(5) عزل الرئيس أحد الأدوات الدستورية في مختلف بلدان العالم، والأسباب تتنوع، فالرئيس سواء كان منتخبا، أو متسلطا، قابل للعزل وللمحاكمة، والعزل للحاكم قائم في الممالك الوراثية أيضا، والدساتير تنص على الأسباب والإجراءات، كما توازن بين حق السلطة التشريعية في عزل الرئيس، وبين حق السلطة التنفيذية في حل السلطة التشريعية، فلا تمنح حقا مطلقا لسلطة على حساب سلطة أخرى، إنما تجعل كل سلطة تفكر طويلا قبل أن تُقدم على أي خطوة إجرائية مؤثرة تجاه السلطة الأخرى لخطورة هذا الأمر على استقرار النظام السياسي والبلاد. وتظهر درجة نزاهة وشفافية توظيف الأدوات الدستورية عند التطبيق في البلدان ذات التراث الديمقراطي العريق، بينما يكون التنفيذ مشوبا بالأغراض والأهواء وفقدان النزاهة والشفافية، وربما تتدخل حسابات خارجية، في الأنظمة السلطوية، أو التي تدعي الديمقراطية. الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي قام في 7 نوفمبر عام 1987، وكان رئيسا للوزراء آنذاك، بعزل الرئيس الحبيب بورقيبة بموجب تقرير طبي بأنه عاجز عن أداء مهامه في الحكم، وبن علي نفسه هو من جلس مكان بورقيبة رئيسا حتى أسقطته الثورة في 14 يناير 2011، وبالتالي يكون الغرض الشخصي، قد اختلط مع المصلحة العامة، بافتراض أن بورقيبة كان عاجزا بالفعل عن الحكم. وصدام حسين نائب الرئيس العراقي أحمد حسن البكر أجبره على تقديم الاستقالة في 16 يوليو 1979، قبل يوم واحد من ذكرى انقلاب البكر وصدام عام 1968 على حكم الرئيس عبدالرحمن عارف، بدعوى أن حزب البعث شكل فريقا طبيا ووجد أن البكر مصاب بمرض باركنسون، وأنه غير قادر على الحكم، وقد جلس صدام مكانه حتى احتلال أمريكا للعراق في 9 إبريل 2003، ثم أُعدم صدام في 30 ديسمبر 2006 بعد نحو ربع قرن من الحكم العبثي الذي انتهى باحتلال العراق وتدميره، ومن جاؤوا بعده لم يتعلموا شيئا من أخطائه، فهم طائفيون وثأريون وأسوأ منه. وفي أمريكا اضطر الرئيس ريتشارد نيكسون للاستقالة في 8 أغسطس 1974 كحل أخير ينجو به من عزل الكونجرس له على إثر فضيحة ووترجيت الشهيرة، وكان أول رئيس يستقيل في تاريخ أمريكا، وكاد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون يتعرض للعزل أيضا من جانب الكونجرس على إثر فضيحة مونيكا لوينسكي عام 1998بعد أن أقاله مجلس النواب، ثم برأه مجلس الشيوخ من التهم الموجهة إليه في 12 فبراير 1999. (6) في حالة ديلما روسيف رئيسة البرازيل فإن إيقاف مجلس النواب لها عن الحكم في إبريل الماضي، ثم محاكمة مجلس الشيوخ لها وعزلها من الرئاسة يوم 31 أغسطس الماضي، هى إجراءات تمت بأدوات دستورية صحيحة شكلا، وهى في الجوهر إطاحة منظمة ومنسقة ومخططة جيدا، فقد تشكل تحالف سياسي وفر كتلة برلمانية كافية في مجلس النواب لاتهامها وإيقافها عن الحكم، ثم في مجلس الشيوخ تم تأييد الاتهامات وعزلها، وتوفرت للمحاكمة البرلمانية الأسباب الوجيهة دستوريا التي تقوم عليها، وأبرزها التلاعب في الموازنة العامة لإخفاء العجز فيها، وهذا أحد الأسباب التي ينص عليها الدستور لإخضاع الرئيس في البرازيل للمحاسبة والعزل. المادة 51 في صلاحيات مجلس النواب بالدستور البرازيلي تتضمن أنه - أي مجلس النواب - يتمتع بسلطة حصرية في " تفويض بأغلبية ثلثي أعضائه لتوجيه اتهامات قانونية ضد رئيس الجمهورية ونائب الرئيس ووزراء الحكومة الاتحادية". والمادة 52 في صلاحيات مجلس الشيوخ تمنحه سلطة حصرية في" محاكمة رئيس الجمهورية ونائب الرئيس على مخالفات تستوجب العزل من المنصب". والمادة 85 من الدستور تعدد أفعال رئيس الجمهورية التي تشكل محاولات اعتداء على الدستور الاتحادي والتي تستوجب عزله وهى 7 ومنها الفعل الأساسي لاتهام وعزل روسيف وهو الاعتداء على قانون الموازنة، أي التدخل فيها بإخفاء العجز. روسيف وصفت ما جرى بأنه انقلاب مدني على الشرعية من تحالف يميني ضدها وضد حكم اليسار، وبالفعل هناك تحالف واسع تشكل ضدها، وكان أغلبه من أحزاب اليمين المحافظ، ويمين الوسط، لكن كان ضمنه أحزاب اشتراكية أيضا، والضربة الأشد جاءتها من نائبها ميشيل تامر الذي يقود حزب الحركة الديمقراطية، ويحوز أكبر كتلة برلمانية، وهو نائب لها منذ فترتها الرئاسية الأولى التي بدأت مطلع يناير 2011، وبين حزبه وحزبها تحالف برلماني وحكومي، وبعد إيقافها عن الحكم في إبريل حل محلها رئيسا مؤقتا، ثم بعد عزلها صار رئيسا حتى الانتخابات المقبلة في 2018، وقد عرف هذا السياسي والمحامي الصامت كيف ينتقم من روسيف التي أهملته وتجاهلته ولم تكن تحسب له أي حساب في الحكم حتى بات بلا دور، مثل كومبارس، والقرارات المهمة لم يكن يدري بها، أو يطلع عليها. جانب من شخصية روسيف هو القسوة والشدة في التعامل مع الوزراء والمسؤولين في حكومتها، كانت لا تتورع أن تهاجم أو توبخ أي مسؤول علنا، كان أستاذها دا سليفا أكثر كياسة منها في التعامل وفي الإدارة السياسية للحكم فلم يكن يساريا منغلقا على أيدلوجيته، إنما كان منفتحا على اليمين بأفكاره ورؤاه الاقتصادية أيضا. (7) نذهب إلى مصر ونرى ملمحا مشابها بين مرسي وروسيف، فالإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي مطلع نوفمبر 2012، وأثار ضجة هائلة، وكان هدية منحها مجانا لمعارضة مشتتة ضعيفة شكلية، وقد استفادت منها في الاصطفاف ضده تحت عنوان أن مرسي الذي جاء بالديمقراطية يريد أن يكون مستبدا جديدا، هذا الإعلان لم يطّلع عليه نائبه المستشار محمود مكي، وهو أعلن ذلك بنفسه، وكانت إدارة مرسي للحكم في عامها الوحيد منغلقة ويشوبها الغموض لذلك تململ مساعدوه ومستشاروه علاوة على نائبه، ومنهم من استقال بعد أن وجد نفسه بلا عمل ولا دور، وكانت القرارات تصدر ثم ترتد عليه فساهمت في إضعاف صورته كرئيس، ومنها قرار إعادة البرلمان، وقرار إقالة النائب العام، وقرار الإعلان الدستوري. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.