كشف عدد من الفقهاء الدستوريين عن أن الاتفاقيات الثلاث التي وقعتها الحكومة مؤخرًا وعلى رأسها "تيران وصنافير" دون الرجوع للبرلمان، تعد خرقًا صريحًا للدستور يستوجب محاكمتها جنائيًا بتهمة الخيانة العظمى، لتجاهلها للبرلمان المنوط به مناقشة تلك الاتفاقيات والموافقة عليها ومن ثم إرسالها للرئيس للتصديق عليها بعد دعوة الناخبين للاستفتاء وفقًا لنص المادة 151 من الدستور. وهذه الاتفاقيات الثلاث هي، ترسيم الحدود المائية بين القاهرة والرياض والتي بموجبها تنتقل ملكية جزيرتي "تيران وصنافير" للأراضي السعودية، والتنازل فيما بعد عن جزيرة "تشيوس" للجانب اليوناني بموجب اتفاقية وقعها الجانبان المصري واليوناني، فضلًا عن اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي التي لم تصل حتى اليوم إلى البرلمان رغم حصول مصر على الدفعة الأولى منها. فقيه دستوري: الحكومة ضربت بالدستور عرض الحائط ويجب محاكمتها من جانبه، قال الدكتور فؤاد عبدالنبي، الفقيه الدستوري، إن الحكومة لم تتجاهل البرلمان فقط في تلك الاتفاقيات التي وقعتها دون الرجوع إليه، لكنها أيضًا ضربت بمواد الدستور عرض الحائط ما يستوجب معاقبتها جنائيًا وفقًا لنص المادة 5 من القانون رقم 79 لسنة 1958، التي تنص على أنه مع عدم الإخلال بالعقوبات المقررة في القوانين الأخرى يعاقب الوزراء بالعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون إذا ارتكبوا في تأدية وظائفهم جريمة الخيانة العظمى وهي جريمة تمس سلامة الدولة أو أمنها الخارجي أو الداخلي أو نظام الحكم الجمهوري ويكون منصوصًا عليها في القوانين المصرية ومحددًا لها فى أي من هذه القوانين عقوبات الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو الاعتقال المؤيد أو المؤقت. وأضاف عبدالنبي، في تصريحات ل"المصريون" أنه بخصوص قرض صندوق النقد الدولي، فإن البند الثامن من المادة 167 من الدستور نص على أن اتفاقيات القروض ينبغي عرضها على البرلمان قبل إبرامها باعتباره ممثلًا عن الشعب، فيما نصت المادة 127 بأنه لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب، وهو ما لم يحدث وقامت الحكومة بإبرام الاتفاق ووضع الشعب والبرلمان أمام الأمر الواقع ولذا يعد الاتفاق باطلاً. ولفت الفقيه الدستوري، إلى أن تفويض الرئيس عبدالفتاح السيسي، للمهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، بتوقيع اتفاقية "تيران وصنافير" مخالف للدستور؛ لأن الرئيس هو من يمثل الدولة في إبرام الاتفاقيات ولا يحق له تفويض غيره ولذا فإن ما حدث يعد انتهاكًا صريحًا للدستور. خبير قانوني: الحكومة برمتها في مرمى المادة 77 من قانون العقوبات في سياق متصل، كشف المحامي نبيه الوحش، الخبير القانوني، عن أن إبرام الحكومة لاتفاقية "تيران وصنافير" يحمل في طياته أمرين أولهما أن توقيع رئيس الحكومة بدلًا من السيسي كان بمثابة دهاء سياسي حتى لا يحاكم الرئيس في تلك الواقعة أو "هبل سياسي"، لأنه لا يجوز لرئيس الوزراء إبرام الاتفاقيات لأنها من سلطات الرئيس وفقًا للدستور، ولذا فإن هذه الاتفاقية تعرض الحكومة للمساءلة القانونية وفقًا لقانون العقوبات وقانون إسقاط الجنسية المصرية. وفي تصريحات ل"المصريون" أكد الوحش، أن الحكومة برمتها في مرمى نيران المادة 77 من قانون العقوبات التي تنص في الفقرة "أ" على أنه يُعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدًا، فعلاً يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، كما تنص الفقرة "ه" من نفس المادة على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل شخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أخرى في شأن من شئون الدولة ضد مصلحتها. وطالب الخبير القانوني، بإسقاط الجنسية المصرية عن أي مسئول سهل التنازل عن الأراضي المصرية وفقًا لنص المادة 16 من قانون إسقاط الجنسية رقم 76. "تيران وصنافير" وتأتي على رأس تلك الاتفاقيات توقيع الحكومة لاتفاقية ترسيم الحدود المائية بين القاهرة والرياض، في شهر إبريل الماضي، والتي على إثرها تنتقل تبعية جزيرتي "تيران وصنافير" للأراضي السعودية، دون عرض الاتفاقية على البرلمان من البداية، لمناقشتها وإبداء رأيه فيها ما أدى لرفع العديد من المصريين على رأسهم المحامي خالد علي، دعاوى قضائية أمام القضاء الإداري للمطالبة ببطلان الاتفاقية انتهت بإصدار المحكمة الإدارية العليا قرارًا ببطلان اتفاقية الحكومة والتأكيد على مصرية الجزيرتين. ولم ترسل الحكومة الاتفاقية إلى البرلمان إلا في شهر ديسمبر الماضي، في خطوة أكدت استباقها لأحكام القضاء، تخوفًا من أن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ما أدى لاستنكار العديد من الساسة والنواب أبرزهم الدكتور محمد البردعي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق، والنائب هيثم الحريري، والمحامي خالد علي، الذين أعلنوا دهشتهم من القرار المفاجئ للحكومة. قرض صندوق النقد الدولي أما الاتفاقية الثانية فتعد اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي، التي لجأت له الحكومة في شهر نوفمبر الماضي لإتاحة قرض ممتد بقيمة 12 مليار دولار لدعم البرنامج الاقتصادي، دون الرجوع للبرلمان أو حتى إرسال بنود الاتفاقية للاطلاع عليها، ما أثار حالة من الغضب الشديد لدى الأعضاء تحت القبة، باعتبار أن تقرير الخبراء والوثائق التي أعلنتها بعثة الصندوق أمس الأربعاء، قبل وصول الاتفاقية على البرلمان استهانة بالمجس وأعضائه. جزيرة تشيوس ويعد تنازل الحكومة عن جزيرة "تشيوس"، بموجب اتفاق تم بين عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء اليوناني إليكسيس تسيبراس في عام 2015، وإعلان الصحف اليونانية بنود الاتفاقية في شهر أغسطس الماضي، دون معرفة البرلمان، بمثابة عدم اعتراف الحكومة للبرلمان رغم كونه المنوط به مناقشة الاتفاقيات الدولية وطرحها للاستفتاء وفقا لنص المادة 151 من دستور 2014.