باغتت الثورة الجميع ولاشك، من قامت لهم، ومن قامت عليهم، بل ومن قاموا بها. ومن أكثر من باغتتهم الثورة تيارنا السلفى، وبسبب حجم المباغتة، ثم ما تلاها من تفاصيل وأحداث شديدة التعقيد، وبالغة السرعة، وبسبب تلاحق الأحداث بشكل مذهل، بسبب كل هذا، وبسبب التركيبة السلفية فإن التيار السلفى منذ الثورة وإلى الآن لم يتمكن من الوقوف لالتقاط الأنفاس والقيام بالمراجعات التاريخية اللازمة لإعادة صياغة خطابه وطرحه وبناء الآليات اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد، وتقييم المرحلة السابقة تقييماً موضوعياً ودقيقاً ومتجرداً لمعرفة مواضع الخلل وإعادة بناء منظومة متماسكة قادرة على أن تقدم له النموذج والحلول والبدائل بأكبر قدر ممكن من السرعة والدقة اللازمة والمتناسبة مع طبيعة ما ينتظر هذا التيار من لحظات تاريخية لا تحتمل الخطأ ولا الارتجال ولا الفهلوة، وكذلك لا تجدى فيها المراوغة مهما كان ذكاؤك وحلاوة لسانك ومهما كانت ضحكة بكار ولا حضوره. أتوقف اليوم مع ما أسميه بإستراتيجية المراوغة وهى الإستراتيجية التى أزعم أن التيار السلفى يتبناها مضطراً منذ تم تسليط الضوء عليه خاصة بعد واقعة غزوة الصناديق وغيرها والتى اكتشف بعدها التيار السلفى أن قوانين السياسة والعمل تحت الأضواء تختلف عن الدرس والخطبة وشريط الكاسيت، وآن الحقيقة المجردة، وجعل ما فى القلب على اللسان قد يكلف التيار ثمناً باهظاً وأنه مادام ارتضى أن يدخل فى مستنقع السياسة فلابد أن يتلطخ بوحلها، ولأن السلفيين لا يستطيعون الكذب - على الأقل هذا ظنى - حتى لو كان جائزا فى بعض ظروفهم، لكن ضبطهم متلبسين يعنى نهاية سريعة ومؤلمة، لذا لم يكن هناك مفرًا من المراوغة والتعريض، لكن المشكلة أن المراوغة تحتاج إلى نظام تواصل صارم، ويحتاج إلى دهاة وحواة، ولكن أهم ما تحتاجه إستراتيجية المراوغة هو آلية وخبرة وقراءة جيدة للتاريخ وللخصوم وللواقع وخبرة سياسية قائمة على القراءة والتجربة. بالطبع ليس لدى السلفيين حظ كبير من هذا، فوجدت التصريح وخلافه، والتصريح وعكسه، قتلى الكرة ليسوا شهداء، بل شهداء قول واحد، أعضاء برلمانيون من الحزب يهنئون بكرى ثم استهجان من المتحدث باسم الحزب لهذا، برلمانى عن الحزب يتكلم عن تعليم اللغة الأجنبية ثم استهجان داخلى من تصريحاته، أحد المتحدثين يذهب لمنزل السفير الإيرانى والحزب يستنكر بعض أعضاء الحزب يبايع إسماعيل دون انتظار لقرار الحزب كلام عن الجزية وكلام مضاد وهكذا. المراوغة ليست حراماً وإن كانت عيباً، خاصة أن ضبطت متلبساً وخصوصاً منك يا عم الشيخ، المراوغة قد تكون من قبيل الحيلة الشرعية خصوصاً ونحن فى حالة حرب. لكن المراوغة لها أصول وضوابط وشروط والاعتماد فيها فقط على متحدث رسمى بشوش وخلوق ولسانه حلو سيؤدى فى النهاية إلى كارثة. الإخوان يراوغون بامتياز لكن الفارق أنهم يعرفون ماذا يريدون، أما أن تراوغ خصمك دون أن تكون تعرف الخطوة التالية. المراوغة هدفها كسب الوقت، الإخوان يعرفون مايراوغون لأجله، أما نحن فنراوغ لأننا ما فى حوزتنا من حلول وما عندنا من إجابات لا نستطيع أن نواجه بها العالم الخارجى ولا يمكن أن نخالفها لأنها مانعتقد أنه دين. فى النهاية سيكون هناك أوقات لإجابات محددة لا مجال فيها للمراوغة ولا التعريض، ولو لم تكن تعرف ما تريد، ولو لم تكن لديك آلية شرعية للرخص والعزائم وموازين المصالح والمفاسد وتعريف الواقع وتوصيفه، لو لم يكن لديك هذه الآلية، فلن يكن أمامك سوى أن تكذب أو غزوة صناديق جديدة. مأزق حقيقى يواجهه السلفيون فى مصر، إننا نراوغ فى انتظار معجزة.