التفجيرات الأخيرة أطلقت رصاصة الرحمة على مساعى المصالحة ووضعت مصر على خارطة العمليات الانتحارية الإخوان ألقت بكرة المصالحة فى ملعب النظام.. وصراع الأجهزة أطاح بها لأجل غير مسمى مخاوف من تكرار التفجيرات مع اقتراب 25يناير.. «داعش» يعوي من بعيد.. وانتقام المعارضة وارد بقوة اتهام الإخوان بالتورط في التفجيرات جاء ردًا على لقاءات جمعت مسئولين أمنيين بقيادات الجماعة برعاية سعودية
حين أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن منفذ تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، بعد أقل من 24 ساعة، تبنى تنظيم داعش العملية لاحقًا، مع اختلاف اسم المنفذ، إلا أن الطرفين رجحا قيام "انتحاري" بعملية التفجير. وبحسب المفكر والكاتب الصحفي فهمي هويدي، في مقال له، فإن تبنى رواية "الانتحاري"، يعني انضمام مصر لقائمة الدول التي تستهدفها تلك العمليات؛ حيث كان من المستقر منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى عام 2015، أن العمليات الانتحارية وقعت في 40 دولة لم تكن من بينها مصر. ثمة أسباب تقف خلف العملية النوعية، بحسب خبراء في الإسلام السياسي وأمنيين، أولها عودة الحديث عن المصالحة، ما يعني أن صراعًا بين أجنحة النظام تتحرك للقضاء على الفكرة من جذورها وتحميل الإخوان مسئولية الإرهاب، وثانيها وقوف انتحاريين بالفعل وراء العملية، وما عزا ذلك تبنى تنظيم داعش العملية، وثالثها، الدوافع النفسية والشخصية لأحد المعارضين الذي قد يكون قد تعرض للقمع والإذلال والتعذيب وكان محتجزًا في وقت سابق، وهو سيناريو يتلامس إلى حد بعيد مع رواية السيسي ووزارة الداخلية، بشأن تفجير الكنيسة. الذئاب تفترس المصالحة تزامن تفجير شارع الهرم، الجمعة قبل الماضية، والكنيسة البطرسية بالعباسية، بعدها بنحو 48 ساعة، مع أحاديث متفرقة تطالب بالمصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين، ونظام الرئيس عبدالفتاح السيسي. والمراقب للتفاعلات السياسية مع فكرة المصالحة بين النظام والجماعة، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي تنظيميًا للأخيرة، قبل ما يزيد على ثلاث سنوات، يرى بوضوح، تعطيلها بفعل فاعل في كل محاولات رأب الصدع السابقة. والشهر الماضي، ألقت جماعة الإخوان المسلمين، عبر نائب مرشد "الجماعة" إبراهيم منير، كرة المصالحة في ملعب النظام؛ حين أشار في أحاديث صحفية عدة إلى أن "الجماعة لا ترفض مصالحة مشروطة". غير أن ما شهده شارع الهرم، من انفجار أودى بحياة 6 شرطيين بينهم ضابطان، وإصابة 3 مجندين، وما تلاه من تفجير بالكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقصية بالعباسية، وما خلفه ذلك من سقوط نحو 25 قتيلاً وعشرات المصابين، قد يكون قد نسف فكرة المصالحة من أساسه. إلا أن الخبير في شئون الحركات الإسلامية، كمال حبيب، استبعد وجود علاقة بين فكرة المصالحة بين النظام والإخوان، وانفجاري الهرم والبطرسية. وفي حديثه ل"المصريون"، قال "حبيب"، إن "فكرة المصالحة فكرة مبالغ فيها في الوقت الراهن، ولم تنضج بعد"، مشددًا: "إن لم تكن ميتة بالأساس". وأوضح الخبير في الشئون الإسلامية، أنه "لا توجد أسباب تدفع لمصالحة بين النظام والجماعة حاليًا، لأن الجماعة منقسمة على ذاتها، وبداخلها تيار يؤيد مواجهة الدولة، كما أن التيار المتبني للمصالحة داخل النظام يتميز بالضعف". ومتطرقًا إلى انفجار الهرم، الذي وصفه "حبيب" بأنه "كبير"، ومستبعدًا أن يكون بفعل قنبلة بدائية الصنع، كما ذكرت مصادر أمنية في تصريحات صحفية متطابقة. وحول دوافع التفجير، قال حبيب: "إذا سلمنا أن المتورطين إخوان، فإنهم إذًا تيار داخل الجماعة، لا تعنيه المصالحة ولا يريدها، هو فقط يرى في الداخلية سببًا في قتل المعارضين واعتقالهم". ومشيرًا إلى تغلغل التيار السلفي الجهادي في مصر، اعتبر حبيب أن محافظة الجيزة، من البؤر النشطة بالنسبة للتيارات السلفية الجهادية، التي تحاول ولاية سيناء (المبايع لتنظيم داعش) أن يكون له موطئ قدم بها حيث البؤر السكانية الكبيرة. غير أنه في أكثر من مناسبة خرجت بيانات رسمية من جماعة الإخوان المسلمين، تتبرأ من العنف وتشدد على أن مسارها في معارضة النظام "السلمية". وتوقع حبيب أن تشهد مصر مزيدًا من العمليات الإرهابية، قبيل 25 يناير المقبل، الذكرى السادسة للثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، بعد بقائه 30 عامًا على رأس السلطة. ويشير حبيب إلى أنه "عادة ما تستغل الجماعات المتطرفة المظاهرات والتجمعات المرتقبة للمعارضة، حتى لو كانت بدون تنسيق؛ لتوظيفها لصالح عمليات العنف، كرسالة تدل على ضعف النظام، وتواجد المعارضة بزخم". وخلال الأيام الماضية، راجت سلعة المصالحة، عبر وسطاء إقليميين وحكماء محليين، خصوصًا مع التصريحات المثيرة للجدل والتي أدلى بها إبراهيم منير، نائب المرشد العام، والمقيم في لندن. ومؤخرًا، قال منير، في تصريحات وبيانات صحفية متكررة، إن "الجماعة جادة في إمكانية قبول مصالحة عن طريق حكماء، ومستعدة لسماع كل وجهات النظر، لإتمام مصالحة، لا تستبعد مرسي". ووفق مصادر إخوانية مطلعة، تحدثت معها "المصريون"، التقى قياديون بالجماعة، قبل أيام، مع مسئولين بجهاز سيادي، برعاية المملكة السعودية، في الرياض؛ للبحث عن تسوية تَخرج البلاد من عنق الزجاجة، المحشورة فيه منذ أحداث الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي تنظيميًا للإخوان، منتصف 2013. ونقلت مواقع إعلامية محسوبة على "الحرس القديم" بالإخوان، والذي يمثله جناح القائم بأعمال المرشد محمود عزت، عن مصادر إخوانية، قولها إن "الجماعة تلقت اتصالات من قبل شخصيات قريبة من النظام، وأخرى من داخله، لمحاولة البحث عن رؤية ما لإنهاء الأزمة بشكل أو بآخر، أو على الأقل، الوصول إلى تهدئة بين مختلف الأطراف". وحول تفاصيل تلك الاتصالات، ذكرت المصادر أنها "جرت مع قيادات إخوانية بارزة داخل مصر، وكذلك مع بعض القيادات الكبيرة خارج البلاد، كاشفةً عن اتصالات قامت بها شخصيات عسكرية سابقة وحالية في هذا الصدد". عمارة يعقوبيان ربما ليس هناك ما هو أبلغ من دور طه، الشاب الذي نفذ عملية اغتيال قيادي أمني كبير بعد أن عذبه بالسجن، في الفيلم الشهير "عمارة يعقوبيان"، للتعبير عن سيناريو الانتقام من النظام بالعمليات الانتحارية. وبالرجوع لرواية السيسي ووزارة الداخلية حول اتهام شاب يدعى محمود شفيق، بتنفيذ العملية الانتحارية في الكنيسة البطرسية، تشير محاميته السابقة ياسمين حسام الدين، إلى تعرضه للتعذيب. وقالت في تصريحات صحفية، إن "محمود ألقي القبض عليه أثناء ذهابه للمدرسة في 2014، واتهم بحمل سلاح والتظاهر، واحتجز لمدة عام في سجن الفيوم، بالرغم من أنه كان لا يزال حدثًا (تحت سن 18 عامًا)، وتعرض للتعذيب والتضييق النفسي". وأشارت إلى قرار إخلاء سبيله بعد ذلك بعام، لعدم وجود سلاح أو مصابين، لكن المحكمة عادت لتحكم عليه بالسجن لعامين للتظاهر، وقد حاولت ياسمين إقناعه بالاستئناف، لكنه رفض، ثم اختفى هو وأسرته. ورواية المحامية، قد تفسر لجوء المتهم محمود شفيق إلى العنف، إذا صحت رواية النظام، على إثر ما قد يكون اعتبره "ظلمًا" بحقه، كآلاف غيره يقبعون خلف القطبان من الإطاحة بمرسي في يوليو 2013. وفي تفسيره لذلك السيناريو، يقول محمود قطري، الخبير الأمني، إن تفجير البطرسية يعد نقلة نوعية في العمليات الإرهابية، مشيرًا إلى أنها المرة الأولى التي يتم التفجير فيها بحزام ناسف وسط تجمع بشري في مدينة القاهرة؛ مما ينذر بدخول مصر مرحلة خطيرة يروح ضحيتها الآلاف من الأبرياء. وفي حديثه ل"المصريون"، أضاف الخبير الأمني أن "عمليات التفجير الأخيرة جزء كبير منها يعود للمعاملة السيئة داخل السجون، وسيطرة روح الانتقام من أفراد الشرطة". دوافع أخرى، يرصدها قطري، لتزايد عمليات التفجير مؤخرًا، أبرزها "اعتقاد الجماعات الإسلامية بقتل وتعذيب إخوانهم المعتقلين داخل السجون، ما يجعل شباب تلك الجماعات ينتقم لما يحدث لإخوانهم في السجون بتفجير أنفسهم". وطالب قطري، الأمن، بضرورة الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والسماح للجمعيات الحقوقية بالزيارات المفاجئة للسجون وتفتيشها لنقل الصورة الحقيقة للشعب المصري. وفي السياق ذاته، حذَّر سامح عيد، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، من دخول مصر في مرحلة خطيرة من الإرهاب بعد العملية الانتحارية التي استهدفت الكنيسة البطرسية، خاصة أنها وسعت دائرة المستهدفين لتضم المواطنين الأبرياء وفي منطقة حيوية وبطريقة جديدة على الشعب المصري. وأضاف عيد ل"المصريون"، أن مسئولية التفجيرات تقع على عاتق الجميع "الأجهزة الأمنية ومروجي الفتاوى المتشددة". وشدد على أن "انتهاكات الداخلية في السجون من أقوى أسباب العمليات الانتحارية في مصر، وبخاصة أن مفجر الكاتدرائية تعرض لهتك عرضه في عام 2014، بحسب بعض الروايات مما يجعل المعتقلين بعد خروجهم من السجون يسعون للانتقام من النظام". وتوقع عيد تزايد، العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة في القاهرةوالجيزة لتشتيت التركيز الأمني وصرفه عن منطقة سيناء وخاصة بعد الجهود المكثفة لقوات الجيش في سيناء في الفترة الأخيرة. القديسين في المشهد شكك مراقبون في رواية النظام حول مسئولية، شاب في مقتبل العمر بتفجير تجمع كنسي، وربطوا بين وقعة البطرسية وتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية قبل نحو ست سنوات. وفتش المهتمون بالحادث، في أرشيفات الصحف، (المحسوبة على النظام حاليًا)، التي أكدت تورط وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، في تفجير كنيسة القديسين، ما دفع البعض إلى اقتراح تورط النظام الحالي، أو بعض أجهزته في حادث الكنيسة البطرسية. هذه الرواية تتلامس معها تشديد الرئيس السيسي على ضرورة عدم تحميل أجهزة الأمن مسئولية التقصير، بالتزامن مع حملة إعلامية وصحفية تذهب للاتجاه ذاته. ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، في الإشارة إلى المكاسب العائدة على النظام، من وراء التفجير. الكاتب الصحفي حسام هندي، أشار في مقال له، إلى أن "السيسي طلب من البرلمان باستصدار قوانين تعطي للقضاء صلاحيات إنفاذ الأحكام مباشرة؛ لإنهاء قضايا تتعلق بالإرهاب، وعلى ما يبدو كان البرلمان المصري ملكيًا أكثر من الملك، أو كما يقول المثل، فاقترح بعض أعضائه جمع توقيعات لتقديم مشروع قانون؛ يقضي بإحالة قضايا الإرهاب للقضاء العسكري". ويرى هندي، أن "النظام كسب من التفجير، في عودة التفاف الأقباط حوله، بعد مواقف دفعت كثيرًا منهم إلى معارضة النظام، من بينها قانون بناء وترميم الكنائس، الذي قابله الأقباط برفض كبير، ثم مع أزمة مقتل القبطي مجدي مكين، على يد ضابط شرطة، داخل أحد المقار الأمنية". غير أن هندي عاد وشكك في تلك الفرضية، قائلاً: "حال صحة فرضيات تورط النظام، أو بعض أجهزته في ذلك الحادث، فهل نجح به في لم شمل الأقباط حوله، خاصة أن الهتافات عقب الحادث كانت موجهة ضد السيسي والنظام "ارحل"، فضلاً عن الاعتداءات التي طالت أشهر الإعلاميين المؤيدين له". ذئاب داعش مساء الثلاثاء، تبنى تنظيم "داعش" الإرهابي، المسؤولية عن تفجير الكنيسة البطرسية الملحقة بمجمع كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس، بحسب وكالة أعماق المحسوبة على التنظيم المتطرف. وقال التنظيم في بيانه إنه "بتوفيق الله ومنه انطلق الأخ الاستشهادي أبوعبدالله نحو معبد النصارى بمجمع الكاتدرائية في حي العباسية وسط القاهرة حيث توسط جموع الصليبيين وفجر حزامه الناسف موقعًا منهم نحو 80 بين هالك وجريح". وأضاف البيان: "فليعلم كل كافر ومرتد في مصر وفي كل مكان أن حربنا على الشرك مستمرة، وأن دولة الخلافة ماضية في إراقة دمائهم وشوي أبدانهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله". ويأتي بيان داعش متبنيًا، هجومًا هو الأول من نوعه الذي يشهده المقر الرئيسي والأكبر للأقباط الأرثوذكس، والذين يمثلون العدد الأكبر من المسيحيين في مصر حوالي 15 مليون نسمة، من إجمالي عدد السكان البالغ 92 مليون نسمة.