عندما نقول إن مصر "تغيّرت".. فإننا هنا لا نغالى.. أعرف أن أجواء الإحباط السائدة الآن قد تفضى إلى قدر من الشوشرة على هذه التغيرات "العميقة" التى طرأت على المجتمع المصرى بعد الثورة. ولعل الحالة القبطية على وجه الخصوص تعتبر الأفضل متى شئنا اختبار مثل هذا التغيير وقياس مسافته داخل الضمير المصرى العام.. إذ يظل الملف الطائفى هو الأكثر حساسية إزاء أية اختلالات قد تحدثها التحولات السياسية الكبيرة، فى معايير الفرز والمفاضلة والخيارات.. وما إذا كانت قد عززت قيم المواطنة، أم أبقت على منظومة القيم الاجتماعية القديمة، التى تعطى للطائفة الأولوية على أية اعتبارات وطنية أخرى. من الدلالات المهمة فى هذا السياق هو وجود 75 متطوعًا مسيحيًا فى حملة المرشح الإسلامى المثير للجدل حازم صلاح أبو إسماعيل. ولكى ندرك "رمزية" هذه الخطوة، فإن جماعة الإخوان المسلمين لا تؤيد "أبو إسماعيل" باعتباره "متشددًا" إزاء ما تعتقده الجماعة بأنها ذات رسالة "معتدلة".. فيما يثير "أبو إسماعيل" أيضًا قلقًا كبيرًا داخل أوساط النخبة السلفية خاصة المرجعيات التى تملك حق اتخاذ القرارات السيادية الكبرى.. بسبب ما تقول إنه شخصية "صدامية" ويستخدم لغة "عدوانية" إزاء المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن.. فيما تظل "الشريعة" تتبوأ مركز ثقل حملة أبو إسماعيل الانتخابية، بل إن رصيده الشعبى المتنامى يرجع إلى حرصه على أن تكون الشريعة على رأس أولوياته وبرنامجه الانتخابى.. ومع ذلك لم تكترث "الكنيسة" المصرية بكل ما يعتبر "مخاوف" من مشروعه السياسى: لا "التشدد" بحسب الإخوان.. ولا "عنفه" بحسب "الصفوة" السلفية.. ولا "الشريعة" وفق أولوياته المدرجة على مدونته التعبوية.. إذ انخرط شباب القبط فى الدعاية له.. فيما حصل على توكيلات من عوام الأقباط.. ومن بعض القساوسة من بينهم أعضاء فى المجمع المقدس.. وشارك عدد كبير من القساوسة فى مؤتمره الجماهيرى بأسيوط وزاره آخرون منهم معلنين تأييدَهم له. على قناة "الجزيرة مباشر" قال القس فلوباتير جميل, راعى كنيسة العذراء بفيصل, نصًّا "إن الأقباط إذا قرروا أن ينتخبوا مرشحًا إسلاميًا، فالأوْلى بهم أن ينتخبوا حازم صلاح أبو إسماعيل". أنا هنا لا أسجل "جغرافيًا" التأييد للمرشح حازم صلاح أبو إسماعيل.. وإنما أسجل "إشارات" جديدة بكل حمولتها الرمزية والدالة على ما زعمته من تحوّلات وصفتها ب"العمق" فى المزاج الوطنى المصرى.. وكلها تحمل البشارة بأن "الطائفية" فى مصر ستتراجع بالتراكم وبالمران السياسى.. وأن بلدنا سيكون أجمل أفضل بكثير ببركة ثورة يناير العظيمة. [email protected]