أصدر الرئيس مبارك أمس قرارا جمهوريا بحركة تغييرات المحافظين ، والتي جاءت محدودة ومتوقعة ، باستثناء تعيين اللواء مجدي أيوب اسكندر ، مساعد وزير الداخلية محافظا لقنا ، كثاني قبطي يصل لمنصب المحافظ خلال النصف قرن الأخير ، وهو ما شكل مفاجأة قوبلت بارتياح كبير من قبل كافة المراقبين ، حيث اعتبروا أن القرار سوف يقطع الطريق على بعض الأطراف الخارجية ، خاصة أقباط المهجر والقوى المساندة لهم داخل الكونجرس الأمريكي ، لاستغلال ما يسمونها قضايا الأقباط لاستعداء القوى الدولية على مصر وممارسة الضغوط عليها من أجل انتزاع مكاسب للأقباط قد تؤدي لتوتير الأوضاع الداخلية . وسبق للرئيس مبارك تعيين اللواء فؤاد عزيز غالي محافظ لشمال سيناء لفترة قصيرة في ثمانيات القرن الماضي . وقد شمل القرار الجمهوري تعيين 8 محافظين جدد ، خمسة منهم من القوات المسلحة وهم المهندس أحمد زكي محمد حسن عابدين محافظاً لبني سويف والمهندس محمد مجدي أحمد حلمي قبيصي للفيوم وعبد الجليل إبراهيم أحمد الفخراني للإسماعيلية وأحمد مختار فتحي عبد الحميد سلامة للوادي الجديد ومحمد هاني متولي جاد إمام لجنوب سيناء وثلاثة من ضباط وزارة الداخلية وهم محمد سيد عبد الحميد شعراوي لسوهاج ونبيل محمد أحمد العزبي لأسيوط ومجدي أيوب اسكندر لقنا ، وخلت التعيينات تماما من رجال القضاء ، في سابقة غير معهودة حيث جرت العادة على تعيين عدد من المستشارين في منصب المحافظ . كما شملت الحركة نقل 4 محافظين إلي محافظات أخري وهم حسن محمد أحمد حميدة للمنوفية نقلاً من المنيا وعادل علي لبيب للبحيرة نقلاً من قنا وفؤاد سعد الدين محمد سعد الدين نقلاً للمنيا من المنوفية وأبو بكر الرشيدي للبحر الأحمر نقلاً من الوادي الجديد. وتضمنت الحركة بقاء 14 محافظاً في محافظاتهم بالإضافة لرئيس مدينة الأقصر وهم المستشار عدلي حسين للقليوبية وعبد السلام المحجوب للإسكندرية ومصطفي كامل محمد لبورسعيد وأحمد عبد الحميد محمد لشمال سيناء ومحمد سيف الدين جلال للسويس وسمير يوسف حسانين لأسوان ومحمد عبد الحميد الشحات لمرسي مطروح وأحمد سعيد صوان للدقهلية وفتحي سعد للجيزة وعبد العظيم وزير للقاهرة ويحيي عبد المجيد للشرقية والمهندس الشافعي عبد الحي الدكروري للغربية وصلاح سلامة لكفر الشيخ والدكتور فتحي البرادعي لدمياط وسمير فرج رئيساً لمدينة الأقصر. وشملت الحركة أيضا تعيين 6 نواب للمحافظين منهم 4 نواب لمحافظ القاهرة وهم: محمود ياسين إبراهيم للمنطقة الغربية وعبد الهادي حسين جاد المولي للمنطقة الشرقية وزكي عبد الغني سليمان للمنطقة الجنوبية وحسن مختار يحيي السعيد للمنطقة الشمالية وفي الجيزة محمد ياسين أحمد بدوي وللإسكندرية صفاء الدين مصطفي كامل. ويؤدي المحافظون اليمين الدستورية أمام الرئيس حسني مبارك صباح اليوم بحضور الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء ود. ذكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية. كما يرأس الرئيس مبارك أول اجتماع لمجلس المحافظين بعد تشكيله الجديد عقب أداء اليمين الدستورية. ولفت المراقبون إلى أن تعيين محافظ قبطي يأتي في سياق رغبة القيادة السياسية في تطبيع العلاقات بين النظام الحالي والأقباط ، خصوصا وأن الحزب الوطني الحاكم ، الذي يرأسه مبارك أيضا ، قد تجاهل دوما ترشيح الأقباط على قوائمهم بحجة أن فرصتهم في الفوز سوف تكون ضعيفة ، كما أن الحزب رفض أيضا خلال الانتخابات الأخيرة إخلاء أي دائرة لصالح المرشحين الأقباط الذين خاضوا الانتخابات كمستقلين ، وذلك على العكس من جماعة الإخوان المسلمين التي أخلت بعض الدوائر لصالح مرشحين أقباط سواء من المعارضة أو المستقلين ، كما أنها بادرت لفتح حوار مع مثقفين أقباط لتبديد أي مخاوف لديهم من الصعود القوى للجماعة خلال الانتخابات الأخيرة . وأشار هؤلاء المراقبون أن تعيين محافظ قبطي يعد من ثمار حالة الحراك السياسي التي تشهدها البلاد ، فصعود الإخوان وتوجههم نحو إجراء حوار مع رموز الأقباط لسحب ورقة المخاوف القبطية التي طالما تحججت بها لرفض منح الجماعة حزبا سياسيا من يد النظام ، دفع النظام لاتخاذ خطوات مضادة للحفاظ على تحالفه التقليدي مع الكنيسة ، كان أولها القرار الجمهوري الذي صدر قبل عدة أسابيع بتفويض المحافظين في إصدار القرارات الخاصة ببناء وترميم الكنائس ودور العبادة المسيحية ، ثم جاء تعيين المحافظ القبطي ليؤكد أن الأقباط ، إضافة إلى الإخوان ، هم أكثر الرابحين من التطورات السياسية الأخيرة في مصر . واستبعد المراقبون وجود علاقة لهذا التعيين وزيارة مايكل منير زعيم أقباط الولاياتالمتحدة لمصر قبل عدة أسابيع ، مشيرين إلى أن القرار يستهدف إضعاف دور منظمات أقباط المهجر وتحجيم قدرتهم على استغلال عدم حصول الأقباط علي مناصب عليا في مؤسسات الدولة لتكثيف الضغوط الدولية على النظام . من جانبه ، أكد المفكر القبطي جمال أسعد عبد الملاك علي أهمية اختيار محافظ قبطي ، معتبرا أنها خطوة علي طريق حل مشاكل الأقباط في مصر وأن هذه الخطوة تأتي في إطار تطبيق نص المادة 40 من الدستور التي تساوي بين المصرين جميعا بغض النظر عن الديانة. وأوضح عبد الملاك أن تعيين محافظ قبطي هو أيضا خطوة علي إصلاح الخلل والنظر بجدية إلي ما يسمي بمشاكل الأقباط التي يتحدث عنها أقباط الداخل والخارج علي حد سواء وهي تبين أيضا أن السلطة بدأت تخطو خطوات جادة في سبيل ذلك. ويشير إلي أن توقيت هذه الخطوة وسط مؤتمرات أقباط المهجر والضغوط الأمريكية تأتي وكأنه تم بناء علي ضغوط خارجية ، وطالب أسعد السلطة بالتعجيل لحل هذه المشكلات في إطارها السياسي الوطني المصري بعيدا الضغوط التي يمارسها أقباط المهجر ، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة اختيار القيادات على جميع المستويات بناء علي الكفاءة والخبرة بغض النظر عن الديانة. وأرجع عبد الملاك هذه الخطوة إلي عدد من العوامل ، أولها رغبة النظام في توجيه رسالة إلي الإدارة الأمريكية بأنه علي طريق الديمقراطية وحل مشاكل الأقليات وعلي رأسهم الأقباط ، كذلك مجاملة أقباط الداخل حتى يتم احتواء الاحتقان الطائفي الموجود في مصر منذ عقود ، وكذلك قد يكون القرار رد جميل للبابا شنودة نظرا لمواقفه وتأييده لإعادة ترشيح الرئيس مبارك لفترة حكم جديدة ، مشيرا إلي أن كل هذه المواقف لا تعني شيئا بقدر أنها تعني تحمل الدولة مسئولية حل مشاكل الأقباط كمواطنين مسئولين منها. واتفق الدكتور محمد السيد سعيد نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتجية مع عبد الملاك في الترحيب بالقرار ، مؤكدا أنها خطوة في سبيل إنهاء شكل من أشكال التميز بين المصريين وحرمان بعضهم من تولي مناصب قيادية خلال العقدين الماضيين وهو ما كان سببا في حدوث قلق بين الأقباط. وشدد سعيد علي أن هذا القرار هو حق أصيل للأقباط بوصفهم مواطنين مصريين أو اعتراف جزئي بحقهم في تولي المناصب القيادية علي أساس من حقوق المواطنة. ويري سعيد أن هذا القرار يقلص من حدة تزايد مساحة الطائفية في مصر وهو ما أدركه النظام بعيدا عن أي ضغوط خارجية. وفي المقابل ، أشاد مركز الكلمة لحقوق الإنسان ، الذي يديره الناشط القبطي المحامي ممدوح نخلة ، بالقرار ، لكنه طالب بتعيين ثلاث محافظين من الأقباط دون أن يوضح سببا لهذا الرقم تحديدا . وطالب المركز ، في بيان وصلت نسخة منه ل " المصريون " ، القيادة السياسية باتخاذ خطوات أخري مماثلة لهذه الخطوة لتعيين الأقباط في كافة المستويات القيادية والمناصب في الأجهزة الأمنية ورؤساء الجامعات وقيادات القوات المسلحة وقيادات جهاز الشرطة. وأكد ممدوح نخلة مدير المركز ل " المصريون " أهمية تعيين قبطي في منصب محافظ ، مشيرا إلي أن هذا القرار سيخفف من مشاعر القلق عند الأقباط وعزوفهم عن الحياة السياسية .