اقتصاديون: ثورة جياع قادمة لو استمر الوضع الاقتصادي الحالي سياسيون: الحكومة تتحمل سوء الأوضاع الاقتصادية وعليها مراعاة محدودي الدخل
تعيش مصر خلال المرحلة الحالية، أزمة اقتصادية كبيرة، ويظهر ذلك في الارتفاع الكبير للأسعار مع زيادة سعر الدولار في السوق المصرفي، ما جعل الحكومة تعلن عن تطبيقها برنامجًا إصلاحيًا لعلاج الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر، بحسب قولها, فيما تضمن البرنامج الإصلاحي المتوافق مع شروط صندوق النقد الدولي الذي وضعها كضمانة لحصول مصر على قرض بنحو 12 مليار دولار لعلاج أزمة نقص العملة وتحسين الخلل المالي، ويتضمن برنامج الحكومة الإصلاحي تقليل الإنفاق الحكومي على المواطنين ورفع قيمة الخدمات الأساسية الحكومية من الكهرباء والمياه والغاز ووسائل المواصلات وفرض مزيد من الضرائب بموجب قانون القيمة المضافة وتسريح جزء كبير من العمالة الحكومية بموجب قانون الخدمة المدنية وتخفيض قيمة العملة المرتقب، مما سيؤدي بحسب خبراء إلى أزمة اقتصادية واجتماعية طاحنة لن يستطيع المواطن البسيط تحملها.
وأكد خبراء الاقتصاد أن الضغوط الاجتماعية التي ستفرضها هذه الإجراءات التقشفية القاسية ستدفع المواطنين للتعبير عن غضبهم بصورة غير متوقعة، لكونها سترفع نسبة الفقر في المجتمع وتحمل جميع الطبقات أعباء كبيرة في ظل الأزمات التي يواجهونها؛ بسبب سوء إدارة الحكومة لموارد الدولة، مما يعني في النهاية أن المواطن البسيط هو الذي سيتحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي التي شرعت الحكومة في تطبيقها منذ أيام قليلة. وفي إطار ذلك تستعرض "المصريون" الآثار التي ستترتب على فاتورة الإصلاح الاقتصادي للحكومة والتي سيدفع ثمنها المواطن المصري البسيط في النهاية. حسانين: الإجراءات التقشفية ستضاعف أعباء المواطنين في البداية، يقول الدكتور عز الدين حسانين، الخبير الاقتصادي، إن شروع الحكومة في تطبيق خريطة الإصلاح الاقتصادي التي وضعتها لتخفيف حدة الأزمات الاقتصادية، بسبب نقص الموارد وضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي بحد زعمها، ووفق ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي والتي ستشمل إجراءات تقشفية قاسية، سيكون لها آثار سلبية على الموطن المصري البسيط في الأساس؛ لأنها سيترتب عليها زيادة في أسعار الخدمات والرسوم وإضافة ضرائب جديدة عبر قانون القيمة المضافة. وأضاف حسانين أن الحكومة قامت بفرض جباية إضافية على المواطن عبر تحصيل علاج القضاة ورسوم تحسين أحوال الشرطة وغيره من طرق الجباية التي تعود بنا إلى عهد المماليك، هذا بخلاف ارتفاع الأسعار لكل السلع؛ بسبب سوء إدارة السياسة المالية والنقدية؛ فالمواطن المصري التعيس بسبب حكومته غير الرشيدة، هو وحده مَن سيتحمل عبء كل هذه الإصلاحات ويحاسب الآن، كما لو أنه كان سببًا في تدهور أوضاع الدولة، لكن المسئولية الحقيقية مرتبطة بالحكومات السابقة والحالية في إدارة شئون البلاد واستمرارها في طحن المواطن؛ فالبرنامج التقشفي سيكون له آثار مدمرة وسيكون الأصعب على مصر. «عبدالعزيز»: الإجراءات الإصلاحية خداع لتسكين غضب الشعب.. والآثار كارثية من جانبه، قال الدكتور علي عبدالعزيز، الخبير الاقتصادي وأستاذ إدارة الأعمال بجامعة الأزهر، إن البرنامج الذي تتحدث عنه الحكومة لعمل إجراءات تصحيحية لا يعني تصحيحًا بالمعنى الحقيقي للإصلاح؛ لأن إجراءاته عبارة عن شروط لصندوق النقد الدولي للحصول على القرض المقدر بنحو 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، وبالتالي حديث النظام عن الإصلاح يعتبر خداعًا استراتيجيًا لتسكين الشعب المغلوب على أمره. وأضاف عبدالعزيز أن أثر تطبيق شروط صندوق النقد والبنك الدوليين سيكون كارثيًا؛ لأنه سيضاعف قيمة الضرائب المفروضة على المواطنين بمختلف شرائحهم في ظل ارتفاع نسبة التضخم، وانخفاض مستوى الدخول، واتجاه الحكومة لخفض الإنفاق، وزيادة تكلفة الخدمات، وغيرها من الإجراءات القاسية. وأوضح عبدالعزيز أن الأثر المتوقع من هذه الإجراءات القاسية يتعلق بمحورين أولهما زيادة تحصيل الإيرادات من المواطن، والثاني تخفيض الإنفاق على استحقاقات المواطن، وفى حالة مصر التي يعاني فيها الشعب من الفقر المدقع الذي تسبب فيه نظام مبارك بشكل مباشر وزادت أسبابه مع وصول السيسى للحكم؛ بسبب الإسراف في الإنفاق على الإجراءات الأمنية واختلال التوازن في الموازنة العامة، فالنتائج لن تكون إلا اضطرابات وعصيانًا مدنيًا بدأت تظهر بوادرها باحتجاجات على رفع الأسعار في بعض المحافظات، في ظل معاناة أكثر من 75% من الشعب من انخفاض قيمة الجنيه، وبالتالي مع زيادة أسعار فواتير الكهرباء والمياه والغاز والوقود وتقليل المرتبات سيكون رد الفعل غير متوقع أمنيًا، وستدفع باقي مؤسسات النظام لحماية نفسها قبل خروج الأوضاع عن السيطرة. وأشار عبدالعزيز إلى أن النظام لا يجد مَن يردعه من طباعة مستمرة للجنيه بدون غطاء في نفس الوقت الذي يحدث فيه اضطراب سياسي داخلي أدى لشبه توقف السياحة ونقص الصادرات ونقص التحويلات وارتفعت نسبة البطالة والعدد المقدر لمن فقدوا عملهم خلال عامين لنحو 200 ألف عامل. طه: محدودو الدخل والطبقة المتوسطة الأكثر تأثرا بالبرنامج الإصلاحي للحكومة في المقابل، اعتبر الدكتور سيد طه، أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة المنوفية، مشروع الإصلاح الاقتصادي للحكومة ما هو إلا مشروع واتفاق مبدئي على عدد من السياسات، موضحًا بأن البرنامج ما يحويه من مناقشة عجز الموازنة وميزان المدفوعات وخصخصة شركات القطاع العام وطرحها للبورصة بين مستثمرين أجانب ومستثمرين محللين في حين أنه لا يحوى الاهتمام بالقطاعات المؤثرة في اقتصاد مصر. وشدد طه على ضرورة التوازن بين القطاعين العام والخاص بما يخدم الوطن اقتصاديًا، لافتًا إلى أن رفع الأسعار سيضر بمحدودي الدخل في مصر. السيد: السيسى سيتحمل التكلفة السياسية لتدهور الأحوال الاقتصادية ويشير الدكتور محمد السيد، أمين الشئون السياسية بالحزب العربي الناصري، إلى أن ما يقوم به النظام الحاكم هو استمرار لسياسات مبارك الفاشلة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، محذرًا من خطورة هذه السياسات في الفترة القادمة على مستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى. وأوضح السيد أن اتجاه الحكومة إلى تحميل عبء ما يسمى ب"الإصلاح الاقتصادي" لفقراء الشعب يعتبر ردة، وثورة مضادة لما قام به الشعب في 25يناير، واستمرار للارتباط بسياسة رجال الأعمال الذين باتوا يحكمون البلاد بدعوى آليات السوق والرأسمالية، والتي أصبحت الدولة تمضى بها دون مراعاة أي دور لها تجاه مواطنيها الذين هم بالأساس دافعي الضرائب، في الوقت الذي يتهرب فيه رجال الأعمال من دفع الضرائب بل ويشاركون الفقير في "الدعم" من خلال الكهرباء والغاز والمياه والتي تنوى الدولة رفعه عن الفقراء، لصالح هؤلاء الذين لا يبالون بالاقتصاد الوطني ومستقبله. وأشار السيد إلى أن حديث الرئيس عن القوات المسلحة باعتبارها الحل الرئيسي لكل مشكلات البلاد من توفير السلع إلى رصف الطرق والكباري يدعو إلى تساؤل هام وهو "ما دور الحكومة الحالية بوزاراتها في حل مشكلات البلاد؟"، مشددًا على أن الجيش ليس من وظيفته توفير السلع للمواطن إنما حماية أمن وحدود البلاد. وعن الاستدانة من صندوق النقد الدولي، قال السيد إن ذلك الأمر يمثل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد في الوقت الذي بلغ حجم الدين الداخلي 2تريليون و400 مليار جنيه، أما الدين الخارجي 60 مليار دولار، مما يعقد الأمور الراهنة، والتي يتم توزيع الموازنة العامة للدولة بها على فائدة الدين فقط والذي يصل إلى ما يعادل 1/3 الموازنة، مؤكدًا أن الشروط التي يضعها الصندوق لن تصب في مصلحة المواطن أو الاقتصاد؛ لأنها في النهاية تنفذ سياسات الرأسمالية التي تقودها الولاياتالمتحدة والتي تعنى في المقام الأول بمصالحها وربط دول العالم بها اقتصاديًا حتى تضع قيودًا عليه تمكنها من فرض سياستها. وحذر السيد السيسى مما أسماه "بركان سياسي قادم" قد يطيح به؛ لأن مَن يرددون عبارة "الأمن مقابل ارتفاع الأسعار، ويذكروهم بمصير بعض الدول القريبة مثل ليبيا وسوريا" يستدعى أن ينتبهوا أنه في حال لم يجد المواطن قوت يومه فهذا موت أيضًا، لافتًا إلى أن البلاد اقتربت مما يسمى "الفقر الانتحاري"، وهو الذي شهدته البلاد في أواخر عهد مبارك، والذي نمضى نحوه خلال الفترة القادمة في تجاهل واضح من جانب الرئاسة للتحذيرات من جميع القوى السياسية التي تطالبه بوضع محدودي الدخل في أولوياته، ليس من خلال الخطب بل من خلال الإجراءات التي تتخذها حكومته والتي بها انحياز واضح للأغنياء دون مراعاة أي عدالة اجتماعية، حيث إن الفاتورة السياسية التي ستُحمل في النهاية هى للرئيس كما تحملها مبارك في الماضي. كمال: الحكومة الحالية أثبتت فشلاً كبيرًا في إدارة البلاد من منحنى آخر، قال الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الأوضاع الاقتصادية لأي بلد تنعكس بالضرورة على الوضع السياسي، وبالقياس على هذه المعادلة البسيطة، نجد أن ما حدث فى مصر فى 25يناير هو نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وسوء توزيع الثروات، فعلى الرغم من أن معدل النمو كان مرتفعًا إلا أن توزيع هذه الأموال كان يمثل المشكلة الكبرى لنظام مبارك. ولفت كمال إلى أن الحكومة الحالية أثبتت فشلاً كبيرًا في إدارة الأزمة الاقتصادية؛ لأنها في النهاية لم تراعِ البعد الاجتماعي في قراراتها، فكانت تأتى بقرارات يتحملها مباشرة المواطن الفقير، والذي لم يعد لديه القدرة على تحمل أي أعباء جديدة في ظل دخل محدود، وحتى إن زاد لا يتناسب مع الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية، مؤكدًا أن القرارات التي تتخذها الحكومة تجعل المواطن يسخط عليها، على الرغم من قدرة المصريين على التحمل إلا أن الضغط الزائد عليهم قد يخرج في صورة سلبية. وطالب أستاذ العلوم السياسية الحكومة والرئيس بمراعاة محدودي الدخل والتعلم من التجارب السابقة، حتى لا تفيق البلاد على كارثة، في الوقت الذي كانت أوضاع البلاد بدأت تتحسن، من خلال الاستقرار في الشارع المصري، والذي بات مهددًا بمثل هذه القرارات التي تتخذها الحكومة، والتي سببت ضجرًا بين المواطنين تم ملاحظته في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي.