كرم الإسلام المرأة وأعلى من شأنها بعدما تعرضت لانتكاسات فى الحضارات والأمم الأخرى، وعندما جاء الإسلام كانت المرأة تتعرض للوأد، وقد أثبت القرآن هذا "فإذا الموؤدة سئلت بأى ذنب قتلت"، وعلى مر التاريخ ساهمت المرأة المسلمة مع الرجل فى صنع الأمجاد، شاركت فى الفتوحات، وأسست المجتمعات التى اقتربت من المثالية، وساندت الرجل فى كل مراحل الدعوة والجهاد والنضال، مثل زوجات النبى الذين نقلوا عنه ديننا وعلى رأسهم السيدة عائشة فقد كان لها دور كما للسيدة خديجة التى ساندت الدعوة الإسلامية فى مراحلها الأولى عندما تعرض النبى لمضايقات من قومه . ثم رأينا المرأة المسلمة تحمى الديار فى مؤخرة المسلمين وفاقت شجاعتها شجاعة الفرسان، بل شارك كثير من النسوة فى المعارك الحربية، ورأيناها تتلقى علوم الإسلام لتعلمه للنساء والرجال على السواء، وعندما نقرأ فى سير العلماء كابن تيمية، وابن كثير، والذهبى، وابن حجر، والسيوطى، سنجد فى معاجم شيوخهم الكثير من النساء. وفى مصر البلد الإسلامى الذى كان منطلقاً لانتشار الإسلام فى المغرب العربى، نجحت المرأة الإسلامية فى أن تكون ظلاً لزوجها، الذى كان يغيب بالشهور مشاركاً فى الدعوة والفتوحات، فكانت المرأة تقوم بدورين الأبوة والأمومة، ونجحت فى هذا كثيراً، وذلك لأنها كانت تتخذ المنهج الإسلامى هادياً ونبراساً، ومازالت تقوم على هذا المنهج حتى مطلع العصر الحديث، وضعف دورها بعد ذلك لتفشى الآراء الضيقة على واقع المسلمين الحضارى والفكرى، وانتقص من دورها المنغلقين وضيقى الأفق، ومكثت المرأة فى بيتها خشية الفتنة، ومنعت من التعليم وانقطعت صلتها بالعالم الخارجى ... صحيح أن المرأة فى الريف ظلت مع هذا تشارك بقوة مع زوجها فى المعيشة وتربية الأولاد، وقد حاول كثير من المصلحين ان يصححوا العديد من هذه الأفكار مثل رفاعة الطهطاوى الذى ألف كتابه الحجة "المرشد الأمين" وصحح فيه العديد من الأفكار، وعندما زار الغرب لم ينخدع بما رأه ورجع ليشنع على ديننا الحنيف كما فعل غيره بعد ذلك، ولكن للحصانة التى تعلمها فى الأزهر الشريف من علوم الإسلام ساعدته فى الوقاية من الانحراف هناك، بل أصلّ لمدنية الغرب مما عندنا فى تعاليم الإسلام، وعندما عمل على ترجمة أفكارهم المهمة والإساسية لرقينا وتقدمنا، ثم جاء من بعده ثلة من المصلحين غرتهم الأفكار الأوربية، وعملوا على الانتقاص من قدر الإسلام، بل أن بعضهم اتهم الإسلام صراحة بأنه دين يجافى المدنية والحضارة، ووصلت المفارقة مداها بأن قام فريق من هؤلاء بحرق الحجاب فى ميدان الإسماعيلية، أثناء ثورة 1919، وكأن الانجليز هم الذين فرضوا الحجاب وأرادوا التخلص منه نكاية فى الانجليز، ومن عجب أن يتم تسمية ميدان الإسماعيلية منذ هذا التاريخ ب(ميدان التحرير)، لتحرر المرأة من الحجاب.
ثم ظهر فى عصرنا هذا بمن يؤصل لظاهرة التحرش الجنسى إلى ارتداء المرأة للحجاب ومنهم أيضاً وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى الذى اعتبر الحجاب أساس كل بلاء، ومع هذا وجدنا نماذج ايجابية بعيدا عن سفراء الغرب، ومنهم الدكتورة سميرة موسى، التلميذة الوفية للدكتور على مصطفى مشرفة الذى كان يعتز كثيراً بالحضارة الإسلامية، وشارك فى بعث العديد من كتب التراث منها كتاب "الجبر والمقابلة" للخوارزمى، وتعلمت منه الكثير وذهبت فى بعثة للحصول على الدكتوراه فى علوم الذرة، وضربت المثل فى التقدم وحازت الإعجاب كله، وحاول الإمريكان بشتى الطرق إغرائها لكى تظل هناك، ورفضت هذا العرض المغرى، الذى قبله الكثيرون فى عصور لاحقة، وكانت النهاية المأساوية فى طريق عودتها إلى القاهرة، وهناك نماذج عصامية مثل نموذج الدكتورة بنت الشاطىء عائشة عبدالرحمن التى عملت المستحيل لكى تتعلم وتلتحق بالجامعة وهى التى حفظت القرآن وفسرته وكشفت عن الإعجاز البيانى له، ونالت التقدير فى الشرق والغرب بما تركته من آثار فى العلوم الإسلامية والعربية وفنون الأدب.
وهناك نماذج أخرى تنحت فى الصخر فى ريفنا العظيم وفى مصانع الغزل والصناعات الأخرى، وفى قطاعات العمل المختلفة، فتيات تتكفل بالانفاق على ذويهم، وتتحمل فى ذلك الصعاب والأهوال، وتحافظ على نفسها ... صحيح أن الحكومة فى الماضى كانت تتركهم للمجهول ولا تعتنى بهم على الإطلاق، لأن المجالس القومية للمرأة كانت لا تعدهم من النسوة بل كانت تعدهم من سقط المتاع، فى حين كانت تهتم برواد نواد الشمس، والروتارى، والليونز، والمطلوب فى مصر بعد الثورة أن تهتم الحكومة بالعناصر المهمشة ووتتكفل بهم فى مجالات الصحة والثقافة والرعاية المتكاملة...