بينما يفتش المتطوعون بين رماد الأحجار المُحطمة، كان صوت النحيب الذي ظلّوا يسمعونه لساعات يعلو شيئاً فشيئاً، وكانت هذه هي العلامة الوحيدة الدالة على أن هذا الركام كان يوماً ما منزلاً لأحد الأشخاص. "اذهب ببطء، اذهب ببطء"، كان ذلك ما يصيح به أحد الأشخاص في الوقت الذي تحولت فيه الضوضاء إلى صراخ حاد، فطالما كانت هذه لحظةً حرجةً، عندما يترنّح الشخص الذي يُحدث هذا الصوت بين الحياة والموت، وخطوة واحدة خاطئة بإمكانها أن تقضي عليه. كان ذلك في أغسطس 2013، بمدينة حلب السورية، وكانت تلك أولى مهام الإنقاذ لخالد خطيب، بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية. "أنت لا تنسى أول مرة ترى فيها طفلاً يُستخرج من بين الأنقاض هكذا"، بتلك الكلمات كان خالد البالغ من العمر 20 عاماً يتذكر ما جرى، ففي المقطع المُصور لعملية الإنقاذ، كانت ساق الطفل البالغ من العمر 7 سنوات هي ما ظهر أولاً، ثم يده المُدماة، وأخيراً رأسه التي كانت محنية أسفل جسده، بينما كان عالقاً ومقوساً إلى الخلف. أضاف خالد: "في تلك اللحظة تكون سعيداً جداً، فأنت تعرف أنك أعدت شخصاً ما إلى الحياة". وخالد خطيب هو عضوٌ بمجموعة الدفاع المدني السوري، وهم عدد من المتطوعين على المستوى الشعبي يساعدون المدنيين في أعقاب الغارات الجوية، وتعرف المجموعة على نحو شائع باسم الخوذات البيضاء، وتتمثل مهام الإنقاذ اليومية لهم التي تعد بين أخطر المهام في العالم - في الإسراع نحو مناطق الهجمات، تلك المناطق التي يفر منها الآخرون. تتكون المجموعة من نحو 3000 متطوع، ويُعتقد أن المجموعة أنقذت حياة أكثر من 60 ألف شخص منذ بدء النزاع السوري في 2011، وهذا الشهر (أغسطس 2016)، رُشِحت مجموعة الخوذات البيضاء لنيل جائزة نوبل للسلام جراء هذا التفاني لسنوات عديدة. يقول خالد: "أنت تسمع الانفجار قبل أن تسمع نداء اللاسلكي، إنه يهز الأرض والمباني، ثم نُسرع بالجري تجاه الصرخات"، في بعض الأحيان يستخدم المتطوعون حفارات لإزالة أكوام الخرسانة المُحطمة لإخراج الناجين الأحياء المحاصرين تحت الأنقاض، وفي أحيانٍ أُخرى يحفر المتطوعون بأيديهم فحسب. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في مطلع شهر أغسطس 2016 إن حكومة الولايات المُتحدة تقدم مُساعدات لمجموعة الخوذات البيضاء تقدر بنحو 23 مليون دولار أميركي، عبر وكالتها للتنمية الدولية، وتعمل هذه المجموعة في 8 محافظات غير خاضعة لسيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد، كجزءٍ من شبكة الرعاية الصحية الموزاية التي انطلقت في عملها رداً على القمع الوحشي من جانب الحكومة ضد الاحتجاجات السلمية في بدء الأحداث. في المقابل فإن المتعاطفين مع الأسد يتهمون المجموعة بمساعدة الإرهابيين، حيث إن معظم المناطق التي يقدم فيها المتطوعون خدماتهم خاضعة للفصائل المتطرفة للمعارضة، بما في ذلك جبهة فتح الشام شمال غرب إدلب، والمرتبطة بتنظيم القاعدة، إلا أن المدنيين البالغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة، بحسب التقديرات قبل الحرب، يعيشون هناك أيضاً، حسب تقرير الصحيفة البريطانية. وفي مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" عام 2015، قال مؤسس المجموعة، رائد الصالح إنهم "غير طائفيين، وغير مُسلحين، وعلى الحياد"، ويُنقذون الناس من "كافة أطراف النزاع، بما في ذلك المُقاتلين لصالح النظام السوري". وترى مجموعات عاملة بمجال حقوق الإنسان أن الخوذات البيضاء يقدمون الأمل في مناطق صار الموت فيها هو القاعدة السائدة، فتقول كريستين بينيدكت، مُديرة الاستجابة للأزمات لدى منظمة العفو الدولية إن "الخوذات البيضاء يعيدون تعريف ما يعنيه أن تكون شجاعاً وبطولياً". وتقول مجموعات مُراقبة للوضع إن نظام الأسد قتل عدداً من المدنيين أكثر مما قتل من أي فصيل آخر، خلال الحرب الممتدة منذ 5 سنوات، وأغلبهم لقى حتفه جراء الغارات الجوية والبراميل المتفجرة، وهي ذات أنواع الهجمات التي يستيقظ أعضاء الخوذات البيضاء ليتنظروها.