أنقرة على خطى الدوحة.. الحليف العثماني يعمق جراح الجماعة.. وخبير يتوقع انتكاسة لإعلام التنظيم.. وبريطانيا البديل المنتظر منذ ارتباطها بدعم كلي غير محدود، من دولتي تركياوقطر، وتواجه جماعة الإخوان المسلمين، أزمة دولية خانقة، على إثر التحالفات والسياسات والمصالح الدولية والإقليمية المتناقضة. وتأتي أزمة الدعم الدولي للإخوان، متزامنة مع أزمة داخلية أكثر حدّة، تمر بها، والتي ظهرت للعلن بوضوح في شهر مايو من العام الماضي، وذلك على خلفية تباين وجهات النظر بشأن مسار مواجهة النظام في مصر، وشرعية القيادة في الظرف الجديد.
احتفاء مصري صورة متداولة نشرها مسئول دبلوماسي مصري، مؤخرًا، جمعت بين وزيري خارجية مصر وتركيا، كشفت خفايا اللقاءات التي تجريها القاهرةوأنقرة على مدار الشهور الماضية، لتقريب وجهات النظر بين البلدين، ووضعت الجماعة في بؤرة التخوفات المجهولة من تراجع الدعم التركي لها. ففي 17 سبتمبر الجاري، نشر أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية، صورة عبر حسابه على موقع "تويتر"، جمعت وزيري خارجية تركيا بن علي يلدريم، ونظيره المصري سامح شكري، واقفين جنبًا إلى جنب في قمة عدم الانحياز الأخيرة بفنزويلا. وقال أبو زيد في تغريدة رافقت الصورة، آنذاك، إنها للقاء بين وزيري خارجية مصر وتركيا على هامش قمة عدم الانحياز بفنزويلا، مضيفًا أن "اللقاء عكس رغبة في تجاوز الخلافات مع مصر". تقارير إعلامية محلية ودولية، ذهبت إلى أن الوزيرين المصري والتركي، تصافحا لأول مرة بعد قطيعة طويلة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013، على خلفية ما تعتبره أنقرة "انقلابًا" على "الشرعية"، غير أن الصورة أظهرت أنهما يتحدثان دون تصافح.
يلدريم وصفر مشاكل وعلى خلاف التصريحات المتناقضة لرئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، بشأن العلاقة التركية المصرية، أكد وزير الخارجية الحالي بن علي يلديريم، مؤخراً أنَّ "حكومته تتبع سياسة الإكثار من الأصدقاء وتقليل الأعداء"، وذلك في سياستها الخارجية؛ في مسعى منها لتحسين العلاقات مع كثير من الدول. وقال يلديريم في بداية سبتمبر الماضي: "طبَّعنا علاقاتنا مع روسيا وإسرائيل، وإن شاء الله تركيا دخلت في حملة جديدة من أجل تطبيع علاقاتها مع دول أخرى، من بينها مصر وسوريا والعراق". ورغم أن لغة النظام المصري، تجاه تركيا، اعتمدت في تصريحاته على الانفتاح وعودة العلاقات بين البلدين، إلا أن التصريحات كانت "مشروطة" بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر. وعزز رغبة البلدين في الانفتاح وعودة المياه لمجاريها، تغير لغة الخطاب الإعلامي في البلدين، حيث بات واضحًا للعلن، المواد الإعلامية المتداولة من كلا البلدين بتخفيف حدة الهجوم والتصعيد الإعلامي بينهما، واستعراض تاريخ العلاقات والتعاون المثمر مع تبني مواد خبرية وتحليلية ذات نظرة إيجابية. وشهدت العلاقات المصرية التركية، توترًا ملحوظًا منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق "محمد مرسي" من الحكم في 3 يوليو 2013، بلغ قمته في 24 نوفمبر 2013، عندما اتخذت مصر قرارًا باعتبار السفير التركي "شخصًا غير مرغوب فيه"، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى القائم بالأعمال، وردت أنقرة بالمثل. تضييق محدود القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، خالد الزعفراني استبعد تضييقًا تركيًا على جماعات الإسلام السياسي المتواجدة في تركيا، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، في ضوء إشارات التقارب بين القاهرةوأنقرة. وقال الزعفراني في تصريحات خاصة ل"المصريون"، إن "الإخوان منذ فترة كبيرة، وقبل أن تتخذ السلطات القطرية قرارًا بالتضييق على الإخوان، وهي تعلم أن مقراتها في تركياوقطر، مقرات مؤقتة". وأشار إلى التواجد الأساسي للأفراد التابعين للجماعة في دول جنوب شرق آسيا، بينما تمثل بريطانيا الحاضنة الأكبر للجماعة، والعاصمة الإخوانية الأبرز في أوروبا. وأضاف أن العلاقة بين بريطانيا وجماعة الإخوان المسلمين، علاقة استراتيجية، بخلاف العلاقة بينها وبين دول مثل تركياوقطر، موضحًا أن الأنظمة البريطانية تعمل على استراتيجية التقارب مع جماعات الإسلام السياسي منذ الثورة العربية الكبرى. والثورة العربية الكبرى أطلقها الشريف الحسين، مؤسس المملكة الهاشمية الحجازية في 1916 ضد العثمانيين لاستقلال الحجاز، وذلك بدعم من بريطانيا. واستبعد الزعفراني، قيام تركيا بالتضييق على قيادات الإخوان المتواجدين على أراضيها، في حال تطبيع علاقاتها مع مصر، مشيرًا إلى أن التضييق سيكون في حدود النوافذ الإعلامية التي تمتلكها الجماعة هناك. وفي دراسة، للباحث الفلسطيني المهتم بالشأن التركي، سعيد الحاج، عن العلاقات المصرية التركية، فإن عدة عوامل تدفع باتجاه تقارب تركي مصري، في مقدمتها عدم قدرة البلدين وخصوصًا تركيا تجاهل بعضهما البعض إلى الأبد، فضلاً عن الاتجاه العام في تركيا لمراجعة وإعادة توجيه دفة السياسة الخارجية، إضافة إلى الاعتراف الإقليمي والدولي بنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقال الحاج، في دراسة نشرها "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية"، في أبريل الماضي، إن "المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين ومنها ما يتعدى الشراكة لأطراف ثالثة مثل اتفاقية الملاحة البحرية، والرغبة السعودية بتقريب الطرفين، والمهددات المشتركة التي تواجه البلدين في المنطقة، والاستقرار النسبي للنظام في مصر بسبب ضعف المعارضة وشبه انعدام البدائل الجاهزة، تدفع نحو ذلك التقارب". التحالفات الدولية معقدة ومع التقارب التركي المصري المنتظر، يظهر الإخوان، "ضحية" لعلاقات إقليمية أكثر تناقضًا، خاصة اشتباك وتعارض تلك العلاقات داخل المحور التركي السعودي الإيراني. فبينما تحاول كيانات بالجماعة، الحفاظ على شعرة معاوية، في علاقة الإخوان بالمملكة السعودية، عبر بيانات دعم التحرك السعودي في حربه ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، ومواجهاتها المسلحة مع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، ترى كيانات إخوانية أخرى أن السعودي هي العدو الأكبر بجانب الإمارات لها ولثورة 25 يناير 2011. وظهر ذلك التناقض أيضًا بشكل واضح خلال زيارة الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، الأخيرة، للقاهرة، والتي تبعها بزيارة لتركيا، تمثلت في البيانات التي صدرت مرحبة بالزيارة وأخرى تنتقدها. وإذ تعد قطر، الحاضن الأبرز لقيادات الجماعة، بدا للعلن الخط الذي سارت عليه فضائية الجزيرة القطرية، خلال تغطيتها لمظاهرات الجماعة، حيث أظهرت القناة موقفًا يتعارض مع سياستها التي انتهجتها لما يزيد على 3 سنوات لمظاهرات الإخوان. وقبل عامين، أعلن رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، تشكيل لجنة لمراجعة نشاط الإخوان، في المملكة المتحدة، والتي انتهت في منتصف ديسمبر الماضي، خلاصتها إلى أن بعض "قطاعات الإخوان على علاقة مشبوهة بالتطرف والعنف"، سواء من حيث الاتفاق الأيديولوجي أو كون الجماعة "معبرًا" للعناصر التي تلتحق بالإرهاب. تلا ذلك الإعلان البريطاني، موافقة اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي (إحدى غرفتي الكونغرس)، في فبراير الماضي، على إحالة مسودة مشروع قانون يعتبر جماعة الإخوان المسلمين بمختلف تنظيماتها منظمة "إرهابية". وبحسب مسودة القانون، آنذاك، التي وافقت عليها اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي، فإنه في حالة إقرار هذا المشروع "يمنع أي أمريكي أو مقيم على أراضٍ أمريكية من التعامل مع أي شخص أو جهة على علاقة بتنظيم الإخوان في أي بقعة من العالم، ويمنع أي مواطن أجنبي على صلة بالتنظيم من دخول الأراضي الأمريكية"، بالإضافة إلى "حظر أية ممتلكات أو أموال في حوزة مؤسسات مالية أمريكية تخص الجماعة". غير أن الموافقة النيابية عارضتها تصريحات "آن باترسون"، مساعدة وزير الأمريكي والسفيرة السابقة في القاهرة بأن "موقف الإدارة الأمريكية من جماعة الإخوان المسلمين هو أنها ليست منظمة إرهابية".