حال النظام الإيراني ازاء ازمة الاكراد الايرانيون , كحال الذي يريد حجب الشمس بالمنخال. الأزمة الكردية في ايران عمرها طويل جدا فكانت هناك جمهورية كردية عرفت باسم " جمهورية مهاباد " اسقطها النظام الشاه البهلوي سنة1946بمساندة امريكا وهي أول جمهورية لأكراد المنطقة وقد تم إعدام رئيس تلك الجمهورية " القاضي أحمد" بعد عام من انسحاب الروس من غرب إيران. منذ ذلك الحين لم يتوقف اكراد ايران عن المطالبة بحق تقرير مصيرهم. فأكراد إيران كانوا الملهمين لأكراد العراق ومن ثم أكراد تركية وسوريا في النضال من أجل نيل اعتراف الدول التي يعيشون تحت سيادتها بحقوقهم القومية. لقد كان الزعيم الكردي الراحل "ملا مصطفى البارزاني " وزيرا للدفاع في جمهورية " مهاباد " وكان حزبه الديمقراطية الكردستاني الذي يقوده اليوم نجله رئيس اقليم كردستان العراق السيد " مسعود البارزاني" ولد من رحم "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" الذي كان أول حزب كردي في المنطقة و الذي كان قد تحالف مع الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية وأقام جمهورية مهاباد الكردية. بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه والتي ساهم فيها الاكراد بقوة . طالب الاكراد من الخميني الايفاء بوعوده التي قطها لهم والتي وعدهم فيها الإعتراف بحقوقهم القومية في إطار الحكم الذاتي ولكن الخميني ضرب تلك الوعود بعرض الحائط مما دفع الاكراد إلى القيام بانتفاضة شعبية مسلحة اخمدها نظام الملالي بوحشية فائقة .اضطر الاكراد بعدها الانسحاب الى المناطق الكردية داخل العراق فقدمت لهم بغداد الدعم من خلال الايواء و التسليح ولكن تحالف الحزبين الكرديين العراقيين, الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني , والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني , مع النظام الايراني أبان الحرب بين العراقوايران, شكل حجر عثرة في وجه الحركة الكردية الايرانية مما اجبرها على الانقسام وتوقف عملياتها المسلحة في وجه النظام الايراني . لقد استطاعا كل من جلال الطالباني , الذي اخذ في جانبه" منظمة كومله اليسارية " , ومسعود البارزاني الذي اخذ في حضنه " الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني " من التأثير على الحركة الكردية الايرانية وإجبارها على التفاوض مع النظام الايراني . لم يكن نظام الخميني جادا في تلك المفاوضات فقد ارادها فرصة لتصفية القيادة السياسية الكردية الايرانية على غرار ما فعل من قبل في تصفية القيادة الدينية الكردية حيث كان قد اعدام واغتال العديد من الشخصيات الاسلامية الكردية كان من ابرزها المفكر الاسلامي ناصر سبحاني و الشيخ احمد مفتي زادة والشيخ احمد ربيعي وآخرين . كان المرشد الايراني الحالي " علي خامنئي" رئيسا للجمهورية الايرانية في تموز عام 1989 حين تم اغتيال زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني الدكتور" عبدالرحمن قاسملو مع اثنين من رفاقه في العاصمة النمساوية على يد المخابرات الايرانية اثناء جلسة الحوار التي كانت تجري بين الطرفين بوساطة من جلال الطالباني الامر الذي ادى الى وقف المفاوضات التي وصفت بالفاشلة. و في 17 من سبتمبر عام 1992 قامت المخابرات الايرانية في عهد رئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني للجمهورية الايرانية بتنفيذ عملية اغتيال لخليفة قاسملو " صادق شرفكندي " مع ثلاثة من مساعديه في مطعم بمدينة برلين بألمانيا مما دفع الاكراد الى فقد الثقة بالمفاوضات والتوقف عن استمرارها نهائيا. شكل الاكراد تحالفا مع منظمة " مجاهدي خلق " المعارضة لنظام الخميني بعد ان اعلنت عن وعدها بالاعتراف بالحكم الذاتي للأكراد بعد اسقاط النظام الايراني , من جانبه سعى النظام الى اضعاف الحركة الكردية من خلال احداث الانشقاقات في صفوفها و بعد ان تمكن من احداث ذلك سعى في كسب " جماعة الدعوة و الاصلاح " التي تعد جناح تنظيم اخوان المسلمين الى جانبه وقد نجح في ذلك ايضا وأصبحت الجماعة حليفا له في مواجهة الحركة الثورية الكردية . طوال عقدين ونيف من الزمن بقيت الحركة الكردية الايرانية تمارس نشاطها السياسي من مقراتها الكائنة في مدينة السليمانية ,الواقعة تحت نفوذ جلال الطالباني , ومن مدينة اربيل , الخاضعة لسلطة مسعود البارزاني , في شمال العراق . لقد نشط الاكراد خلال العقدين الاخرين في اوروبا و امريكا وكونوا علاقات وطيدة مع القوى والأحزاب والمنظمات السياسية والبرلمانية و الحقوقية وأسسوا مع تنظيمات وجماعات من باقي القوميات غير الفارسية في ايران مجلسا مشتركا للمطالبة بالفدرالية للمناطق القوميات الخاضعة للدولة الايرانية . غير أن تغّير الظروف السياسية الاقليمية والدولية لاسيما بعد اعلان قيادة اقليم كردستان العراق بزعامة الرئيس" مسعود البارزاني" نيته اعلان الاستفتاء على الانفصال عن الدولة العراقية التي اصبحت عمليا مفككة طائفيا وقوميا, اعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني بزعامة " مصطفى هجري" مؤخرا عن عودته للكفاح المسلح ضد النظام الايراني لتحقيق الفدرالية للأكراد في اقليم كردستان الايراني.وعقب الاعلان عن ذلك القرار تصاعدت المواجهات المسلحة بين الاكراد والنظام الايراني مما اسفر عن مقتل وجرح العديد من عناصر الجيش والحرس الثوري الايراني الامر الذي دفع ايران الى الرد بقصف المناطق المدنية في شمال العراق والتي يعتقد النظام الايراني ان خصومه الاكراد يتخذون منها مقرات لهم موقعا فيها قتلى وجرحى من المدنيين الابرياء. وللهروب من هذه الازمة المتجددة راح النظام الايراني للبحث عن شماعة يعلق عليها ازمته مع الاكراد فلم يجد غير المملكة العربية السعودية ليعلق ليحملها مسؤولية تجدد ازمته مع الاكراد. ومن هنا اخذ القادة الايرانيون بكيل التهم للرياض للتعويض عن فشلهم في حل الازمة الكردية من جهة, وإشعال المزيد من نار الصراعات السياسية والطائفية مع السعودية من جهة اخرى. ان النظام الايراني يعلم جيدا ان مواقع ومقرات الاكراد الايرانيين تقع في السليمانية و اربيل وليس في الرياض , ويعلم ان الازمة الكردية عمرها يناهز القرن من الزمن وليست وليدة اليوم ‘ ويعلم جيدا ان السياسة السعودية لا تقوم على استغلال الاقليات الاثنية في المنطقة ولو كانت تريد استغلال مثل هذه الاوراق لفعلت ذلك واستغلت الورقة الاحوازية التي هي اقرب للسعودية جغرافيا وقوميا وكذلك لاستغلت ورقة البلوش ايضا . من هنا يعتقد المراقبون ان تغطية النظام الايراني على الازمة الكردية بمنخال الاتهامات التي يوجهها للمملكة العربية السعودية لن تنهي الازمة ولن تضر السعودية ولكنها سوف تزيد من اشتعال النيران في المنطقة . وعلى الباغي تدور الدوائر د. صباح الموسوي الأحوازي رئيس المؤسسة الأحوازية للثقافة والإعلام