الأول وزير خارجية مصر، والثانية وزيرة العدل في أمريكا بالوكالة، وقد أقالها ترامب، لأنها رفضت تنفيذ مرسومه بشأن حظر دخول مواطني سبع دول إسلامية لأمريكا، فقد رأت أنه يتصادم مع القانون والدستور. ترامب لم يكتف بإقالتها بل نعتها بالخيانة، وهذا سلوك الشعبويين الذين يوجهون الاتهامات الفورية الثقيلة لمن يختلفون معهم، وترامب يثبت في هجومه العنيف على كل من يختلف معه، وخصوصا الإعلام، أنه ماض في سلوكه المستفز مرشحا ثم رئيسا، وبعد أيام من طرد ييتس من منصبها قررت عدة محاكم تعليق مرسومه، وأيدت القرار محكمة الاستئناف، فكان نصيب القضاة تهمة تسييس الأحكام، الرئيس يهاجم مؤسسة القضاء المستقلة في بلاده، وهى أحد أركان الديمقراطية في الدولة زعيمة العالم الحر، التسييس يمكن أن يُقال في جمهوريات الاستبداد، وجمهوريات الموز، لكن يصعب تصديقه في أمريكا حيث كل صغيرة وكبيرة فيها تحت المجهر، وخاضعة للمراقبة، والمحاسبة، ثم هو اليوم يناقض نفسه وينسف كل اتهاماته بعد انسحابه من استكمال الاستئناف على مرسومه لاستشعاره بالإخفاق فيه، وتجهيزه لمرسوم جديد يتلافى ثغرات المرسوم الاول. ما هى العلاقة بين سامح شكري، والقائمة بأعمال وزارة العدل الأمريكية المُقالة؟. علاقة غير مباشرة، لكن لها دلالاتها في مسألة التسريبات المتعلقة بمكالمات شكري الهاتفية مطلع فبراير الجاري، ثم في العاشر من الشهر نفسه، وتحدثنا في مقال سابق هنا عن التسريب الثاني المتعلق بنقاشه الموسع مع المحامي الإسرائيلي إسحق مولخو بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير. في مكالمته المسربة الأولى مع السيسي حول التدخل الإيراني لأجل مشاركة مصر في مؤتمر لوزان بسويسرا خلال شهر أكتوبر الماضي بشأن سوريا لم يكن فيها ما يُؤخذ عليه، بل إن المكالمة والشرح الذي قدمه شكري بدا أمرا جيدا فيما يتعلق بقلقه من استثمار إيران لدورها في تواجد مصر بالاجتماع في مسار صراعها مع السعودية، وانعكاس ذلك على العلاقة بين مصر والأشقاء في المملكة، وكان رأيه عدم المشاركة في المؤتمر، لكنه نزل على توجيه السيسي بضرورة الحضور بعد أن يطلب من جون كيري وزير خاجية أمريكا السابق أن يوجه الدعوة لمصر حتى يظهر أن مصدرها أمريكا وليس إيران. نصل إلى بيت القصيد، سامح شكري الوزير صاحب الرؤية الدبلوماسية المعقولة بشأن مؤتمر لوزان، هو نفسه الوزير صاحب المكالمة الجارحة للشعور الوطني مع الإسرائيلي مولخو، فكيف يستقيم هذا الأمر؟. التقدير، أنه كوزير خارجية، ليس صانع سياسة خارجية، ولا صاحب قرار نهائي فيها، هو سكرتير للرئيس، مثل الحكومة بوزرائها، وعليه أن يقول كلمته إذا طُلبت منه فيما هو مطروح من قضايا، لكن ليس شرطا أن يؤخذ بها، بل مطلوب منه أن ينفذ ما تصدر إليه من تعليمات، هذا هو لب حركة الدبلوماسية المصرية مع سامح شكري، وقبله، وهذا ما كان يحدث مع عمرو موسى أبرز وزير خارجية مصري خلال العقود الأربعة الأخيرة، لكن الفارق الذي جعل اسم موسى مختلفا ولا معا بعض الشيء أنه كان يستفيد من المهارة الدبلوماسية التي لديه، ومن مساحة محدودة في الحركة متاحة له لإبراز بعض المواقف الجيدة التي كانت تقدم صورة مقبولة للدبلوماسية المصرية، وكانت تستميل الهوى الشعبي، وخدم موسى أيضا أن مبارك يظهر اليوم وبعد سنوات من الأداء العام بعد ثورة يناير أنه كرئيس كان يتمتع ببعض الكياسة في إدارة الدولة، وكذلك في تعامله مع إسرائيل، وقد عزز ذلك عدد من الرجال المسيسين الذين كانوا يحيطون به، ولا ننسى إلى جانب موسي اثنان آخران كان لهما دور مهم في ضبط الإيقاع في التواصل مع إسرائيل، وهما المرحومان الدكتور أسامة الباز، و اللواءعمر سليمان. هل قال سامح شكري لمن كلفه بالتواصل مع الإسرائيلي أنه لا ضرورة لذلك؟، أم كان متماهيا مع صاحب القرار، وأن حالة التدفق في الحديث والنقاش التي سمعناها في التسريب تعكس موقفه وقناعته الشخصية أيضا؟. في كل الحالات شكري لا يملك من أمره شيئا، فهو وغيره من الوزراء وكبار المسؤولين ومتوسطوهم يعملون في نظام سياسي لا يقبل في كل عهد من عهوده أن يكون هناك رأي فوق رأي صاحب الرأي والقرار، فما بالك بفكرة أن يرفض أي مسؤول قرار صاحب القرار كما تجرأت وفعلت الوزيرة الأمريكية سالي ييتس؟. قد لا يضمن المسؤول عواقب الاعتراض، لكن سالي في أمريكا، وكل من هم مثلها في أي بلد ديمقراطي لا يساورها أي قلق على وضعها سواء بقيت في الوظيفة، أم خرجت منها، لأن طبيعة هذه البلدان وأنظمتها أساسها الحرية في النقاش وإبداء الآراء والمواقف، والمعارضة داخل النظام لا تعني شق الصف، والمعارضة للنظام لا تعني التآمر، وهذا من ثوابت السياسة والحكم والإدارة، ومن عوامل استقرار ونجاح وتقدم دول العالم الحر. لا يرصد التاريخ في مصر سوى بضعة مسؤولين تجرأوا وقدموا استقالاتهم احتجاجا على مواقف وقرارات يختلفون فيها مع صانع القرار، ودوما يبرز هنا اسم إسماعيل فهمي، ومحمد إيراهيم كامل، وقد استقال كل منهما من منصبه كوزير للخارجية خلال مفاوضات كامب ديفيد، انتهت المفاوضات، وتم توقيع المعاهدة، ورحل الجميع، لكن بقيت واقعة الاستقالة كأحد العناوين الحاضرة في تاريخ تلك الفترة، رحمة الله على الرئيس السادات واسع الصدر لتقبل مغادرة هؤلاء لكراسيهم، دون المساس بهم، وميزة التسامح تلك ارتبطت بالسادات بشكل خاص قبل أن تتقلص في اعتقالات سبتمبر 1981. هنا يبقى سامح شكري، في الظاهر لنا، مجرد منفذ للتوجيهات، لكن لا ندري هل بمقدوره أن ينتزع مساحة للتحرك كما كان عمرو موسى، أم أنه يقبل بأداء الدور المرسوم فقط؟، وفي الجهة الأخرى تبقى سالي ييتس التي اتخذت موقفا أمام رئيس تتحسب له وتخشاه أنظمة وحكومات كثيرة حول العالم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.