اعتبر الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة، أن مظاهر الفساد المستشرية في قطاعات الدولة، والتي اعترف بها الرئيس في لقاءه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف، خير دليل على نزاهة المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا وأن قرار عزله كان خطئًا . وتوقع سلامة في مقال له على صحيفة المصري اليوم بعنوان"حديث هشام جنينة"، أن يتم إطلاق ما أسماهم "كلاب السكك" على جنينة مثلما حدث مع الدكتور عصام حجّى تماماً لكي لا يكون هناك اى بديل للسلطة الحالية. والي نص المقال: بالتأكيد كان يجب أن نتوقف أمام حديث المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، لصحيفة «المصرى اليوم»، وهو الحديث الذي جاء متزامناً مصادفةً، على ما أعتقد- يومين متتاليين- مع حديث رئيس الجمهورية للصحف الحكومية، وبعد قراءة الحديث، يمكننا القول إن إقالة ذلك الرجل من منصبه لم تكن أبداً موفّقة، لأسباب عديدة، أهمها: هو أن المشكلة الأولى التى تعانى منها الدولة الآن هى مشكلة الفساد، وأن هذه المشكلة لا يمكن التعامل معها في صمت، كما كان البعض يريد، حتى يمكن أن نسير على سطر دون الآخر، انطلاقاً من الحالة المزاجية، أو أنه يمكن التجاوز عنها، أو حتى تأجيل مواجهتها، كما فهمنا من بعض التصريحات الرسمية. حديث الرجل تزامن أيضاً مع ما قاله الرئيس من أن «الفساد ليس مجرد الرشوة، إنما هو أيضاً الأداء المتواضع، وإهدار الموارد، والتقاعس، والسلبية، والإهمال»، إذن قد يتعلق الأمر بالتقصير في العمل، وقد يتعلق بالقرارات الخاطئة، أو غير المدروسة، أو ما شابه ذلك، وما أكثر هذه وتلك فى مجتمعنا، بل إنها أصبحت ظاهرة، ربما على كل المستويات، وهو ما لم يتضمنه تقرير الجهاز المركزى المثير للجدل، الذى تحدث عن 600 مليار جنيه مهدرة من المال العام. أوضح هشام جنينة بالتفصيل الكثير والكثير مما هو متعلق بفساد المؤسسات الكبرى، أو الجهات المسكوت عنها،على مدى عقود، تحدث عن هدايا الذهب، وجنيهات الذهب، المتداولة في بعض الوزارات، هدايا السيارات، هدايا الوحدات السكنية، وأوضح أيضاً معاناة الجهات الرقابية مع هذه المؤسسة أو تلك الوزارة، وبصفة خاصة مع اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية السابق، وحسب معلوماتي الشخصية، الرجل مازال لديه الكثير جدا من الأسرار في هذا الشأن، وهو ما أكد عليه أيضاً، بأن الفساد أكبر بكثير من المعلن. ربما كانت إقالة هشام جنينة هى السبب فى طرح ذلك السؤال عليه، حول نيته أو إمكانية ترشحه للرئاسة مستقبلاً، لو أن أي صحيفة أخرى أجرت معه الحوار، كانت ستطرح السؤال نفسه، ذلك لأنه سؤال الشارع الآن، هشام جنينة أصبح شخصية وطنية من الدرجة الأولى، بالتعبير الدارج، أصبح بطلاً، الرجل كان يقاوم الفساد، في وقت بدا فيه أن الإرادة لم تتوافر بعد، وبدلا من أن نبض عليه بالنواجز، بما يصب في صالح النظام والدولة عموماً، فرطنا فيه بكل هذه السهولة، بدعوى التشهير بالنظام، والترهيب من المستقبل، كما أطلقنا عليه المتردية والنطيحة، بدعوى الأخونة والأسلمة، حتى طالت هذه الممارسات أسرته، التى لا ذنب لها، بل ونالت منها، وبصفة خاصة ابنته، التي تم فصلها من عملها، لسبب أو آخر. ورغم أن الرجل لم يؤكد، أو ينفى الترشح من عدمه، فقد يتم إطلاق «كلاب السكك» عليه هذه المرة، مثلما حدث مع الدكتور عصام حجّى تماماً، وكأن ليس من حق أحد مجرد التفكير فى الأمر، الذى يجب أن يظل حكراً على عملية التسليم والتسلم، بإخراج لم يعد مستساغاً، بعد حالة التوهان العام، التى يعيشها المجتمع الآن، بما يؤكد أيضاً أن وجوهاً أخرى جديدة سوف تظهر على الساحة فى المستقبل القريب، شئنا أم أبينا، كبديل لكل ذلك الذي تم حرقه، عن حق أحياناً، وتنكيلاً وظلماً فى أحيان أخرى، ذلك أننا أمام مجتمع ولّاد بطبيعته، أو هكذا يجب أن يكون. هشام جنينة أثبت أنه مقاتل حقيقى، وليس مجرد شعارات، أثبت ذلك حينما كان فى منصبه، وأثبته أيضاً من منزله، أو من مسكنه، أصبحت وسائل الإعلام تطارده، ولم يتوان عن الدفاع عن موقفه بقوة وشجاعة، على الرغم من ذلك السيف المسلط عليه، ممثلاً فى تلك القضية المستأنفة الآن، وهو ما يجب أن يكون عليه كل الذين يُطاح بهم من مواقعهم، لأسباب واهية، ظلماً وعدواناً، ذلك أننا أمام وطن فى حاجة إلى كل أبنائه، ليس ذلك فقط، بل فى حاجة إلى الذود عنه، فى مواجهة أعداء الداخل، الذين يقاتلون من أجل استمرار الأوضاع الخاطئة، لحماية مصالحهم الخاصة. أعتقد أن الإحساس بالمسؤولية، كما الواجب الوطنى، يملى علينا الاستفادة من كل صاحب وجهة نظر، من كل صاحب رأى، من كل من لديه القدرة على العطاء، عملية الإقصاء والتصنيف هذه لا تصب في صالح المجتمع أبداً، كان على هشام جنينة، كما على غيره، أن يُقسم على المصحف الشريف أنه لا ينتمى إلى تنظيم الإخوان، حتى يمكن الوثوق به، أنا على يقين أن كل من بيدهم الأمر والنهى، يعلمون أنه لا ينتمى لا إلى هؤلاء، ولا إلى أولئك، كما هو حال غيره أيضاً، إلا أننا أمام مرحلة تأبى القبول بالشفافية والنزاهة والكفاءات فى مواقعها، هى مرحلة النُص نُص، مرحلة الطاعة العمياء، لذا كان ما كان، مما نحن فيه الآن نموذج هشام جنينة أيها السادة مكرر بالعشرات والمئات، بل والآلاف، فى كل المواقع الآن، سواء فى المواقع المهمة، أو غير المهمة، تم تصنيفهم إما «فلول»، أو «إخوان»، أو قوى ثورية، أو مناوئين للنظام، أو يُعمِلون عقولهم، أو لهم رأى فى الأوضاع الحالية، أو لا يؤمنون بمبدأ السمع والطاعة، الذى يعتقد البعض أنه مبدأ الإسلاميين فقط، وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر فى المنظومة كاملة، منظومة التمييز بين فئات الشعب، لأسباب لا علاقة لها بعامل الكفاءة، إن أردنا أن نضع أقدامنا على بداية الطريق الصحيح.