حين يأتي ذكر المفاتيح والأقفال أتذكر محنة السجون , فالمفتاح يمثل لدى المسجون بداية الفسحة والتريض والتمتع بالشمس والهواء ومحادثة الأصدقاء , أما القفل فهو يرمز إلى بداية رحلة الحبس منفرداً حتى صباح اليوم التالي , ولكنني في الحقيقة أتناول في مقالي هذا الأقفال باعتبارها مشكلات ضاغطة , والمفاتيح باعتبارها الحلول العاجلة . ومن هنا أقول في البداية أن المفتاح الرئيس للخروج من أزمتنا الاقتصادية التي نعيشها ليس في رفع الدعم أو تعويم الجنية أو فرض الضرائب أو الحصول على القروض , وإنما هي في تحقيق قول الله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) ولكن الذي يبدوا لي أن المشكلة ستبقى كما هي بلا حل إلى أن تُسلّم الحكومة بالنص القرآني وتترك ماعداه من المفاتيح المصطنعة . وإذا كنا نتناول بعض المشكلات ونرسم لها حلولاً كرؤية شخصية أقدمها من أجل وطن يتوجع من جراء تنازع أبنائه ويخسر كل يوم المزيد من الضحايا والقدرات بلا طائل , فالمشكلة التي أتناولها هي مشكلة المحتجزين في السجون وهو أمر خطير بلا شك لكون وجود المظالم مع دعاء المظلومين يُعرّض البلاد لمخاطر العقوبة الإلهية العامة التي تصيبنا جميعاً , وأتصور أن جزءً منها متحقق الآن في حالة الضنك المتزايدة التي نعيشها ولا نكاد نبصر مخرجاً لها إلا بإقامة العدل وإنصاف المظلومين ومحاسبة المفسدين , ولو كان المسئولون أصحاب وعي وبصيرة لأطلقوا سراح جميع المحتجزين فوراً ' خاصةً وأنه لاخطر منهم على الأمن القومي للبلاد , كما أن الدماء التي أهدرت بغير حق ولم يتم محاسبة القتلة أو استرضاء أولياء الدم بعفو أو بديات تبقى هذه الدماء لعنة على القتلة وعلى القادرين على الإنصاف ولم يفعلوا . وهناك مشكلة كبرى آخرى تحتاج إلى معالجة حكيمة ألا وهي الشرعية التى يدعوا إليها البعض ويطالبون فيها بعودة الدكتور محمد مرسي (عفا الله عنه ) إلى الحكم وتلك الفكرة أصبحت بعيدة المنال لوجود نظام جديد بقي على إنتهاء مدة حكمه أقل من النصف , ثم تكون انتخابات رئاسية جديدة فمن أراد أن يشارك وينافس فليستعد لذلك لكونها وسيلة سلمية للتغيير أقصر في المدة مما يتصوره البعض لتحقيق مرادهم , ولاشك أنه لو تفضل الدكتور محمد مرسي ورفع الحرج عن أنصاره بتنازله عن الرئاسة رسمياً مع تقديم شخصية يتم الاتفاق عليه لتخوض الانتخابات الرئاسية القادمة , فهذا أمر حسن يحسب له ويضاف إلى رصيده , وأرى أنه لا حظر على أحد ولا خوف من أن يتقدم للرئاسة أي شخصية من أي كيان أو أي انتماء سياسي لأن الشعب قد أدرك واستوعب ما يدور على الساحة وسيعطي بالتأكيد صوته لمن ينقذ البلاد من أزمتها ويعيد اللحمة إلى أبناء الوطن ويقيم العدل ويقاوم الفساد ويرد المظالم إلى أهلها . بقيت في الحلق غصة لن تزال إلا أن أٌقولها كلمة واضحة للجميع أن مصلحة الوطن فوق مصلحة الجماعات والأفراد , وأنه لا نجاح لجماعة الإخوان إلا بقبول نصائح الرفاق التي تكررت عليهم ولم تفعل منها شيئاً لكونها تريد أن تضع أقفالاً على الأفواه لا تُفتح إلا لمن أراد الثناء والشكر على الجماعة فحسب , وعلى الجانب الآخر أرى أن الحكومة الراهنة تريد من الشعب أن يقف إلى جوارها في كل وقت وهو صامت لا يتألم ولا يتكلم بنصح ولا نقد بل المسموح له فقط هو الهتاف والتصفيق لكل قرار أو إنجاز وإلا صار من أهل الشر الذين لا يحبون وطنهم , فكل هذا والحمد لله لا نقبله ولا نريده بل نرغب بكل جد وإخلاص أن تتحرر الأقفال من فوق أبواب السجون وأيضاً من فوق الأفواه إذ لا نجاح ولا فلاح إلا بإطلاق الحريات التي تبني وتعمر وتطور هذا الوطن الغالي . والله المستعان