يأخذ العالم كله فى مجال التشريع بأحد نظامين لا ثالث لهما إما أن يتولى التشريع مجلس برلمانى واحد وهذا ما يسمى بنظام المجلس التشريعى الواحد، وإما أن يقوم بهذا الدور مجلسان وهو ما يعرف بالتشريع عن طريق مجلسين يكون لكل منهما دوره يتشكل منهما البرلمان. النظام الأول تأخذ به عامة دول العالم إذ إنها تسند مسألة التشريع – سن القوانين- إلى البرلمان الذى يأخذ صورة مجلس واحد يكون هو صاحب الحق وحده فى هذا المسألة فتعرض مشروعات القوانين عليه، ثم يتولى هو عملية سنها من أولها إلى آخرها لا يشاركه فى ذلك أى سلطة أخرى احترامًا لمبدأ الفصل بين السلطات الذى تأخذ به أغلب دساتير دول العالم، وهذا النظام متبع فى كثير من دول أوروبا الديمقراطية وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا وغيرها، كما تأخذ به عامة الدول الآسيوية الإفريقية – ومنها مصر - ودول أمريكا الاتينية. أما النظام الثانى: وهو نظام المجلسين فى المجال التشريعى فقد وجد فى بعض الدول خاصة التى لها طابع فيدرالى كالولاياتالمتحدةالأمريكية التى يتكون البرلمان فيها من مجلسين مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ولكل مجلس صلاحيات معينة فى العملية التشريعية أو الدول التى تتكون من مقاطعات - أومستعمرات مختلفة - كبريطانيا، فإن النظام البرلمانى البريطانى يأخذ بنظام المجلسين فى عملية التشريع فهناك مجلس العموم ومجلس اللوردات ولكل صلاحياته التشريعية وهذه الطريقة قديمة فى النظام البرلمانى البريطانى، كما أنها قديمة قدم نشأة الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد حرص المؤسسون الأوائل على إنشاء مؤسسات دستورية عديدة مع إعطاء كل واحدة منها صلاحيات وسلطات واسعة دون أن يكون هناك تضارب بينها من حيث الوظائف والمسؤليات والسلطات. أما فى مصر فإنها منذ عرفت الحياة النيابية الحديثة تأخذ بنظام المجلس الواحد سواء كان يسمى بمجلس الأمة أو مجلس النواب أو مجلس الشعب، ولم تعرف مصر نظام المجلسين حتى فى ظل دستور 1971، الذى أوجد مجلس الشورى لكنه لم يجعل له وظيفة تشريعية ولم يضعه ضمن مؤسسات هذه السلطة ولم يتناوله بالنص عليه فى الفصل الثانى من الباب الخامس الذى تكلم عن السلطة التشريعية وحصرها فى مجلس الشعب فقط ونص على ذلك فى إحدى وخمسين مادة من الدستور ابتدأها بالمادة 86 التى نصت على أن يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقر السياسة العامة للدولة ...إلخ. إذ إن مجلس الشعب وحده هو سلطة التشريع وأن مصر لا تعرف نظام المجلسين فى هذه المسألة فما هو الوضع الدستورى والسياسى لمجلس الشورى إذا لم يكن مجلسًا تشريعيًا فماذا يكون إذًا؟ جاء النص على مجلس الشورى فى دستور 1971 فى الباب السابع تحت عنوان أحكام جديدة الفصل الأول مجلس الشورى، وجاء فى نص المادة 194 "من الدستور سالف الذكر"، يختص مجلس الشورى بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ على مبادئ ثورة 23 يوليو 1971، ودعم الحدة الوطنية والسلام الاجتماعى ......الخ. كما نصت المادة 195 "من الدستور على الآتى "يؤخذ رأى مجلس الشورى فيما يلى: 1 – الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور. 2 – مشروعات القوانين المكملة للدستور. 3- مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. 4 – معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة. 5 – مشروعات القوانين التى تحيلها إليه رئيس الجمهورية. 6 – ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات ...إلخ. إذًا فمجلس الشورى كما يؤخذ من اسمه دوره استشارى فحسب وليس له أى دور تشريعى فلماذا كل هذه المبالغات من إجراء انتخابات تأتى بمن يصلح للشورى ومن لا يصلح، فضلاً عن النفقات الباهظة المتعلقة بهذا المجلس من أول الانتخابات إلى انتهاء مدته من المكافآت التى تصرف لأعضائه وغير ذلك. وما أهمية الحصانة لأعضاء هذا المجلس وهو ليس مجلسًا تشريعيًا ولا رقابيًا ولا يخشى على أعضائه من بطش السلطة التنفيذية التى من أجلها منح عضو البرلمان هذه الحصانة، ثم ما حاجتنا لمجلس ليس له دور إلا أنه يقدم رؤية أو مشورة وعندنا من المجالس ما يفوقه عشرات المرات. أين المجالس القومية المتخصصة التى كانت فى وقت من الأوقات بها عقول مصر وعلماؤها، أين مراكز الدراسات البحثية والاستراتيجية وما هو دورها. قد يقول قائل، إن الرؤية المستقبلية ستجعل من مجلس الشورى شريكًا فى التشريع والرقابة. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يكون كل أعضائه بالانتخاب بدلاً من أن تمضى مؤسساتنا الجديدة على نفس خطى النظام البائد وبنفس الطريقة ولماذا يمنح المجلس العسكرى الحق فى تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، كما كان يصنع المخلوع. إننا يا سادة لسنا بحاجة إلى هذا المجلس صاحب السمعة السيئة والذى أنشئ خصوصًا من أجل المحسوبية والمجاملات فقط دون أن يقدم شيئًا لمصر على الإطلاق، بل إن هذا المجلس لايريده الشعب والحضور فى لجان الانتخابات يدل على ذلك، كما أننا فى حاجة شديدة لهذه الأموال التى تنفق بلا فائدة فهل يقول عاقل بأننا نذهب لنقترض مليار دولار من صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى، ثم نقوم بإنفاقه على انتخابات مجلس ليس له أى دور فى عمليتى التشريع أو الرقابة إنما هو مجلس مصنوع للحصانة وسلب الأموال والمحسوبية فقط اللهم هل بلغت اللهم فاشهد. – كلية الشريعة والقانون – جامعة الأزهر