في ساحة الوطن , يتعين أن تنصهر الإيديولوجيات و الانتماءات و الأطياف , أن يمتزج الجميع في موجة اجتماعية / وطنية متسقة , تجمعها حاضنة وحيدة , تعامل الجميع على قدم المساواة , فتكون السلطة _ بمعنى من المعاني _ ( أما ً ) تعترف بأمومتها لكافة أبنائها , و توزع بسماتها _ بالعدل و القسطاس _ عليهم جميعا ً , و تسارع فتهنيء النابه منهم على نجابته و تفوقه و نبوغه , بقطع النظر عن رأي أبداه , حتى و إن كان سياسيا ً حريفا ً أو لاذعا ً , فهو في النهاية ( مجرد رأي ) لا يتعين أن ( تهتز ) منه سلطة عملاقة تملك المرافق و المؤسسات و التشكيلات الأمنية الضخمة ! وجهة نظري تظل واحدة لا تتغير , فإقدام أية سلطة على استعراض عضلاتها , قمعا ً أو قراراً متعسفا ً , على فرد ضعيف من أفراد الشعب دون أية أسانيد قانونية , هو عمل يعبر عن درجة من درجات الخوف المرضي و يشي بقلة الثقة و ضعف الأدوات و قصر الحيلة و يكرس لمساحة فاشية متنامية سندفع جميعا ً ثمنا ً غاليا ً لها ! و من هنا أوضحت في بعض حواراتي الأحدث ما غمض على البعض إثر تصريحي قبل أسبوع لصحيفة : ( صدى البلد ) بأنني أرفض مطلقا ً إقدام ( حركة حماس ) على اعتقال روائي فلسطيني لا يملك إلا قلمه ودواته و ورقته _ أيا ً ما كان رأيه السياسي _ , لأنه مشهد ( مكارثي ) مرفوض يسيء بالقطع إلى قضية النضال الوطني إجمالا ً ! و من الباب نفسه و بذات المبدأ الأخلاقي الذي لا يتجزأانتفضت غاضبا ً بل تقززت _ إلى غير حدود _ من هذه الحملة الضخمة الضارية التي تفجرت في مصر لتنشب مخالبها ( الفاشية ) بقسوة لا يمكن تصورها أو تصديقها , في جلد برعم صغير اسمه : ( أميرة العراقي ) ,طالبه نابهة لا ذنب لها إلا أنها تفوقت في ( الثانوية العامة ) فسبقت الجميع و ارتقت منصة الصدارة ! و لا خطيئة لها إلا أن أباها الطبيب و الأستاذ الشهير في جراحة المناظير , كان صاحب رأي سياسي أو توجه فكري معين أغضب السلطة فأودعته خلف الأسوار , مع غيره ! و افترضت السلطة المندفعة في غضب أعمى أن فكر الأب ميراث منقول يتغلغل بالجينات الوراثية إلى داخل ابنته , فمضى الجميع _ سلطة و إعلاما ً و روادا ً على الفيسبوك ينتمون إلى دائرة السلطة _ في تمزيق الطالبة الصغيرة غضة الإهاب و اغتيالها معنويا ً بالمدى و السكاكين , و كأنها تملك فيالق ضخمة لترد عليهم أو مؤسسات إعلامية هائلة لتدافع عن نفسها في وجه هذا الاغتيال المعنوي الذي فرض عليها حصارا ً غوغائيا ً , لا نصدق أنه يمكن فرضه على طالبة نابهة تفوقت في الثانوية العامة لا تملك في النهاية إلا كراستها و أقلامها و رفيف أحلامها بمستقبل زاخر بالوعود لنفسها ووطنها ! و هكذا انثنى تاريخ مصر و اعتدل في موقعه و وجه ( الكاميرا ) اللاقطة ليلتقط هذه اللقطة / الاستثنائية , التي ستودع ( الألبوم ) الخالد في تاريخ الوطن المصري , و ستبقى اللقطة , بالقطع للأجيال اللاحقة , شاهدا ً على مرحلة موتورة , و رمزا ً لحقبة عنيفة ( مكارثية ) خانقة للجميع , و منجما ً لدروس بلا حصر , أميرة إبراهيم العراقي / المركز الأول ( مكررا ً ) / رقم الجلوس : ( 563512 ) / المجموع : ( 5 , 409 درجة من 410 ) تخترق صفوف التفوق لتتصدر المشهد الموسمي الشهير في مصر في سباقات الثانوية العامة المضنية , فلا تتلقى أية تهنئة من الدكتور / ( الهلالي الشربيني ) وزير التربية و التعليم أو من الرئاسة أو من أية فضائية من فضائيات ( الدفع الرباعي ) التي أشعلت النار في الوطن و باشرت _ و ما زالت _ خطابا ً تأجيجيا ً تحريضيا ً لم تعرفه مصر يوما ً ' فأوغرت الصدور , و شقت فجوة مرعبة بين الأب و ابنه و بين أبناء العمومة و أفراد الأسرة الواحدة و و خلقت انقساما ً مجتمعيا ً سيتنزفنا _ فيما أرى _ أعواما ً من التوجيه و التوعية مجددا ً لنرمم آثاره الكارثية , التي سندفعها حتما ً من قوت أبنائنا و مستقبله و سلامهم الاجتماعي المفترض ! الجميع في صوت ( أوركسترالي ) أجش يتزلف للسلطة بذبح ( أميرة العراقي ) و تصفيتها معنويا ً فهي تحاسب على خطيئة ( بنوتها ) لشخص تختلف معه السلطة ! أي صغار هذا ؟! و أية ضحالة تدعو إلى الخجل ؟! ثمة ( إعلامي ) ( محسوب على المهنة ! ) يصرخ _ بما يشبه النواح داخل الأستوديو ! _ : ( ..إن الدولة المصرية مشكورة لأنها سمحت لابنة الإرهابي بالتعلم و التفوق ..! ) و كأن فرصة التعليم العادلة مما يمن به الحاكم منا ً أو تفضل ملكي يجود به بلاط السلطة ! و ثمة مكتب محاماة بادر إلى تحريك بلاغ عاجل لنيابة أمن الدولة العليا يطالب بحبس الطالبة لأنها _ فيما يقول البلاغ _ : ( تبث سمومها و و ارتكبت العديد من الجرائم التي الجنائية التي تستوجب محاكمتها جنائيا ً بتهم .. التحريض على الدولة و الانتماء لتنظيم إرهابي ! ) كل هذا صنعته فتاة لا تعرف إلا كراستها و كتبها و أقلامها ! و قد لا تعرف مامعنى ( الإرهاب ) أو ( الانتماء لتنظيم ) أو ( أركان الجريمة الجنائية ) ! ! كفاكم فقد أضحكتم علينا الأصدقاء و الأعداء حتى استلقوا على ظهورهم ! كلكم تحتشدون ضد هذه الصغيرة ؟! ماذا لو أثبتت الرئاسة أو الوزارة أو أية سلطة متنفذة أنها ( أب ) منصف لجميع المصريين (باختلاف الولاءات و الانتماءات ) فهنأت ( أميرة ) على التفوق و انتهى الأمر و استأنفت مصر صفحة جديدة باتجاه ( شعب واحد ) لا ( شعبين ) ؟!ماذا لو تحرك الجميع صوب ( سلام اجتماعي ) محتمل يحتضن الجميع لا باتجاه مزيد من الشرذمة و التفتت الاجتماعي الذي شطر الوطن المصري طولا ً و عرضا ً و كرس لحب الطبقات و الفئات و قسمنا جزرا ً معزولة للقضاة و المهندسين و الأطباء و المعلمين و الصحفيين ..و هي جزر تفصلها أخاديد و فجوات عميقة ؟! لم أصدق أنقاصة روزمانسية وصفت أميرة ب ( الوقحة ) ! و أن شاعرا ً رومانسيا ً كان يمزق مناديل العشق في الندوات دعا _ على صفحته _ إلى حرمان أميرة من فرصة التعليم الجامعي جزاء لتطاولها ! مجددا ً أقول : لن تستطيعوا أبدا ً بناء مصر بنصف شعب و لن نتقدم في التنمية خطوة واحدة بنصف وطن , خصوصا ً إذا كان في النصف الآخر نابهون أو عباقرة نصر على طمسهم و تصفيتهم بأي ثمن من المشهد !