شارك كوكبة من علماء الأمة الإسلامية من مصر والشام وفلسطين والمغرب وفرنسا، إضافة إلى عدد كبير من علماء الأزهر، ورجال السلك الدبلوماسي، ورجال القضاء في عزاء فضيلة الدكتور عمر محمد مختار القاضي، مؤلف كتاب التفسير المنير ومعالجة قضايا المجتمع من خلال القرآن الكريم، الذي أقيم مساء يوم الجمعة الماضي بمسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين بالقاهرة. وتحول عزاء الراحل إلى أمسية عمرية بدأت بالقرآن وأدارها سعد المطعني، كبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم، وتحدث الدكتور جعفر عبد السلام، أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية، قائلًا: "ما كنت أظن أنني سأقف لأرثي عمر القاضي قبل أن يرثيني، وقد تمنيت أن يقوم هو بتجهيزي وأن يرثيني لأنني لا أستطيع تصوّر الحياة بدونه، فهو الأخ والصديق الذي لا يترك شقيقه ولا يمكن أن ينساه.. عمر القاضي صديق لا يُعوّض، ومن تعامل معه يلحظ أنه لم يكن يسيء إلى أحد ولم أسمعه يعيب في أحد أو يغتب أحداً، لأنه كما أحسبه والله حسيبه من أهل الله". وتابع "عبد السلام": "كان عمله كله موجهًا لله، أصدر التفسير المنير ونوى أن يصدر كتابًا في الفقه وآخر في السنّة النبوية ومن ثم يجهز حقيبة تعريفية للإسلام في الغرب والشرق، لكن الأجل سبقه ولعلنا نصدرها بعده رحمة له وتخليدًا لذكراه. كان محبوبًا من الجميع، وكان قدوة لتلامذته وأحبابه ومريديه، وفقنا الله للوفاء ببعض ما كان يفعله لنا وللناس". وتحدث الدكتور حسام الدين فرفور من كبار علماء الشام قائلاً: ما كنت أظن أني أجيء من دمشق البارحة لتكون أول خطبة لي في مصر في عزاء الأستاذ الجليل د. عمر القاضي بشفافيته وصفائه. حصل لي شرف التعرّف عليه برابطة الجامعات الإسلامية مع كوكبة من رجال الفكر والدعوة وكان حديثنا في شأن الأمة وفي تطويرها ونهضتها. كنت تجالسه وتجلس إليه فتجده يحمل هم رسالته، رسالة الإسلام وهي أيضاً رسالة الإنسان. كان يستقبلنا بوجه طلق كله عطف وحنان، وإذا أردت أن تعرّفه فهو المؤمن الذي يألف ويؤلف رحمه الله. وقال الدكتور نبيل السمالوطي العميد الأسبق لكلية الدراسات الإنسانية للبنات جامعة الأزهر: كنت أطيل الجلسة مع أخي الراحل العالم الجليل د. عمر القاضي لنتحدث سوياً عن هموم أمتنا، وكنت ألحظ أن تفكيره تفكيرا ابتكارياً فيه إثراء للعلم وللمعرفة. ترك القانون واتجه إلى القرآن الكريم، كتاب الله ودستور المسلمين، فكتب التفسير المنير، وله إسهامات غير عادية في القضايا الإسلامية، عقيدة وشريعة وسيرة وسنة وأخلاق، يتحّدث في جميع ذلك حديث العالم الخبير. وتحدّث المستشار الدكتور ماهر عليان خُضير قاضي المحكمة الشرعية العليا بفلسطين، قائلاً: تعرّفت على الراحل الفقيد من جانبين، جانب قلمه وكتبه وفكره، وجانب شخصه الكريم يوم التقينا في رابطة الجامعات الإسلامية، ووجدته رجلاً خلوقاً حيياً متواضعاً وأحسست أنني أعرفه قبل عشرين عاماً. وفي آخر حديث دار بيننا جرى الترتيب بمعرفة أستاذنا الدكتور جعفر عبد السلام على أن يذهب معنا للصلاة في المسجد الأقصى الشريف وما زال اسمه في كشف ضيوف جامعة القدس، وبإذن الله فور إتمام الإجراءات سنقرأ له الفاتحة في المسجد الأقصى لروحه الطاهرة في هذه الزيارة المباركة. وأضاف الدكتور إسحاق عبد العال عميد كلية الطب جامعة الأزهر سابقاً : لقد عرفت الأستاذ الدكتور عمر القاضي في مجلس العلم والفكر في مكتب أستاذنا الدكتور جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية؛ ذلك المكان الذي جمع العلماء والفقهاء فكنا نذهب إليه لنلتقي بعلماء العالم الإسلامي ونزداد علما، وهناك تعرّفت على الراحل الكريم فكان ممن يصدق فيهم قول الله عز وجل: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً". فكان جمّ التواضع، عفيف اللسان، صافي النية، وتلك من صفات المؤمنين. وتضمنت الأمسية العمرية فاصلا من الأدعية والمدائح النبوية للشيخ حسام فرفور واختتمت بخير الكلام (القرآن الكريم). وكانت الأمة الإسلامية قد فجعت يوم الثلاثاء 12 ربيع الآخر 1438ه الموافق 10 يناير 2017م بموت هذا العالم الجليل فضيلة الدكتور عمر مختار القاضي -عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر (سابقا)، والخبير السابق بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسسكو)، وعضو المكتب الفني برابطة الجامعات الإسلامية. وقال الدكتور أحمد علي سليمان: وقف أستاذنا الدكتور عمر محمد مختار القاضي حياته على طلب العلم ونشره وتعليمه، وكان من الراسخين في العلم والدين..نذر نفسه للدفاع عن الإسلام، فلقد سخره الله لتفنيد شبهات الأعداء،والمضللين؛ إذ حباه ربه بالمواهب والفراسة العقلية والتعبيرية التي أمكنته من الكشف عن دقائق القرآن ونشرها، وتقديم البراهين المنطقية السليمة على صدقه، بما يناسب عقلية الغرب وجموع المسلمين.. وربى تلامذته على الالتزام بالدين؛ ليظل الإسلام حاضرًا في كينونة المسلم.. و كان قلمه يفور بأسرار الإيمان، ويتفطر فؤاده بالأفكار والرؤى الإصلاحية والتجديدية.. مَن تشرف بالقرب منه يجده منجم أفكار إيمانية، متجددا بالعطاء، منفوحًا من الله الوهاب، عاش بالقرآن ومع القرآن وللقرآن، كان منهجه في الحياة ينطلق من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما سئل: عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟، قال: (تقوى الله وحُسْن الخلق)(أخرجه ابن حبان)، فتمثل حُسْن الخلق في كل حياته.. صحبته نحو عشرين عامًا؛ فلم أسمع منه لفظة خارجة، أو كلمة نابية، أو حديثا في حق أحد إلا بالخير... وعندما تسلط ناظريك إليه تجد في وجهه البساطة والأصالة والحياء، وتجد نفسك أمام رجل.. رجل من الذين قال الله فيهم ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ...﴾ (الأحزاب: 23)، يخرج على الناس كعادته بسمو أخلاقه وتواضعه.. مشرق الوجه بسام المحيا، وتشعر أنه صديق للوجود كله..".