عندما يجتهد الإنسان ثم يحالفه الحظ ويعمل بمؤسسة مرموقة ومهابة، ويحظي بمكانة إجتماعية ومستوي معيشي ببلده يحسده البعض عليها ومن ثم ينعكس ذلك علي سلوكياته فهذا هو الطبيعي، أما غير ذلك والذي يدعو للتعجب ويعكس إزدواجية وفصام فذلك عندما يُعار البعض لإحدي دول الخليج ثم تصدر منه بعض المواقف التي تسيء لبلده أولاً ثم لنفسه وللمؤسسة التي يعمل بها في بلده. موقف-ضمن العديد-صدر من رجل كبير سناً-ستيني- ومقاماً كان قد سافر-علي سبيل الإعارة-لإحدي دول الخليج وأعطته تلك الدولة فيلا-فاخرة-كي يقيم فيها تليق بمكانته شانه مثل باقي زملاءه المعارين، فما كان منه إلا أن قام بتأجيرها لآخرون من لأناس جنسيات أخري يعملون بنفس البلد وإستاجر هو لنفسه وأسرته سكن متواضع في حي متواضع كي يستفيد بالفرق المادي الكبير. إلا أن حظه كان من السوء حيث شكا جيران الفيلا للشرطة لأن من أستأجرها منه كانوا دائماً يقيمون حفلات صاخبة مزعجة لهم، فأبلغت الشرطة فوراً المؤسسة التي يعمل بها هذا الجليل مما إضطرها لإنهاء عقده وترحيله في الحال.
البعض أيضاً ممن يعملون-في مصر-في وظائف مُمَيَزة علي المستوي الإجتماعي، حتي وإن لم ينال أصحابها التقدير المادي المناسب لتلك المنزلة فعلي الأقل يعيشون في مستوي آدمي ومقبول، لكن بعضهم وعند إعارتهم لبلدان الخليج يتصرفون بنفس الحالة العجائبية التي تكلمنا عنها، حيث يسكنون مساكن لا تتناسب مع مكانتهم الوظيفية أويختارون أحياء شعبية قديمة يسكنها في الغالب الفقراء من العمال المعدمين والقادمين من البلدان الأسيوية الفقيرة. ليس هذا فحسب وإنما يظهر الفصام في سلوكهم من ناحية مأكلهم وملبسهم والذي لا علاقة له بأجورهم المحترمة في البلد الخليجي بحجة أنهم لو أظهروا نعمة الله عليهم سوف يعيقهم من تحقيق الهدف الذي جاءوا من أجله.قال احد المفكرين عن الإزدواجية عند بعض الناس "كم تغرينا ضرورات الحياة العملية بسلوك يتناقض مع ما نشيد به كلاماً، حيث نتحدث مع الناس علي صورة تتفق مع المثل العليا، ونختبيء وراء الجدران لنسلك في الخفاء علي صورة أخري لعدم تيقننا وثقتنا بأن أقدار الله سوف تكون في صالح الاتقياء المجتهدين".
عن الحيل وأساليب التملق والإستجداء والتزلف وإراقة ماء الوجه من قِبل البعض الذين هم ليسوا في حاجة لتلك الأفعال بتاتاً فحدث ولا حرج. هذا الإنسحاق والتدني الذي يظهره البعض تجاه من هم علي رأس العمل في المؤسسة التي يعملون بها، وقد يصل الأمر للوشاية أوالنميمة أو الإفتئات علي زملائهم من أبناء بلدهم-ظلماً وكيدا وإدعاءاً- إعتقاداً منهم أن تلك الأساليب سوف تكون مساعداً لإبقائهم في العمل سنوات عديدة ناسين أنه لولا حاجة المؤسسة لهم ما كانوا تعاقدوا معهم من الأساس حيث لا مجاملات في ذلك.
تساءل زميل وهو شاب ومُعَار لإحدي دول الخليج في معرض حديثه معي عن السبب الذي يجعل البعض يفعل ذلك قائلاً وحتي لو نجح أحد-عن طريق الوشاية والكذب-في إنهاء عقدي فهل سيعطون من ساعد في ذلك من زملائي وإبن بلدي؟، الحقيقة سوف لا يستفيد شيء، ثم حكي لي موقف يعكس الإزدواجية العجيبة في بعض زملاءه الذين يستأسدون ويعاملون بغطرسة مع زملائهم في العمل الصغار في المؤسسة التي يعملون بها في مصر، تجدهم يخضعون وينبطحون-طواعية-لمن هم دونهم سناً ومقاماً-خاصة لو كانوا يديرون العمل-في المؤسسات التي يعملون بها في دول الخليج وكما لو أن تلك البلدان أرض خصبة لمثل تلك الأفعال، بالطبع بعض هؤلاء لم يفعلوا ذلك حينما كانوا في أمريكا أو أوربا لأن لا مجال لمثل هذا الهراء ولا ينفع أو يُجدي النفاق معهم.
موقف حكاه لي زميلي الشاب-المعار لإحدي دول الخليج-يعكس قدر بسيط من تلك السلوكيات العجيبة، فقد جمعه هو وزميل له-مصري- مسألة في مكتب مسئول شاب في البلد الخليجي الذين يعملون به، وبما أن الامر يحتاج بعض الوقت للنقاش جلس زميلي الشاب، وظل الأستاذ الجليل والمرموق في بلده واقفاً مما أحرج زميلي، وأصرالأستاذ علي الوقوف في حضرة الشاب الخليجي والذي قد لا يكون في رغبة لتلك "الأفورة" والإبتذال من قِبل هذا الأستاذ إعتقادا منه أنه كلما زاد الإنسان في إحترامه كان ذلك سبباً في إستمرار عقده أطول فترة ممكنة.
النماذج السلبية التي ذكرناها وإن كانت ليست بالكثيرة، فهي تسيء لبلدها أولاً وللمؤسسة التي جاء منها في بلده هذا بالإضافة الي شخصها، في المقابل فإن مصر لن تعدم دائماً النماذج المحترمة من رجالها وشبابها الذين لديهم من عزة النفس والإعتداد بها حينما يعملون خارج بلدهم بشكل يليق بحضارة ومكانة بلدهم وقيمة المؤسسة التي يعملون بها.