بات مؤكدًا عند كل المتابعين للشأن المصرى الآن أن الثورة المصرية انحرفت منذ فترة عن مسارها الصحيح، ورغم كل محاولات التفاؤل والاستبشار وحسن الظن إلا أن الواقع يؤكد يومًا بعد يوم صحة هذا التحليل، بل ويُثبت أننا دخلنا فعلاً فى نفق مظلم وبدأنا فى التخبط والسير الارتجالى العشوائى دون أن نعرف أو نتأكد أين نضع أقدامنا، ودون أن نعرف هل نسير فى الاتجاه الصحيح أم علينا أن نغير اتجاهنا؟ أو هل نفكر بطريقة صحيحة وإيجابية أم علينا أن نغير طريقة تفكيرنا؟ أو هل نحن فعلاً على مستوى الحدث الذى تمر به البلاد ونقدر له قدره أم استهنَّا به حتى كادت زمام الأمور أن تفلت من أيدينا، إن لم تكن قد أفلتت بالفعل؟، أمور كثيرة أوقعتنا جميعًا فى حَيرة ولم نعد ندرى أين الصواب وكيف الخلاص ومتى وكيف نصل إلى ما نتمناه من ثورتنا التى أُريقت من أجلها الدماء، وأزهقت فى سبيلها الأرواح؟! إن الأحداث الأخيرة المتعلقة بملف الترشح لرئاسة الجمهورية وتجرؤ عدد من فلول النظام السابق على التقدم للترشح لهذا المنصب بدلاً من أن يتواروا خجلاً مما فعلوه بمصر والمصريين، وكذلك عودة الإعلام - خاصة الفضائيات - إلى سِيرته الأولى للتسبيح بحمد أسياده القدامى وإظهارهم بمظهر الأبطال والمنقذين، وتبجح الحكومة المؤقتة وتهديدها بحل البرلمان رغم فشلها فى التعاطى مع هموم المصريين ومشاكلهم، بل تعمدها عرقلة عجلة الإنتاج والسير بالاقتصاد المصرى من سىء إلى أسوأ، أضف إلى ذلك تعالِى المجلس العسكرى وعدم استجابته لمطالب البرلمان ومطالب المصريين، كل هذا يؤكد أننا نسير فى الطريق الخطأ، ونفكر بطريقة خاطئة، وأنه لا بد من إعادة النظر فى كل استراتيجيات الثورة وطريقة عملها. لو أمعنا النظر فى كل الخطوات التى مرت بها الثورة منذ اندلاعها حتى يومنا هذا لأدركنا بما لا يدع مجالاً للشك ودون أن نخدع أنفسنا بما حققناه من إنجازات أن الثوار وقعوا فى أخطاء قاتلة تمثل السبب الحقيقى الآن وراء كل ما نعانيه من عرقلة وتباطؤ وتأخر، بل ارتداد سريع للخلف، وضياع لهيبة الثورة والثوار، وتتركز هذه الأخطاء فى النقاط التالية: 1- إسناد أمور الدولة بعد تنحّى مبارك إلى المجلس العسكرى، فقد كان هذا الإجراء خطأً سياسيًّا فادحًا وقع فيها السياسيون المصريون، ولا أدرى كيف وافقوا - منذ البداية - على أن يدير المجلس العسكرى المرحلة الانتقالية؟!، هل كنا مغيَّبين وفاقدى الوعى إلى هذا الحد؟ أو كنا مفتقرين إلى النظرة السياسية الصائبة؟ أو كنا ننظر تحت أقدامنا ولا ننظر إلى المدى السياسى البعيد؟، إنه لا فرق بين نظام مبارك والمجلس العسكرى، فكلاهما منهج واحد وفكر واحد وطريقة واحدة فى إدارة تلك البلاد المنكوبة التى يبدو أنها لا حظَّ لها فى الحرية والاستقرار، وأنه كُتب عليها أن ترزح تحت سِيَاط العسكر إلى يوم الدين؛ إما لغبائنا السياسى وعدم فطنتنا لمجريات الأمور، وإما لذكاء المجلس العسكرى فى وضع خطط محكمة لخداع الشعب والمكر به والتمويه عليه، ويبدو أن هذه الخطط قد انطلت على كثير من المصريين، فرضوا بالأمر الواقع واستكانوا للأوضاع الراهنة، وهذا كله نتيجة طبيعية لسياسة النفس الطويل التى ينتهجها المجلس العسكرى مع المصريين منذ توليه إدارة البلاد، ويبدو أن هذه السياسة قد بدأت تُؤتى أُكلها على الوجه الذى يشتهيه أعضاء المجلس العسكرى. 2- التلكؤ فى إصدار قانون العزل السياسى أو قانون إفساد الحياة السياسية لفلول النظام السابق وإهمال هذا الملف المهم، لقد كان الهدف من هذا القانون منعَ كل مَن شارك فى إفساد الحياة السياسية سابقًا من المشاركة فى العملية السياسية لمدة زمنية محددة تتيح لهؤلاء أن يتطهروا من أعمالهم الشائنة السابقة، وأن يوطّنوا أنفسهم على التعامل بنظافة وشرف مع المرحلة الجديدة التى تمر بها البلاد، إن هذا القانون له أهمية كبيرة، حيث يفتح أمام هؤلاء باب التوبة السياسية؛ لينخرطوا فى المجتمع من جديد بفكر جديد وسياسة جديدة، أساسها الشفافية والصدق والحرص على مصلحة الوطن. لقد تم خداع الثوار وخداع الشعب المصرى بأكمله وإغراقه فى معارك جانبية ومسائل هامشية بهدف التغطية على هذا القانون ونسيانه تمامًا، وها نحن الآن نجنى مرارة هذا التقصير وذاك الإهمال، فقد قفز إلى السفينة الوطنية عدد ممن قامت الثورة - أساسًا - ضد سياساتهم العقيمة مستغلين عدم وجود تشريع قانونى يمنعهم من الترشح لهذا المنصب ومتحدِّين كل مشاعر المصريين الشرفاء ومستقوين بالمجلس العسكرى الذى يسخِّر لهم كل إمكانيات الدولة الأمنية والعسكرية؛ ليحققوا مآربهم فى الوصول إلى سدّة الحكم وإن رَغِمَت أنوف المصريين جميعًا. لقد نسينا أن شعار الثورة كان: "الشعب يريد إسقاط النظام"، وقد أسقطنا رأس النظام، ونسينا أن نتأكد من موت النظام نفسه، فالثورة لم تكن بالتأكيد ضد شخص مبارك، وإنما كانت ضد نظام مبارك بجميع أركانه، كانت ضد كل الشخصيات التى تصدَّرت المشهد السياسى والأمنى والاقتصادى والثقافى والتعليمى فى العهد البائد، وتسبَّبوا بسياساتهم العقيمة فى تأخر البلاد وتراجعها. [email protected]