قام مجموعة من المراهقين دفعهم الوهم بالثراء السريع والانبهار ببريق الحياة الأوروبية، إلى الهرب من البلاد بحثًا عن وطن بديل، هؤلاء الشبان المفعمون بالأمل، وتراودهم أحلام قد يدفعون أرواحهم ثمنًا لها. داخل منزل ريفي متواضع اجتمعت أسرة "رضا – 16 عامًا" لإجراء محادثة إلكترونية معه بمساعدة أحد الأبناء، تبدو الوجوه سعيدة برؤية الابن المهاجر، وبدون قلق عليه يتابع والداه الحديث بشغف معه خاصة بعد وعوده بإرسال المال إليهم لشراء أرض زراعية، وتشير الأم مبتسمة إلى أن ابنها سيصبح أوروبيًا ميسور الحال، وأسرة المراهق غير نادمة على هجرته إلى إيطاليا رغم المخاطر. قامت " DWعربية"، بحوار مع رضا عن حياته كمهاجر غير شرعي، فقال "أنا بحال أفضل الآن، تم إيداعي بمؤسسة للرعاية فى كاتانيا جنوبإيطاليا، لست نادمًا على مجازفتي رغم أنني كدت أن أموت، والآن أتمنى الحصول على إقامة قانونية لأنني قاصر"، تلك الثغرة التي يستغلها المراهقون، حيث يحصل القاصرون الذين هم دون سن الثامنة عشرة على إقامة قانونية في إيطاليا بعد تخرجهم من مؤسسات التأهيل، لا ينكر رضا الصعوبات التي يواجهها رغم تواجده مع أصدقائه من أنباء قريته، ويقول إن "الوضع أصعب كثيرًا مما تخيلت، ولكنه أفضل مقارنة بالحياة في قريتي الفقيرة، سأحاول جمع المال، فقد أتيت إلى هنا من أجل ذل". الأهل يدركون المخاطر والدولة لا تحرك ساكنًا عمدة القرية، خيري البيجرمي، لا يعرف كيف يحمي المراهقين من تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر والموت، ويعبر عن حيرته وقلقه ل DW عربية، بالقول إنه "لا يوجد بيت إلا وخرج منه مهاجر، أصبح الأمر خطيرًا، وفشلت جهودي للتوعية بمخاطر تلك الرحلة، يغضب سكان القرية مني حين أطالب بتقنين الهجرة التي يعتبرونها الحل الوحيد لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، الأسر مسئولة عن تشجيع المراهقين على الهروب دون الاهتمام بسلامتهم". خلال العام الحالي هاجر أكثر من 35 قاصرًا من القرية توفي بعضهم غرقًا في البحر، بعضهم وصل إلى الفردوس الأوروبي والبعض الآخر لم تطأ قدمه الشواطئ الأوروبية، وبقي منتظرًا على السواحل المصرية، يسرد العمدة حادثة وقعت في أبريل الماضي حين اختفى 8 أطفال من القرية خلال إحدى رحلات الهجرة وانقطعت أخبارهم، مما رجح وفاتهم وتداولت وسائل الإعلام الحادثة، لكن السلطات لم تحرك ساكنًا، العمدة يعتبر هذا التراخي متعمدًا لاستفادة السلطات الحكومية من المنح المقدمة لمواجهة الهجرة غير الشرعية التي تقدر بأكثر من ألف يورو لكل مهاجر يتم ترحيله لبلده، حسب رأي العمدة. الأحلام تصبح كوابيس مصير المراهق مجهول خلال رحلة عبور البحر، محمود (17 عامًا) واجه صعوبات ومخاطر كثيرة ولم يصل إيطاليا.. "DW عربية" التقت محمود في القرية، التي يبدو الإهمال مسيطرًا على كل بقعة منها، فتحدث عن رحلته المأساوية، قائلًا "اتفقت مع وسيط للتهريب على السفر إلى إيطاليا وأعطيته 30 ألف جنيه (حوالي 3 آلاف يورو)، انتظرت فترة في إحدى المناطق الساحلية على البحر المتوسط بعيدًا عن أنظار الأمن". ويتابع الحديث عن رحلته "ركبنا قوارب متهالكة غير صالحة للإبحار، تعرضنا لمعاملة سيئة من المهربين، رأيت الموت بعيني حين غرق قاربنا وقامت السلطات الإيطالية بإنقاذنا"، في تلك الرحلة المأساوية توفي أكثر من 300 شخص". ويضيف محمود "لا أملك سوى حياتي التي كدت أفقدها؛ إنني نادم على التجربة، سأبقى في القرية أعمل بأي مهنة".
نحو المجهول خلال تجاذب أطراف الحديث، قاطعتنا ضحكة ساخرة من زياد (16 عامًا) الذي لديه تجربتان فاشلتان للهجرة، الأولى حين كان في الرابعة عشرة وتعرض حينها للغرق وكاد أن يموت قبل إنقاذه، والثانية كانت قبل شهر حين اختفى المهربون قبل الإبحار ولم يستطع مغادرة السواحل المصرية. ويعلق في حديثه مع DW عربية على مخاطر الرحلة عبر الحبر بأنه يتفق محمود على أنها "رحلة الموت، لكني أختلف معه في الخوف منها، ليس لدينا ما نخسره، الموت والحياة هنا شيء واحد فلماذا لا أحاول الهجرة مجددًا حتى أنجح في الحصول على حياة أفضل، فإذا كان مصير رحلة الهجرة مجهولًا، فإن المصير هنا معلوم.. إنه الفشل والفقر". حاولت أسرة زياد إقناعه بعدم السفر ثانية، لكنها تراجعت بعدما رأت أطفالًا أصغر منه قد هاجروا ووصلوا إلى أرض الأحلام.