مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط: حالة من الضبابية والغليان والارتباك السياسي تكسو المشهد السياسي بمنطقة الخليج، على خلفية الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى جزيرة "أبو موسى" في 11 أبريل الجاري، وتأكيده على التعاون مع الدول الإقليمية لحفظ الأمن والسلام في المنطقة. وزاد من حدة الغليان في المشهد السياسي الخليجي، أنه في الوقت الذي تتعامل به دول الخليج مع الحدث بالتزام الدبلوماسية وضبط النفس تمثلت في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون وتأييد دعوة الإمارات إلى حل النزاع عبر التفاوض أو من خلال اللجوء الى محكمة العدل الدولية، ترد طهران باستعلاء سياسي ،تمثل في قول القائد العام للجيش الإيراني الجنرال عطاء الله صالحي "لن نسمح لأي جهة بالتطاول على وحدة أراضى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي لديها أطماع في أراضيها بتحريض من الأجانب يجب عليها إعادة النظر في مواقفها". وأضاف " "أشعر بسعادة وفخر للزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية للجزر الثلاث-طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى- التي هي جزء من أراضى وطننا.. لن نسمح لأي جهة بأن تطرح أقاويل حول وحدة التراب الإيراني.. لا نجامل أحدا في شأن سيادة أراضينا، سواء كان من خارج المنطقة أو من جيراننا.. أصدقاؤنا يتأثرون أحيانا بأخطاء القوى الأجنبية، ويكررون ادعاءاتها". والواقع أن البحث في تاريخ العلاقات بين إيران ودول الخليج عامة ومع الامارات على وجه الخصوص يؤكد أن إيران تمارس سياسة الاستعلاء وفرض الهيمنة على منطقة الخليج. وتكشف الرؤية التحليلية للسياسة الإيرانية تجاه مسألة الجزر منذ الثورة الإيرانية وحتى الآن عن حقيقة مؤكدة مفادها أن إيران لا تعترف بملكية الامارات لهذه الجزر وأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية وهذا هو مضمون تصريحات القائد العام للجيش الإيراني. ارمبداية يمكن القول إن العلاقات الخليجية-الإيرانية اتسمت بالتقلب والتأرجح بين التوتر والصراع الخفي المكتوم تارة والانفتاح والتقارب تارة أخرى، وذلك نتيجة المماطلات والتسويف الإيراني بشان الجزر الإماراتية "أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى"، فضلاً عن طموحاتها النووية التي تثير قلق الدول الخليجية ، ويحكم إيران في كل تصرفاتها وسلوكها تجاه دول مجلس التعاون مبدأ المنفعة القومية الإيرانية. ورغم أن العلاقات الخليجية الإيرانية علاقات موغلة في القدم، إلا أنها تتسم بالحذر المتبادل الممزوج بالصراع الخفي في أحيان كثيرة وقد وصل التفاوت والاختلاف إلى درجة إظهار الصراع على اسم الخليج " بين العربي والفارسي". والمتابع السياسي لمنحى العلاقات الخليجية الإيرانية عبر أكثر من ثلاثين عاما ، يلحظ أن التقلب هو السمة الغالبة لتلك العلاقات بالرغم من أن إيران ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية، إلا أن العلاقات السياسية ليست كذلك ، وإذا كانت العلاقات الدولية تعتمد على الاقتصاد كعنصر أساسي لقياس مدى قوة العلاقات، فإن الحالة الخليجية الإيرانية تنفرد بأنها مختلفة تماما عن هذه القاعدة، ومن ثم يمكن ملاحظة قدر التناقض بين العلاقات الاقتصادية وقوتها وبين العلاقات السياسية وتقلباتها. ورغم ذلك اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي إلى تبني سياسة ثابتة تجاه إيران تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية وتبادل المصالح وتشارك المنافع وذلك في محاولة إلى احتواء إيران واستيعابها بما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي وحل أي مشكلات أو أزمات تهدد هذا الاستقرار. وتشير الدراسات التاريخية إلى أن جزيرتي طنب الكبرى، وطنب الصغرى، تعودان لإمارة رأس الخيمة، وكانت الإمارتان تمنحان الامتيازات للشركات الأجنبية لاستغلال الثروات الطبيعية بما فيها النفط، في هذه الجزر، ولم يكن ثمة نقاش إقليمي، ولا اعتراض إيراني، قبل عام 1971 على ممارسة سيادة رأس الخيمة على جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، وسيادة الشارقة على جزيرة أبو موسى. وتؤكد هذه الدراسات التاريخية أن هذه السيادة عربية، فعلية، ومتواصلة، ومتصلة، بالأصل البشري للإمارة الأم، وسلمية، ومعلنة، وكاملة، وهذه الشروط جميعها ضرورية، بحسب القانون الدولي العام، لشرعية امتلاك الإقليم أصلاً، ومع ذلك بادرت إيران باحتلال الجزيرتين، قبل ثلاثة أشهر من انسحاب بريطانيا من الخليج في 30 نوفمبر 1971، أي قبل يوم واحد من استقلال الإمارات عن التاج البريطاني، وقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في مطلع ديسمبر 1971، التي أصبحت الوريث القانوني للاتفاقيات، حسب قرار المجلس الأعلى للاتحاد، والذي أكد على أن أي اتفاق وقعته أي إمارة مع "الآخرين" قبل الاتحاد هو اتفاق مع الدولة الاتحادية. ونتيجة فقدان التوازن العسكري، اضطرت الإمارات إلى قبول هذه الوضعية على مضض، دون أن تسلم بسيادة إيران أو حقها في الجزر، معتبرة أن احتلالها ناجم عن ظروف تفتقر إلى العدالة والتكافؤ أصلاً، وفرضت في ظروف التهديد باستعمال القوة والإكراه. ومع قيام الثورة الإسلامية عام 1979 انتهجت إيران سياسة التصعيد تجاه مسألة الجزر الإماراتية الثلاث. وعمدت إلى تعزيز نفوذها في جزيرة أبو موسى، بتكثيف وجودها العسكري الذي كان محصورًا في منطقة المرتفعات الواقعة في غرب الجزيرة ليمتد إلى جميع المناطق، بما في ذلك الميناء الذي أصبح محظورًا على الصيادين من أبناء الإمارات دخوله، أو الخروج منه إلا بتصاريح من القيادة العسكرية الإيرانية في الجزيرة. وفي هذا التوقيت، قدمت الإمارات مذكرة إلى الأممالمتحدة، عام 1980، بشأن احتلال إيران لجزرها الثلاث، بيد أن المنظمة الدولية لم تصدر قرارًا ملزمًا لإيران بهذا الشأن، خاصة أن الرؤية الإماراتية ذهبت إلى أن الخلاف مع إيران حول هذه الجزر هو خلاف جوهره مسألة السيادة الوطنية، وليس خلافًا حدوديًا، يمكن تسويته بالتنازل، ومن ثم بقيت الجزر قضية احتلال دولة لأراضي دولة أخرى، عن طريق القوة.