استمات فى الدفاع عن موقفه حتى آخر لحظة من الاستفتاء الذى بموجبه ستظل بريطانيا فى عضويتها بالاتحاد الاوروبى او الخروج منه ، فقد دعا كاميرون أبناء وطنه للتصويت لصالح البقاء، إلا أن هذه المناشدة لم تغير الواقع الذى ارتضاه الشعب الانجليزى لنفسه ، فكانت نتيجة التصويت لصالح الخروج الشيك من اتحاد لا يلبى طموحات بريطانيا التى تريد استعادة الامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس.فاستقال رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون من منصبه وأبلغ ملكة بريطانيا "لا أعتقد أنه سيكون من الملائم لى أن أمسك بدفة قيادة البلاد إلى وجهتها المقبلة" . وفى منتصف هذا الشهر كنا على موعد آخر من ملحمة شعبية سطرها الشعب التركى ضد انقلاب توقعناه قبل حدوثه بأسابيع ، فكانت كل الأحداث والتحركات والانفجارات تشير الى حدوث ذلك الأمر ، لكن الشعب التركى كان له رأى آخر ، فخرج الى الشوارع رافضا هذا الانقلاب تحركة مرارات سابقة وتجارب مؤلمة لانقلابات عسكرية على حكومات منتخبة ، فكانت رد فعله القاسية مع جنود وضباط التمرد هى الدافع بسبب هذا الرصيد المؤلم من الانقلابات وما سببته من تراجع فى كل مناحى الحياة التركية ، ولا نريد ان نكرر كلاما قيل فى انتصار الشعب التركى على قوات التمرد العسكرى ، لكنه فى نهاية الامر بداية حقيقة تاريخية سطرها الشعب التركى للعالم اجمع ، مفادها ان الشعوب منذ ذلك التاريخ هى التى ستحدد مصائرها ومستقبلها ، مهما بلغت الموجات المضادة أو كانت الداعيات الداخلية والخارجية بالغة التأثير ، ومهما كانت مواقف دول الاقليم او القوى الدولية منها ، هذا عصر الشعوب وليست أيام النخب ، هذا زمن رجل الشارع وليس زمن الاحزاب السياسية التى تحكمها مواءمات وتوازنات ومصالح التى قد لا تكون فى مصلحة رجل الشارع بل فى جوهرها تعطى أمدا لتلك النخب فى التواجد والتعايش على الساحة . ها قد قال الشعب البريطانى كلمته التى كانت ضد ارادة رئيس وزرائه والحزب الحاكم واضطر الى الاستقالة وترك السلطة ، وقال الشعب التركى كلمته الفاصلة لمن يريدون ان يحكموهم عنوة ، هذه توابع للآزفة السياسية التى تسمى بثورات الربيع العربى التى فاجأت العالم الذى ارتضى لنفسه ويخون مبادئه فى ان يتعامل مع الطغاة طالما يحققون لهم مصالحهم وغايتهم ، واستفاقوا على زلزال هزهم هزا ، وكانت توابعه سريعة الايقاع خاطفة للزمن ، صحيح بدأ التعامل مع تلك الثورات بخبث شديد واتفاق على ركوبها فحدث ما نراه حاليا من تراجع فيها ، لكنها أعطت الوهج لشعوب العالم بإمكانية تحقيق طموحاتها وتنفيذ إرادتها على السلطات الحاكمة والاحزاب المهيمنة . كانت الرادفة السياسية من نصيب الشعب التركى والبريطانى ، وستعم هذه الرادفة الكرة الارضية بأسرها خلال السنوات والعقود القادمة ، وستتغير فكرة مفهوم العقد الاجتماعى الذى بشر به جان جاك روسو منذ قرنين ، أو كما قيل عنها مبادئ الحق السياسي حيث وضع نظريته حول أفضل طريقة لإقامة المجتمع السياسى فى مواجهة مشاكل المجتمع ، فكانت مصدر إلهام الإصلاحات السياسية والثورات فى أوروبا وخاصة فى فرنسا ، ومثلما كان لفكرة جاك روسو ارهاصتها فى انشاء الحكومات من خلال تنمية فكرة العقد الاجتماعى ، فان هذا المفهوم سيتخلله قدرا من التطوير يعالج بعض الاخطاء التى حدثت مع التنفيذ ، بحيث ستكون الرقابة الشعبية أكثر ثقلا وأهم عنصرا فى العقد الاجتماعى الجديد الذى سطرته الشعوب وليست النخبة كما فى العقد الاجتماعى لجاك روسو .