فسر البعض قولي في مقال أمس، "فات ميعاد المصالحة"، بأنه تحريض على ترك الإخوان في السجون! وهو اعتقاد يخلط ما بين "المصالحة" و"العفو".. الأولى أوسع وأشمل، والثانية مترتبة على المصالحة، وجزء منها.. وإن كان العفو "هبة منحة" قد يُبذل بدون مصالحة. فضلًا عن أن ملف المعتقلين، هو ملف حقوق إنسان، من المفترض ألا يخضع للفرز على أسس أيديولوجية أو طبقية أو فئوية.. فسواء اختلفنا أو اتفقنا مع الإخوان فى السجون، فإن مكافحة الانتهاكات التى يتعرضون لها، هى واجب لا تحكمه كما قلت التحيّزات الأيديولوجية، وإنما الدافع الإنسانى والأخلاقي المحض. لكن ينبغى أن نعترف بأن ما يقال عن المصالحة فى العلن، يقال عكسه تمامًا فى الغرف المغلقة.. ولا بد فى هذه المسألة أن نكون صرحاء: فقطاع من النخبة بما فيها نخب محسوبة على الإسلاميين يخشى من أن تتم المصالحة بين السلطة والإخوان الآن! هذا الرأى "القلق" من المصالحة، جزء منه، يرجع إلى أسباب تاريخية، وللخبرة المصرية فى علاقة الجماعة بالسلطة، انتهت إلى قناعة تقول: إنه إذا جلس الطرفان معًا، فإنهما سيتفقان "علينا الشعب"، مستندين إلى تجربة ما بعد حركة الجيش عام 1952.. وبعد ثورة يناير 2011. والجزء الآخر، يعتقد أن شروط المصالحة لم تنضج بعد، فكلا الطرفين على استعلائه وعجرفته: الإخوان رغم قسوة المحنة ودمويتها، لم تعترف بأنها أخطأت وأنها بحاجة ملحة إلى إجراء مراجعات جادة وجسورة تنظيميًا وفكريًا.. والسلطة رغم سلسلة أخطائها الكارثية على المستوى الاستراتيجي، ما زالت تتصرف بعنجهية الوصاية الأبوية على الكل.. فكلاهما يعتقد فى نفسه الكمال المطلق من كل نقص أو خطيئة.. ما حمل البعض على أن يرى بأنه "لا حل" معهما إلا أن يتركا على حالهما الذى هما عليه الآن، إلى أن ينزلهما "الإنهاك" إلى مواجهة الحقائق على الأرض، ويضع حدًا للأساطير المؤسسة للاستعلائيين: التنظيمى والمؤسسي.. ويفسحان الطريق لتجربة مدنية جديدة. جزء ثالث، يرى أن المصالحة، ربما تشكل هاجسًا يشغل حيزًا كبيرًا من تفكير الإخوان والسلطة.. ولكنه ليس كذلك عند شعب، يكابد مشقة كبيرة فى توفير قوته اليومي.. بمعنى أن المصالحة كما قلت يوم أمس لم تعد أولوية على أجندة أحلام وأشواق المصريين.. وربما تنتهى فى آخر الطريق، إلى ما يشبه "العفو" عن سجناء ومعتقلين، مع السماح لهم بهامش من النشاط الاجتماعي، الأقرب إلى صوفية الزوايا "الدروشة"، تحت تهديد ورقابة أمنية على مدار الساعة. ولنكن أكثر صراحة: الكلام عن المصالحة بمعناه السياسي، الآن، هو من قبيل العبث الذى لن يفضى إلى شيء.. وعلينا أن نتحدث عن ملف السجناء.. ولا ينبغى أن يسددوا ثمن ترف المثقفين وثرثرتهم.. ولا "خداعهم" بمصالحة لن تأتي.. لن تكون هناك مصالحة.. وأقصى ما يمكن إنجازه فى هذا السياق.. هو ما يشبه "العفو الرئاسي" بتفاصيله التى نعرفها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.