للعلماء تفسيرات عديدة عن أسباب شيخوخة الخلايا ومن ثم تدهور حيويتها وفي النهاية موتها. قبل إستعراض بعض تلك التفسيرات والإستنتاجات أشير إلي بحث نشرته مجلة "نيتشر الطبية" خلال هذا الشهر-يولية 2016-أجراه باحثون من معهد "إيكول بوليتكنيك فيدرال دي لوزان" حيث إكتشفوا مادة في فاكهة الرمان هي "إيلاجيتانيس" تقوم البكتريا الموجودة بالقناة الهضمية-موجودة طبيعياً وليست ضارة بل مفيدة للإنسان- بتحليلها لتعطي مادة أخري حمضية "يورو لايثين إيه" قاومت الشيخوخة عند الفئران المتقدمة بالسن-فئران التجربة-فقد ساهمت تلك المادة في زيادة قدرة تلك الفئران علي الجري بنسبة 42%، لذا يأمل العلماء في عزل تلك المادة "يورولايثين إيه" في صورة مكملات غذائية تساعد في تحسن قوة عضلات وبالتالي القدرة علي التحمل في المسنين ، وهناك ميزة إخري هامة هي أن تلك المادة طبيعية تماماً وتأثيرها كبير. تتباين قدرة البكتريا الموجودة في القناة الهضمية في إفرازها للمادة المقاومة للشيخوخة بين الناس جميعاً، لذلك فإن أكل الرمان قد تختلف فائدته في مقاومة الشيخوخة من شخص لآخر. يُذكر أن للرمان فوائد أخري معروفة منها إحتواءه عن فيتامين "سي" المقوي للجهاز المناعي وفوائد عديدة أخري. أرجع بعض العلماء شيخوخة الخلايا مع التقدم في العمر إلي قد يعود الي سبب ضمن عدة أسباب، السبب الأول يكمن في تقلص عدد مرات إنقسامها نظراً لتراكم بقايا من مكونات "دي إن إيه" في الخلايا بشكل عشوائي والتي تتكون عند إنقسام الخلايا نتيجة لتأثيربعض العوامل البيئية التي تتعرض لها الخلايا مثل التدخين والإشعاع وبعض المواد الكيميائية، بالإضافة إلي تراكم ما يسمي بالشوارد الحرة والتي تتكون بشكل طبيعي في الخلايا كناتج لعمليات الأيض بالخلايا، تلك الشوارد الحرة ضارة جداً بالخلايا لأنها تعيق عمليات النسخ الطبيعي ل "دي إن إيه"المادة الوراثية في الخلايا بشكل صحيح-أي يحدث أخطاء- لذا تحدث بالمادة الوراثية طفرات والتي تعود بالسلب علي حياة الخلايا الطبيعية. من نعم الله علي الأحياء أنه الخلايا الحية بداخلها علي أنزيمات تقوم بشكل تلقائي ومستمر بتصحيح الأخطاء الناتجة من عمليات النسخ،منها ما يقوم بإصلاح الخطأ الذي يحث عند ترجمة الشفرات الوراثية أو الخطأ الذي يحث في الإرتباط الغير صحيح بين القواعد النيتروجينة الغير متوافقة مع بعضها أو حتي أخطاء ما بعد عملية التضاعف. لكن في بعض الأحيان تفشل تلك الإنزيمات في عملية الإصلاح، لذلك ومع إستمرار الإنقسام الخلوي تتزايد الأخطاء وبالتالي تتراكم بقايا-حطام-دي إن إيه بداخلها مما قد يؤدي عند ترجمتها الي تكوين بروتينات ضارة علي الخلايا تؤدي الي شيخوختها ومن ثم موتها بسبب حدوث أمراض مثل السرطان أو تصلب الشرايين أو أمراض القلب عموماً. ويمكن التغلب علي أضرار الشوارد الحرة بالخلايا عن طريق ما يسمي بمضادات الأكسدة وهي كثيرة وموجودة بكثرة في الفواكه والخضروات الملونة. التفسير الثاني للشيخوخة يتعلق بجزء هام موجود طرف كل كروموزوم بالخلية-ستة وأربعون-وهو مكون من "دي إن إيه" غير مُشفر يسمي "تيلومير" وظيفة التيلومير هذا هو ضمان نسخ "دي إن إيه" الكروموسوم، يتناسب طول التيلومير طرديا مع عدد مرات الإنقسام وكذلك عمر الخلية بمعني أنه مع تقدم الخلايا بالعمر والإنقسام يتقلص طوله تدريجياً حتي يصل الي أدني طول له أو ينتهي وهذا يعني توقف الإنقسام والنمو وموت الخلايا. قد يتدخل الإنسان لمحاولة تأخير الشيخوخة عن طريق أستحداث بعض العقاقير قد تعالج بعض الأمراض أو عن طريق البيوتكنولوجيا ومنها الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الطبية والتي قد تنجح في إطالة عمر البعض-بإذن الله-لكنه قد يصاحب ذلك نقص في قدرات الإنسان الذهنية وروح الإبداع والإبتكار، كما أن إستخدام الإنسان للعقاقير المخلقة صناعياً بشكل مبالغ فيه وفي غير محله تؤدي الي تعطيل إفراز مثل تلك المواد والتي يفرزها الجسم بشكل طبيعي حسب حاجة الجسم لها. في سياق حديثه عن القرارات التي قد يتخذها الإنسان لعلاج أو تأخير الشيخوخة يقول فرنسيس فوكاياما "معظم الأفراد، إذا ما كان عليهم أن يختاروا بين الموت وإطالة الحياة عن طريق التدخل العلاجي، فإنهم يختارون إطالة العمر، حتي لو إنخفض تمتعهم بالحياة-بدرجات متفاوته-نتيجة للعلاج. فإذا إختار عدد كبير من الناس أن يمدوا أعمارهم عشر سنين إضافة علي حساب قدرتهم علي حسن الأداء بنسبة 30%، فسيكون علي المجتمع ككل أن يدفع الكثير لإبقائهم أحياء. وهذا واقع في اليابان وأمانيا وإيطاليا حيث تتزايد الشيخوخة في شعوبها...مما يؤدي إلي تدهور واضح في مستوي المعيشة وكذلك إلحاق الضرر بالشباب الذين يأملون في إرتقاء السلم بشكل تدريجي للأعمار بمعني أن العواجيز يحرمونهم من الفرص التي كانت من المفروض لهم". واخيراً نختم بخير الكلام حيث قال اله تعالي "والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد الي أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير".