رغبة الحكومة فى تمرير قانون الإعلام دفعتها للتصعيد مع الصحفيين "قلاش" يتزعم اتجاهًا للتهدئة وتغليب التسوية حفاظًا على النقابة مخاوف من قانون إعلام موحد يجهز على الحريات ومكاسب الصحفيين مطالب بالعفو الرئاسى.. وصحفيون يهاجمون النظام: نعيش عصر الاستبداد وقلاش يرفض المزايدات
"قضية حبس نقيب الصحفيين جنائية، وليست قضية رأي"، تصريحات للرئيس عبدالفتاح السيسى، أثارت غضب مراقبين وصحفيين، شككوا فيها. ومطلع الأسبوع الماضي، فى حكم هو الأول فى تاريخ الصحفيين، قضت محكمة الجنح، بالحبس عامين، وكفالة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ، لحين النظر فى الطعن بحق كل من النقيب يحيى قلاش، وزميليه خالد البلشي، وجمال عبد الرحيم، عضوى مجلس النقابة بتهمة "إيواء هاربين اثنين من العدالة" فى مبنى النقابة. وخلال مقابلته الثلاثاء الماضي، مع قناة برتغالية رسمية، قال السيسي، فى رده على سؤال حول الصحافة والحكم بحبس النقيب إن "قضية نقيب الصحفيين مرتبطة بقضية جنائية وهى إخفاء مشتبه بهم ومخالفة القانون، ولا يحاكم على أنه صحفى فى قضية رأي، وهو أمر مهم يجب معرفته، لا يُحاسب إنسان فى مصر على رأيه".
دوافع النظام وردًا على تصريحات السيسي، قال البلشي، عضو مجلس النقابة، وأحد الثلاثة الصادر بحقهم حكم بالحبس: "لا توجد حرية للإعلام فى عهده (الرئيس)، أوضاع الصحفيين فى أسوأ مرحلة مرت بها على مر التاريخ، بسبب التضييق على حرية الصحافة والمناخ الذى يمارس فيه الصحفيون عملهم". وأكد البلشي، فى حديثه ل"المصريون"، أن "اعتزام الحكومة والبرلمان خلال الأيام القليلة المقبلة إقرار القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام، هو السبب والدافع الأول للحكم". ومشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد، معنى بتشكيل هيئات إعلامية وصحفية وتنظيم حقوق وواجبات الصحفيين والإعلاميين، دخل حيز المناقشات بقوة عقب إعلان الحكومة منتصف مايو الماضي، الموافقة عليه مبدئياً لعرضه على البرلمان. وأبرز ملامح مشروع القانون، الذى يتضمن ما يقرب من 230 مادة، تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، سيتم بواقع ما بين 13 و15 عضوًا لكل منها بناء على اختيار عدد من الجهات بينها رئاسة الجمهورية والبرلمان والكوادر الأكاديمية، ونقابة الصحفيين ومجلس الدولة.
ألغام القانون ويرى مراقبون أن "مشروع القانون كله ألغام للسلطة، خاصة أن الصحفيين والإعلاميين سيرفضون أى تقييد ضدهم أو مساس بحرياتهم أو حتى تأخير تمرير القانون". ويرى "البلشى" وكيل النقابة، ورئيس لجنة الحريات، أن السبب الثانى – بوجهة نظره – فى صدور حكم الحبس، يتمثل فى دور النقابة فى الدفاع عن القضايا الهامة ومنها موقفها من اتفاقية ترسيم الحدود، والتى تلزم مصر بتسليم جزيرتى تيران وصنافير للسعودية. أما عن السبب الثالث، قال وكيل نقابة الصحفيين إن الحكم يأتى ل"إلهاء النقابة عن القضايا الأساسية للصحفيين، ومنها أوضاع الصحفيين بشكل عام والقرارات الاقتصادية الأخيرة وتأثيرها على الصحفيين وقانون الصحافة الموحد وتقييد حرية الصحافة والصحفيين والوضع غير المرضى للإعلام".
سابقة تاريخية واتفق مع البلشي، جمال عبد الرحيم، سكرتير عام النقابة وواحد من ثلاثة صدر ضدهم قرار بالحبس، معتبرًا أن "الحكم هو الأسوأ فى تاريخ نقابة الصحفيين". وقال عبدالرحيم ل "المصريون، أن "الحكم موجه للصحفيين بشكل خاص ولجميع المواطنين بشكل عام؛ لتقييد حرية الصحافة والإعلام". وشدد عبدالرحيم أن "الحكم سياسى وليس جنائي؛ لكسر شوكة الصحفيين"، معتبرًا أن من قتل شهداء ثورة يناير لم تصدر ضده أحكام بهذه القسوة". ومتحديًا النظام، أبدى عبدالرحيم، استعداده للحبس"دفاعًا عن الحريات"، متهكمًا "كان من المفترض أن يكون وزير الداخلية الحالي، متهمًا فى واقعه اقتحام النقابة، إلا أنه تحول إلى مجنى عليه وتحول الصحفيين إلى متهمين".
طعن على الحكم وسلك مجلس الصحفيين، الطريق القانونى فى مواجهة الأزمة، عبر اتخاذ الطعن على الحكم أمام محكمة الاستئناف بعد سداد الكفالة المالية المقرر بحسب الحكم وهو ما يعنى أن النقابة ابتعدت عن التصعيد أو تحدى النظام بتنفيذ الحكم. يأتى هذا فى الوقت الذى تبنى نقيب الصحفيين موقفًا وصف بالمرونة، حينما رفض إقحام الرئيس قائلاً: "لا أريد إقحام الرئيس فى هذه الأزمة"، مستنكرًا اتهامه بجريمة لم تقع منه، مشيرًا إلى أن "المعلومات التى تصل للرئيس عبد الفتاح السيسى بشأن قضية إيواء متهمين بالنقابة منذ بدايتها غير حقيقية". وطالب "قلاش"، بإنهاء الأزمة، لأن الدولة "تضررت على المستويين الدولى والمحلى فى مجال حرية الإعلام". وفى ذات الصدد، قال الكاتب محمد عبد القدوس عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، فى تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر": "توقعت مقدمًا إدانة النقيب ورفاقه لأن نقابة الصحفيين فى عهد الاستبداد أصبحت مستباحة كما لم يحدث من قبل، والعديد من الصحفيين وراء الشمس". تجاوب المئات من الصحفيين، رافضين لهجة قلاش المهادنة وهو ما ظهر بقوة من خلال الكلمة الساخنة التى ألقاها الصحفى محمد عبدا لعليم داود وكيل مجلس الشعب السابق، حيث تحدث عن ضرورة التصعيد لاسيما أن تصريح الرئيس فى البرتغال عن الطابع الجنائى للاتهام لم يترك فرصة للتسوية. وأردف دواد، التصعيد هو السبيل الوحيد للحفاظ على النقابة وحريات الصحفيين، بل وسار إلى آخر الشوط متهمًا النظام الحالى بالعمل على تدمير مؤسسات الدولة ومنها النقابة، مدافعًا بشدة عن ثورة 25يناير بالقول: لولا الثورة لأقسم الرئيس السيسى اليمين الدستورية محافظًا لبنى سويف وهو الأمر الذى استقبله قلاش بنوع من عدم الارتياح، رافضًا أى مزايدة على صموده ومجلس النقابة دفاعًا عن الصحفيين.
المسار القانوني وبدوره أكد الكاتب الصحفى عماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق، أن وزارة الداخلية أخطأت خطأ فادحًا باقتحام نقابة الصحفيين، خصوصًا أنه كان يمكن معالجة الأزمة بطرق أخرى. وطالب "حسين" فى مقال له، مجلس نقابة الصحفيين بألا يزيد الأمور تعقيدًا ويتعامل مع الأمر بحكمة بالغة، وألا يكرر الخطأ الذى وقعت فيه الجمعية العمومية غير الرسمية التى اشترطت 18 مطلبًا منها اعتذار الرئيس فى مايو الماضي. وشدد على ضرورة اتباع المسار القانونى أى استئناف الحكم بالإضافة إلى استمرار النضال السياسى فى الدفاع عن حريات الصحافة والصحفيين بكل السبل القانونية المتاحة، مع اقتراب صدور قانون الإعلام. وعبر عن تمنيه أن تبادر وزارة الداخلية بتقديم بادرة حسن نية إلى الصحفيين، وأن يصدر رئيس الجمهورية أمرًا بالعفو عن الزملاء الثلاثة، فى إطار القانون. وقال إن "حكم حبس الصحفيين كان بمثابة كرسى فى الكلوب بعد حالة الترحيب والفرح بقرار العفو الرئاسى الأخير". وجاء حكم حبس نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة، على خلفية اتهامهم بإيواء مطلوبين أمنيًا، فى إشارة إلى الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، واللذين كانا اعتصما فى النقابة اعتراضًا على اقتحام الأمن لمنزلهما، على خلفية تظاهرهما اعتراضًا على تسليم جزيرتى "تيران وصنافير" إلى السعودية. وعقب الحكم، نظم العشرات من الصحفيين، وقفة احتجاجية اعتراضًا عليه، فضلاً عن عقد مجلس نقابة الصحفيين اجتماعًا طارئًا قرر فيه اتخاذ الإجراءات القانونية كافة للطعن على الحكم أمام محكمة الاستئناف، بالإضافة إلى عقد جمعية عمومية طارئة الأربعاء الماضي.