حين لاتسعفنا الكلمات، يكون صمتنا أبلغ ردا وأعلى بيانا ،حين يكون كلامنا هراءً، وجدنا مزاحاً، وحقائقنا خيالا،وبيوتنا أوهن من بيوت العنكبوت، فإن الصمت حكمة.فى مقال للأستاذ الدكتور جابر قميحة وهو يتحدث عن أبلغ مقال، وقال اصفا أبلغ مقال بالحرف الواحد""إن أبلغ مقال في نظري لم يُنشر، ولم أقرأ كلمةً واحدةً منه". حقيقة تعجبت بادئ الأمر ثم أضحت الصورة جلية حين تحدث الأستاذ الدكتور عن أحد الأدباء الذين أثروا الثقافة المصرية ردحا من الزمن الأستاذ أحمد حسن الزيات، كتب يوما مقالا بعنوان " لاتخافوا الإخوان ، إنهم يخافون الله" وإذا برجال الميمونة" يوليو 1952" يمنعون المقال من النشر، ويصر الكاتب على أن يكتب عنوان المقال ثم يترك صفحتين خاليتين وفى ذيل الصفحة الثالثة يوقع باسمه، وصدرت الجريدة على هذه الصورة، لقد كان صمت الزيات رحمه الله، رسالة إلى الواعين من أبناء هذه الأمة، حذف المقال، ولم ينشر لكن ما أراد ان يوصله للناس قد وصل ووعته الأذهان والعقول النيرة والمتفتحة.... ولله در الدكتور جابر قميحة وهو يعبر عن هذا فى بيتين قائلا: يتكلمون بمدفع وقذيفة وكأنهم وُلدوا بغير لسان ومن السكوت بلاغةٌ عُلْوُية تتجاوز الآماد من سحبان لكن صمت أمتنا فى أيامنا ليس بليغا، لأنه صمت مهين ومزر، صمت أمتنا لما يحاك بها صمت مريب، وكأنها مؤامرة لتمزيق جسد الأمة وتعريتها واحدة تلو أخرىهل حقا هو صمت من ذهب؟ ما أظنه صمتا يساوى خردلة، باعوا ضمائر الأمة فى سوق النخاسة، وأكلوا يوم أكلت بغداد، يوم دخلت المدرعات وحاملات الطائرات من ديارنا وقلاعنا العربية، ولم ينج من ذلك أحد، دكوا بغداد على رؤوسنا قبل رؤوس أهلها وذويها ونحن ننعم بالصمت الجميل وأحزاننا نائمة على فرشنا وفى قلوبنا صنوف من الهم وأمتنا نائمة على سرير الهوى ولله در من صور حالنا ونحن نلتمس فرحا وسعادة موقوتة: من اين والذل يبنى ألفَ منتجعٍ فى أرض عزتنا والربح خسرانُ من اين نفرح والأحباب مااقتربوا منا ولا اصبحوا فينا كما كانوا إن ماندفعه حين تعلو أصواتنا بالدفاع عن كرامة أمتنا وعزتها السليبة أقل بكثير مما ندفعه بصمتنا ونحن نظن أننا فى منأى ومأمن مما يحاك حولنا ويدار.. قلوبنا تكاد أن تنفطر من هول مايحاك ومن صمتنا العاجز والأدهى من ذلك والأمر أنه أريد لنا أن نظل صامتين فالصمت فى شريعة أعداء الحق والحرية هو قمة الفضيلة، يزداد صمتنا ويزداد عجزنا وهذا يطمع فينا الأعداء إذ ينظرون إلى هواننا فيجدوننا وقد هنا على أنفسنا فصرنا فى عيونهم أهون ودعواتنا أن يحفظها الله من كل مكروه وأن يجمع شتات المسلمين ليستردوا عزهم ومجدهم السليب. د. إيهاب فؤاد