مصر تسلم الجزيرتين للسعودية عبر بوابة «النواب».. مقابل استئناف المعونات والدعم النفطي جاءت موافقة مجلس الوزراء، الخميس الماضي، على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، بعد أيام من زيارة – غير معلنة - قام بها للقاهرة المستشار بالديوان الملكي السعودي تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ على رأس وفد سعودي رفيع المستوى لمصر. يأتي ذلك، بينما لا تزال قضية الجزيرتين، متداولة داخل أروقة المحاكم المصرية، لحين الفصل في صحتها قضائيًا، بعد أن أحدثت جدلاً واسعًا خلال الشهور الماضية. وجاءت موافقة الحكومة المصرية المتأخرة على اتفاقية ترسيم الحدود مع إحالته لمجلس النواب، فيما من المنتظر أن تحكم المحكمة الإدارية العليا(أعلى جهة للطعون الإدارية)، في طعن هيئة قضايا الدولة على حكم القضاء الإداري، ببطلان الاتفاقية في جلسة 16يناير المقبل. واعتبر معلقون أن إقرار الحكومة للاتفاقية يهدف إلى الالتفاف على حكم قضائي مرجّح برفض اتفاقية ترسيم الحدود واستمرار السيادة المصرية على جزيرتي "تيران" و"صنافير". وكشفت مصادر مطلعة عن أن الوفد السعودي أبدى خلال الجلسات والمباحثات السرية التي عقدها مع المسئولين المصريين على أن تسليم الجزر أولا، على أن يتم بعد ذلك البحث في تطبيع العلاقات، وما يتبعه من استئناف الدعم المالي، ومعه احتياجات مصر النفطية، وفق اتفاق الهيئة المصرية العامة للبترول مع شركة "أرامكو" السعودية، ولجم خطوات التقارب بين الرياض وأديس أبابا، بل والتدخل لدى الجانب الإثيوبي لإقناعه بالحفاظ على مصالح مصر المائية وحصتها المقررة طبقًا لاتفاق 1959. وأفادت المصادر أن "الوفد السعودي اشترط على مصر مقابل استئناف التطبيع والدعم الاقتصادي والنفطي، اتخاذ مواقف جادة واستراتيجية من الصراع في اليمن يتجاوز الدعم الشكلي ل "عاصفة الحزم"، وتبنى مواقف أكثر وضوحًا تجاه الأزمة السورية، بشكل يحقن دماء السوريين، مع التوقف عن تقديم كل أنواع الدعم لنظام بشار الأسد، ووقف كل إجراءات التقارب مع إيران التي تعتبرها الرياض العدو الأول لها بالمنطقة". وتنتظر الرياض موافقة جادة من القاهرة؛ على رأسها تسريع إجراءات تسليم الجزيرتين، وهو ما بدأته الحكومة المصرية عبر عدة خطوات، منها موافقة مجلس الوزراء على اتفاقية ترسيم الحدود ورفعها للبرلمان، ضاربة عرض الحائط بنظر الاتفاقية أمام القضاء، قبل أسبوعين من حسم الطعن المقدم من الحكومة حول بطلانها. وقالت هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا، قبل أسبوع، إنها "رفضت حيثيات طعنين مقدمين من الجهات الرسمية بينها الرئاسة على حكم صادر في يونيو الماضي يقر بمصرية الجزيرتين". وأوضحت الهيئة في تقريرها الاستشاري المقدم للمحكمة، أن "هيئة قضايا الدولة، لم تقدم أية أسانيد جديدة أو أدلة توحي للمحكمة بوقف تنفيذ الحكم الصادر". وقال معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن "الحكومة تريد الخروج من ورطتها، فضلاً عن أنها تريد تحسين العلاقات بينها وبين السعودية، لكن هذا لا ينبغي أن يتم على حساب الأراضي المصرية التي لا يعرف قيمتها النظام الحالي". وأضاف: "هناك حكم محكمة من مجلس الدولة واجب النفاذ طبقًا للدستور، وما تقوم به الحكومة من إرسالها اتفاقية تيران وصنافير إلى البرلمان، يخالف الدستور، ويعلن دولة الفوضى". وتابع: "المادة 94 من الدستور التي نصت على أن سيادة القانون هو أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء، كما أن استقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، وبهذا فيجب على الحكومة الالتزام بالنصوص الموجودة في القانون". وقال السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية الأسبق: "الحكومة والبرلمان يتورطان في مخالفة الدستور، في حال إقرارها لاتفاقية تيران وصنافير داخل المجلس"، موضحًا أن حكم مجلس الدولة واجب النفاذ، وعدم تنفيذ الحكم يعتبر خيانة للشعب. وأضاف يسري ل"المصريون": "السعودية لا ترى ما يدور من صراع بين السلطتين التنفيذية والقضائية حول نتيجة اتفاقية تيران وصنافير، لكنها ترى أن الحكم النهائي للقضية، هو موافقة النظام بجميع السلطات على أحقيتها في الجزيرتين، طبقًا للقانون الدولي". وقال الدكتور عاطف سعداوي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ب "الأهرام": "إعلان الحكومة المصرية موافقتها على اتفاق ترسيم الحدود ورفعه للبرلمان بالتزامن مع تعديل مشروع قانون تعديل السلطة القضائية يشير إلى أن هناك أمرًا يُدبّر في الخفاء لتسليم "تيران وصنافير" للسعودية، بغض النظر عن وجود نزاع قضائي وصل لمرحلة حاسمة". وأضاف: "هناك جهود مكثفة تبذل من أطراف إقليمية لتقريب وجهات النظر بين القاهرةوالرياض"، معتبرًا أن دخول مجلس النواب على خط الأزمة المثارة حول جزيرتي "تيران وصنافير" يشير إلى أن صفقة تسليم الجزر بين القاهرةوالرياض وتطبيع العلاقات بينهما صار مسألة وقت لا أكثر. ورأى أن زيارة المستشار بالديوان الملكي السعودي تركي بن عبدالمحسن، كانت حلقة في مسلسل مساعي التقارب بين البلدين وتعزز من سياسة النوافذ المفتوحة بين العاصمتين، مشيرًا إلى أن ترتيبات عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين ستأخذ منحى جادًا خلال المرحلة القادمة في إطار المساعي الإماراتية لتطبيع علاقات البلدين. وتوقع أن يؤدي تسليم "تيران وصنافير" للسعودية إلى تفكيك كثير من ملفات الخلاف بين البلدين، وستؤدي إلى حدوث اختراق بين البلدين حول الملفين السوري واليمني. وقال السفير عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية السابق، إن "مسألة تسليم الجزر للسعودية أصبحت مسألة وقت لا أكثر؛ لأن موافقة مجلس الوزراء على اتفاق الحدود البحرية يُؤكد أن قرار تسليم الجزيرتين قد اُتخذ وبقيت بعض التفاصيل البسيطة الجاري الانتهاء منها، وخاصة بالدعم الاقتصادي والنفطي". وأضاف: "القاهرة لم تعد قادرة على تحمل الإجراءات العقابية السعودية في ظل أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة والخوف من عدم تحمل البعض للإجراءات التقشفية التي أقرتها حكومة السيسي، لذا فلم يعد هناك خيار إلا رفع الراية البيضاء والاستجابة لمطالب الرياض".