون بها على المغفلين من الناس .. ومردود عليها منذ قرون عديدة ، ولكن هؤلاء يعمدون دائما إلى ردنا إلى نقطة البداية حتى تثبت الشبهة في أذهان العامة من كثرة تكرارها وهذا أسوأ أنواع التدليس والتخريب وإثارة الفوضى الدينية .. وقد أثيرت في برنامج العاشرة مساء عدة شبهات حول " حد السرقة " أجاب عليها العلماء كما قلنا منذ قرون عديدة :
على سبيل المثال .. الشبهة الأولى : كيف تكون توبة السارق بعد قطع يده ؟ والجواب ببساطه : أن توبة السارق بعد قطع يده توضحها آية الحرابة ( أو آية السرقة الكبرى ) التي تسبقها بعدة آيات من أن توبة قاطع الطريق تكون قبل وقوعه في ايدي السلطة ... وهو ما يعيننا على تفسير كيفية توبة السارق .. فكم من سارق وكم من زان وكم من قاتل ارتكب جريمته الشنعاء ولم يقع في أيدي السلطة فهذا باب التوبة مفتوح أمامه أما بعد الامساك به فالتوبة هنا لتجاوز العقوبة الأخروية ، فعار السرقة سيظل يلاحق اللص في الدنيا سواء قطعت يده او لم تقطع أو سجن وسواء تاب أو لم يتب لأن التوبة بين العبد وربه . وإلا فكيف يتوب من قتل قصاصا أو ظهرت براءته بعد أن أزهقت روحه ؟ وكيف يتوب من حكم عليه بالسجن هل سيتم العفو عنه حال إعلانه التوبة ومن الذي سيقر بتوبته ؟ . ولاحظوا ايضا أن هؤلاء المعارضين للشريعة يتعاطفون دائما مع اللص والزاني والمرتد .. ولايتعاطفون مع المجني عليه الذي سرق ماله وانتهك عرضه وتم ترويعه بالسرقه بل ترويع المجتمع كله .. فيالها من رحمة تطال المجرم وتتغافل عن المهدور حقه المنهوب ماله. وأما الشبهة الثانية : فزعمهم أن القطع معناه قطع الطريق عن السارق حتى لايعاود السرقة . و هكذا يريدون أن يحولوا العقوبة الى مكافاة .. فالسارق والسارقه بدلا من ان نعاقبهم فسوف نكافئهم بتوفير حياة كريمة لهم رغم أن هؤلاء اللصوص كانوا يعلمون مسبقا أن من يسرق تقطع يده ، ومع ذلك لم يعبأ أي من هؤلاء اللصوص بتلك العقوبة القاسية فكيف لو كانت العقوبة هي منعهم فقط برفق وحنية ورحمانية بل ومكافأتهم ؟ ثم يستعرض هؤلاء الجهلاء مستنكرين كلام الفقهاء في كيفية قطع اليدين والرجلين ولم يفكروا لحظة في طبيعة هذا اللص الذي تقطع يمناه ثم يعاود السرقة مرة ثانية ثم تقطع قدمه ثم يده ثم قدمه ماهذا اللص السوبرمان الذي لايعبأ بكل هذا .. هل يمكن ان يكون شخصا طبيعا يستجيب لاي نوع من العلاج . وهناك نقطة مهمة جدا تذكرتها الان وهي حادثة تعطيل عمر رضي الله عنه لحد السرقة في عام المجاعة وهي حادثة مشهورة جدا ولا سبيل إلى إنكارها .. أليس في تعطيل حد السرقة بسبب المجاعة اثبات صريح لوجود الحد ؟ وان هذا الحد الذي تم تعطيله هو قطع اليد قطعا حسيا لا القطع بمعنى قطع الطريق عن السارق بمساعدته على العمل والكسب الحلال لايستقيم مع فعل التعطيل بل يتناقض معه تماما اذ كيف يعطل عمر مساعدة السارق وقت المجاعة ؟
وأما عن الشبهة الثالثة : فزعمهم أن القطع معناه الخدش كما في سورة يوسف (..) ؟ والجواب على ذلك أن الأصل في القطع هو الفصل بين المتركبين . ثم يستعار في مواضع تدل عليها القرينة وهو ما يعرف بالوجوه والنظائر فالقطع قد ورد في القرآن على أحد عشر وجها : - أحدها : الفصل والإبانة : { فاقطعوا أيديهما } ، {ولأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) .. والثاني : الجرح والخدش : { فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن ) .. والثالث : إخافة السبيل : ( وتقطعون السبيل ) .. والرابع : بمعنى قطع الرحم والقرابة : {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} . والخامس : بمعنى التفرق في الدين : { وتقطعوا أمرهم بينهم } ، أراد تفرقوا في الأديان .. والسادس : بمعنى الشديد : { وقطعناهم في الأرض أمما ) .. والسابع : بمعنى الاستئصال : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } ، وفي الحجر: { أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) .. والثامن : بمعنى التخريب : { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال } أو قطعت به الأرض ) .. والتاسع : بمعنى الإبرام : { ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ) .. والعاشر: بمعنى الإعداد : { قطعت لهم ثياب من نار ) .. والحادي عشر: بمعنى القتل : { ليقطع طرفا من الذين كفروا } ، أي : ليقتل طائفة منهم . وأما الشبهة الرابعة : وبقيت شبهة واحدة يرددها هؤلاء الجهال وهي قوله تعالى : ( فاقطعوا أيديهما ) ولم يقل فاقطعوا يديهما مما يدل على أن المقصود ليس البتر . والجواب : أن هؤلاء يجهلون القاعدة اللغوية المعروفة في كلام العرب وهي الإتيان بالجمع مكان المثنى يقول تعالى : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) ولم يقل قلبيكما مع أنهما ليس لهما إلا قلبين . ثم إن السارق والسارقة هنا هو جنس السارق وجنس السارقة فيدخل فيها كل سارق وسارقة .. كما أن السرقة قد تتعدد من السارق الواحد فيتعدد القطع . ويأتي قوله تعالى : جزاء بما كسبا نكالا من الله قاطعة على أن المقصود هو البتر . وأخيرا فإن الفقهاء قد توسعوا في شروط قطع يد السارق حتى تجاوزت الثمانين شرطا عند الأحناف .. وفرق كبير بين ثبوت حد السرقة ، وبين مايستلزم إقامة الحد .. فليس كل سارق تقطع يده كما أنه ليس كل زان يجلد أو يرجم وليس كل مرتد يقتل .. فالحدود تدرأ بالشبهات وهناك تفصيل في السارق والمسروق لتطبيق الحد .. وهذا لاينفي ثبوت التهمة ووجوب التعزير عليها ، وهذا يحتاج إلى وقفة أخرى إن شاء الله