أبرز ملحوظة تؤخذ على التيار الإسلامى أنه متهيب من الموقف الذى وجد نفسه فيه يقدم خطوة ويؤخر أخرى، فيما يتعرض لحملات قاسية تتهمه بالعجز أحيانًا والديكتاتورية أحيانًا، وتتصيد الأخطاء الشخصية وترميه بها. سألت مسئولاً بارزًا فى حزب إسلامى كبير عن رؤيتهم للأوضاع فرد بلغة تشاؤمية بأنها لا تبشر بخير ثم أردف "إنها صعبة للغاية". الإسلاميون فى الواقع لم يحكموا مصر حتى الآن مع أنهم أغلبية البرلمان بغرفتيه – الشعب والشورى – ومع ذلك لا ترحمهم صحافة القاهرة ومحطاتها التليفزيونية، وبدأت تلاحقهم باتهامات الفساد، ثم أشبعت رغبتها بقصة البلكيمى. هذه الحملات ضربات استباقية لمنعهم من التفكير فى قيادة البلد أو تأليف الحكومة، ومن ثم يجد التيار الإسلامى نفسه فى موقف لا يحسد عليه، ويستنزف جهده ووقته فى الدفاع عن نفسه وتقديم الاعتذارات. طوال 60 عامًا من تاريخ العهد الجمهورى لم يفكر صحفى واحد فى اقتفاء أثر الطريق المؤدى إلى منزل مسئول كبير، ولو فعلها لعلق على باب زويلة. لكن الصحافة اقتفت أثر الدكتور سعد الكتاتنى إلى منزله الكائن فى أكتوبر لمجرد أن تصور بكاميراتها عملية تجديد رصف الطريق المؤدى إليه، ولما اعترض الحراس اقترابها من المنزل لتصويره أيضًا ملأت الدنيا ضجيجًا بكاءً على الشفافية والحريات. وما إن غير سيارته وركب أخرى حتى أطلقت حملة السيارة الجديدة الفارهة التى خصصتها له الدولة الجائعة المنهكة المريضة التى لا تجد لشعبها البوتاجاز ولا الخبز ومهددة بتوقف الأفران المنتجة له بسبب نقص الكيروسين. يتم الحكم على تجربة الإسلاميين وهم ما زالوا على البر. اعتبروهم وريث الحزب الوطنى ومن سلالة نظام مبارك مع أن معظم الأغلبية البرلمانية عاشت عمرها فى سجونه ومعتقلاته. عملية الإنهاك تلك حققت نتائجها، فقادة الحزبين الإسلاميين الرئيسيين تحولوا من ممارسة السياسة إلى ممارسة الاعتذار. حقًا الاعتذار عن الخطأ فضيلة، كما كتبت أمس، لكن هكذا يراد لهم على الدوام لينتهى الأمر بالشعب إلى طلاقهم بالثلاثة. لاحظ كيف تسخر الرسوم الكاريكاتيرية ومواقع التواصل الاجتماعى من الاعتذارات التى يقدمها نادر بكار بالجملة، وأطلق عليه أحد الكتاب لقب "المعتذر الرسمى"، فقد أصبح خروجه للاعتذار عادة تتكرر كل عدة أيام. قيل إنه اعتذر 6 مرات خلال 40 يومًا عن سلوك نواب حزب النور فى مجلس الشعب، غير اعتذاراته عن أعضاء الحزب وعن عبد المنعم الشحات.. ومن أطرف الاعتذارات التى أحصيت لبكار، ذلك الذى كان بسبب قبلات وأحضان نواب حزبه للنائب المستقل مصطفى بكرى! عندما يتحول الإسلاميون الذين يتصدرون المشهد السياسى إلى معتذرين، فذلك لا يفسر على الدوام بالفضيلة والشفافية والاعتراف بالخطأ، ولكن ضعفًا ورعشة وخوفا وافتقادا للخبرة والرؤية. الإسلاميون المعتذرون يؤجلون قرارهم بشأن المرشح الرئاسى الذى سيدعمونه، ليس لإبقاء الأمر سرًا، ولكن خوفًا من استهدافهم بحملات جديدة، كالحملة التى بدأت بعد الجلسة المشتركة لمجلسى الشعب والشورى بخصوص معايير لجنة الدستور. اعتذر نادر بكار عن قيام بعض نواب "النور" بتأييد الشيخ حازم أبو إسماعيل.. وهذا اعتذار يمثل قمة الخوف والارتعاش، فلا يوجد سبب يدعو إليه ولا تفسير له سوى ذلك. بدورى "اعتذر" لنادر بكار لتكرار اسمه فى هذا المقال، فأنا لا استهدفه وما ركزت عليه إلا لكونه إمام "المعتذرين"!.. [email protected]