علي إحدي القنوات الفضائية، صرح أحد السادة الوزراء بأن الوزراء بالعموم "فقراء"-ونسي أن يردف كلامه بمساكين أيضاً-لأن مجمل ما يتقاضوه من مستحقات حوالي إحدي وثلاثون ألف جنيه لا غير. أكيد مستوي الفقر الذي يتحث عنه السيد الوزير غير الذي نعرفه، أي أن الفقر "نسبي" من وجهة نظر سيادته مثل الجمال الذي يمكن للجميع تقييمه حسب رؤيته وذوقه. شيء من إثنين أما السيد الوزير يعيش عيشة أصحاب المنتجعات والكمبوندات ومعزول تماماً عن الفقراء الحقيقيين والذين لا يتعدي دخلهم الشهري ألفا جنيها أو أقل أو المعدمين بدون عمل أو من هم مصدر رزقهم مذبذب وغير ثابت فيعملون يوماً وعاطلين أياماً أو الذين يسكنون القبور والعشش بدون سقف أو أقل المرافق الآدمية. الأمر الآخر أن سيادته قد يكون علي علم بموظفين بالحكومة غير فقراء -بمستوي تقييمه-يحصلون علي مئات الألاف أو الملايين شهرياً، وبالفعل سمعنا الكثير والكثير عن بعض تلك الوظائف التي يجني أصحابها من خلالها علي أرقام فلكية اكيد هؤلاء هم الأغنياء حقاً من وجه نظر السيد الوزير. لا نقصد طبعاً في كلامنا هذا بعض يمتهنون وظائف-مثل بعض مذيعي الفضائيات أو بعض لاعبي كرة القدم-الذين يحصلون بصورة علنية وبعلم الجميع علي الملايين ويسكنون القصور الفارهة، أما أصحاب المهارات النادرة فحدث ولا حرج، الغريب أننا وحين نسمع عن هؤلاء نشعر كما لو أننا نعيش في بلد غني جداً مفتوح ورأسمالي، أما الواقع الحقيقي وبالأخص عندما نري الفقراء والمستوي المعيشي للغالبية في الأحياء الشعبية والقري والنجوع نشعر وكأننا في بلد فقير وغالباً لا يشعر بأولئك الفقراء السادة الأغنياء واهل القمة. لا اجد ما يعبر عن الذين يعيشون بلادة الحس والوجدان السقيم أولئك الذين لا يشعرون أو يتأثرون بالفقراء والمعدمين غير هذا الكلام الذي كتبه أحد المفكرين الفلاسفة "فقيرة تلك النفوس التي يعيش أصحابها فيما نعيش فيه ولا تتأثر كأنما تنظر العين ولا تري، وتسمع الأذن ولا تعي، وكأنما قُد القلب من صوان، فتجري في شعابه مجاري الدماء، لا تترك وراءها ثمراً ولا أثراً......إن القلب الفقير عضلة تصلح لمبضع التشريح ولا تصلح لريشة الشاعر، وصاحب النفس الفقيرة كالمذياع التالف، فيه المفاتيح والصمامات والأسلاك، لكن الهواء من حوله يعج بموجات الصوت وهو أبكم لا يلتقط ولا يُذيع".