أهل الاستبداد دائماً يتمسكون بسلطانهم الذي هو مصدر استبدادهم , ويجتهدون في المحافظة على ذلك ويبذلون في سبيله الغالي والنفيس حتى انه جاء في الأثر عبارة بليغة قالها الخليفة العباسي هارون الرشيد لولده المأمون : (يابني الملك عقيم ولو نازعتني انت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك) أي لقطعت رأسك , فالملك لا يتورع أن يقتل ابنه حفاظاً على ملكه وبالتالي صار في حكم العقيم الذي لا ولد له . وحين نتكلم عن مناورات المستبدين نجد انها ظهرت بشكل كبير في صرف الناس عن الحق ولفت الانظار حينماً دعا موسى عليه السلام الفرعون بالحجة الدامغة تهرب من ذلك كما جاء في القرآن الكريم ما نصه : (وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً..) فكانت فكرة بناء الصرح مناورة لكسب الوقت لحين ترتيب الأحوال والتصدي لهذه الدعوة , ومن نفس الباب ناور الرئيس المخلوع حسني مبارك حينما خرجت الجماهير ضده في صعيد واحد , فقال لهم بعد استعطافهم إنه يريد أن يكمل مدته ولن يعود للترشح مرة أخرى !! فصدقه البعض وبكوا وتأسفوا له ولكن جماهير الشعب الواعية صمدت في الميادين وطالبته بالرحيل فوراً ولو أنها انصرفت لتم القبض على القيادات وتقديمهم إلى المحاكمة ووضعهم في السجون . ومن مناورات بعض الرؤساء للتمسك بالسلطة إظهار استعدادهم للتخلي عنها في أي وقت لدرجة أن أحدهم وهو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أعلن تنحيه عن السلطة بعد نكسة 67 في مشهد درامي و في نفس الوقت حرك التنظيم الموالي له انصاره إلى الشارع مطالبين بعودته مرة أخرى , فعاد إلى السلطة وكأنه نزولاً على الإرادة الشعبية , فتفادى بذلك المحاكمة التي كان ينبغي أن يمثل فيها مع باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة بتهمة الإخلال بواجباتهم في حق الوطن طوال 15 سنة يديرون فيها دفة الحكم ولم يستعدوا لمثل هذه المواجهة , والعجيب أنه قام بتقديم بعض قيادات الجيش للمحاكمة وكأنه يجري اصلاحاً , ولكن في الحقيقة كانوا هؤلاء كبش فداء للهزيمة . ومن المناورات السياسية انتقال الرئيس السادات من حزب مصر الاشتراكي إلى ما أسماه بالحزب الوطني الديمقراطي ليتحرر من مبادئ حزب مصر وينتقل إلى مبادئ جديدة تتفق مع رؤيته من معاهدة السلام , بل إنه ناور بحل مجلس الشعب بأكمله حتى يتفادى وجود عدد قليل من مخالفيه في المجلس النيابي !! وأيضاً من المناورات إتخاذ المستشارين والمساعدين والمجالس المتخصصة مع اختفاء أدوارهم في الحقيقة , واتضح ذلك في فترة ولاية الدكتور محمد مرسي ( عفا الله عنه) حيث استقال معظم المستشارين والمساعدين لشعورهم بانعدام أدوارهم في القرار , ولاشك أن عهد الرئيس السيسي يشهد نفس الأمر , فلقد سمعنا عن وجود بعض الهيئات الاستشارية ولكن لم يعرف أحد دورها في صناعة القرار الذي ربما تفاجئنا به الحكومة دون أن نشعر بدور هذه الهيئات في الدراسة . ومن المناورات السياسية أن يستدعي النظام الحاكم أحزاب المعارضة للتشاور معهم ولكن في النهاية تظهر حقيقة هذه الدعوة بأن النظام يبث الفرقة في صفوف الأحزاب , ويمضى رأيه الذي كان يعتنقه من قبل , ولقد ظهر هذا جلياً في عهد الرئيس السابق مبارك , أما في عهد الرئيس محمد مرسي فلقد رفضت المعارضة الاجتماع معه للتشاور بدعوى عدم الجدوى إلا أنها وافقت على دعوة وزير الدفاع وتوافدت على مكان الاجتماع إلا أن الدكتور محمد مرسي ألغاه بعد وصول نحو نصف الحاضرين , أما في عهد الرئيس السيسي فلم تجتمع الحكومة بأحزاب المعارضة أو تتشاور معها في القضايا الهامة أو المشروعات الاستراتيجية وانفردت برأيها الخاص مما تسبب في تحول بعض المؤيدين إلى صفوف المعارضة , بل ومن الغرائب أنه حين تدعوا الحكومة بعض الشخصيات الوطنية يكون لشرح وجهة نظرها فقط وغير مسموح بالحديث مما يشكل عقبة أمام قبول الدعوات القادمة !! هذا وأكتفي بهذا القدر ففيه الكفاية للتدليل على وجود مناورات سياسية للحكام تهدف إلى إظهار الوجه الديمقراطي في حين تخفي حقيقة استبداد السلطة التي هي في النهاية موضع مسؤلية كبرى أمام الله تعالى يتمنى المسئول أنه ما كان ينبغي أن يتولى هذا المنصب , ويحضرني ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين اقترح عليه أحد الصحابة أن يولى ولده من بعده فقال: ( كفى آل الخطاب منها واحداً) فقد كان رضي الله عنه يعرف حجم المسئولية الملقاة على عاتق الحاكم والحساب الذي ينتظره إن هو قصر في أداء الواجبات ولم يتق الله في رعيته . والله المستعان