هناك نقطة تتحول فيها المرأة من مجرد الرفقة إلى حالة استحواذ وشعور بالتملك لشريك العمر فبدلاً من الحنو يبدأ مسلسل التسلط بداخل فكر المرأة ليصل فى أحيان كثيرة إلى مأساة أقل جوانبها تفكك الأسرة الواحدة نتيجة عداوات افتراضية ما كان لها إلا أن تتحول إلى نقاط تلاحم وتكامل ولكن تلعب الغيرة مع الاستحواذ دورها هنا! وهناك مع الأبناء نقطة مماثلة يشعر فيها الأبناء بنين وبنات أن ما يحصلون عليه من والديهم، هو حقهم رغم عدم بذلهم أى جهد لاستحقاق الحصول على والديهم وما يملكون، وحين يتعارض الجانب العاطفى مع طموحاتهم المادية يتغلب الجانب المادى ويصبح ما يحصلون عليه من الآباء حق مكتسب ينمو فى مخيلتهم ويتعاظم رغم عدم مشاركتهم فى الحصول عليه. اللافت للنظر فى الأمر أن الأبناء وشريكة العمر لا يبذلون غالباً أى جهد لتنمية مدخلات الأسرة الاجتماعية قبل المادية. إن المكنون الثقافى فى تراثنا الشرقى الذى يعتبر الأسرة نواة المجتمع وحافظ على ترابط أسرنا لقرون بات مهدداً بفلسفة غربية تتمحور حول الفرد (والتى ليتنا أخذناها بكاملها) حيث أسقطنا جانبها الإيجابى جانب العطاء لنتشدق بجانبها السلبى، وهو الحرية غير المسئولة، والذى أدى إلى حالة تفسخ أسرى انعكس على سلوك الوالدين فى الغرب لدرجة أن قوانينهم تحاول تقويم علاقاتهم الأسرية لتجميع ما تبقى من بنية مجتمعية، فبتنا نسمع عن حقوق الطفل (وغالبها أمور فطرية فى ثقافتنا بل وفى الفطرة السليمة) إلا أنها باتت بالنسبة لهم فى الغرب تحتاج للتعامل معها فكان لابد للقانون أن يتدخل، ولكنه حين تدخل اجترأ على الفطرة فى بعض مناحيه منطلقاً من علاقة الندية وليس من علاقة التكامل فى محيط الأسرة الواحدة.. والأمر الواجب الاعتبار هنا هو أن الأبناء فى سن مبكرة ينفصلون فى الغرب عن أسرهم ويعتمدون مادياً على أنفسهم لينتهى عندهم فكر الاستحواذ، أما بالنسبة لنا فيستمر الأبناء والزوجة فى مسلسل الاستحواذ بلا مدخلات تجعل قضية الملكية الاجتماعية قضية مشاركة وترابط أكثر منها قضية شراكة.. وحتى علاقة الشراكة التى يمكن أن تحل محل قضية المشاركة اضمحلت فى الكثير من أركان مجتمعنا.. لقد باتت أسرنا لا تجتمع على وجبة واحدة فى اليوم وأحياناً تمر الأسابيع دون أن يجتمع أفراد العائلة فى جلسة عائلية.. والعجيب أن حالة التفرد قد تفاقمت فبتنا نجد أفراد الأسرة الواحدة يعيشون عالمهم الافتراضى منفصلين من خلال شبكات التواصل الاجتماعى من خلال غرف متعددة داخل المسكن الواحد وأحياناً من خلال مكان واحد لا يلتفت الفرد فيه إلى شريكه فى الأسرة! تبقى نقطة نظام فى الأمر وهى أن المجتمع الغربى ليس متفسخاً اجتماعياً بالصورة التى قد توحيها الكلمات فهناك أسر غربية متماسكة لها تقاليدها العريقة، ولكنها حقيقةً قليلة.. ومن اللافت للنظر أن فتياتنا وشبابنا يعيشون حالة شرنقة أسرية فى جانبها المادى مع حرية غربية بجانبها السلبى، وهو ما لا يحمد عقباه حيث ينعدم أى مخرج إيجابى سواء أكان مادياً أم اجتماعياً أم عاطفياً لهذه الحالة فكل جوانبها سلبية للأسف، وهى حالة تفسخ مجتمعى ليس لها جانب فلسفى حقيقى. إن حالة المجتمع التى أجبرت رب الأسرة على الغياب عن المنزل، وبالتالى عن الأسرة لساعات وأحياناً لشهور قد أنتجت ذلك التفكك المجتمعى إلا أن غياب دور الأم والزوجة كحاضنة للأسرة غاب أيضاً تحت دعاوى الاستقلال والفردية، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الوضع فبدلاً من أن تقوم المرأة بدورها الطبيعى كحاضنة للأسرة انطلقت هى أيضاً فكرياً خارج الأسرة ليتلاشى مفهوم الأسرة المجتمعى لصالح النزعات الفردية التى غلبت أنا على نحن، وباتت الزوجة والأم تحاول الحصول على أكبر نصيب من المتاح أسرياً حتى على حساب الكيان الواحد المفترض أنه الشراكة الطبيعية بين الأب والأم والأبناء! وتتحول الملهاة إلى مأساة عندما يستمر معدل التطلع إلى أكثر من قدرة الزوج أو الأب فتتفكك العرى أو ينتهى الأمر بجريمة أخلاقية وأحياناً بجريمة مادية الأركان! يتبقى أن نستشف انعكاس ذلك على حالة الوطن، فالمواطن ما هو إلا نتاج تلك النظم الأسرية والمجتمعية، فلا أسرة بَنَتْ ولا مجتمع قوَّم، والجانب السياسى فى الموضوع منشأه شحن المواطن بحقوقه وإهمال جانب واجباته حتى خف عنده الشعور بالمجتمع إلا من شعارات فى مجملها مطالبات دون واجبات وهو شعور سلبى مدمر لبنية الوطن والمواطن على حد سواء. لقد باتت الأسر تتناحر فيما بينها وتتناحر مع أقرانها ثم باتت تلك التجمعات تتناحر مع تجمعات أخرى، وهكذا حتى بات الشارع المصرى فى حالة تسيب لم يعتد عليه منذ عقود إضافة إلى حالة الانفلات القانونى والأمنى، الذى تحولت معه الحرية إلى فوضى. ولكن مع دق ناقوس الخطر تبقى حقيقة أن لحظات التحول يمكنها أن تكون مرتكزات لتغيير مسار الأفراد والأمم، وهو ما يدعونا للتفكر فى لحظات بداية نشوء فكر الاستحواذ فى الأفراد والجماعات على حد سواء عَّلنا نجد بدايات ننطلق منها لنعيد هيكلة بنية المجتمع بصورة إيجابية لتلتف أسرنا حول رسالة وهدف واحد يجمعها ليعود للمجتمع رسالته. وفى رحلة البحث عن نقطة انطلاق للمجتمع هلا تمثلنا قول أبى العلاء المعرى منذ حوالى ألف عام: ألا فى سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعل:: عَفافٌ وإقْدامٌ وحَزْمٌ ونائِل.