لم أتمّن تلك الأمنية إلا بدافع الحقد علي ذلك الموبايل ، الذي يحظي برعاية كاملة ويتم تلبية احتياجاته، علي الرغم من كونه جمادا ، لا يستطيع الشعور بها ، ولا التعبير عنها ، فهو الذي يحدد مثلا متي يتم شحنه ، ويجبر صاحبه علي إصلاحه عندما يتلف، أما الأنثي في مجتمعاتنا العربية - حتي وإن استطاعت التعبير عن احتياجاتها- ، فغالبا ما يتم تجاهلها أو تلبية القليل منها. أما علي صعيد التأثير علي المجتمع ولعب الأدوار الرئيسية، فالهاتف بالطبع هو البطل الرئيسي في أي تجمع أسري ، لا بهدف لم الشمل ، بل تمزيق الروابط الأسرية ، التي عادة ماتهتم الأنثي بتقويتها . لا يتوقف حقدي علي الموبايل علي تلك الأسباب ، بل يتخطاها كثيرا ؛فمثلا الموبايل لا يتعرض للعنف الجسدي، الذي تتعرض له 35 % من النساء علي مستوي العالم - حسب تقارير الأممالمتحدة - ، ولا يتعرض لذلك القهر المعنوي، الذي لاتزال تتعرض له الإناث في عالمنا العربي ، منذ نعومة أظفارهن حتي سن العشرينات يلقبها مجتمعها بمكسورة الجناح ؛ فيُدفعن إلي الزواج من أيا مَنْ كان ؛ هروباً من ذلك اللقب البغيض ، الذي صُنع خصيصا لهن "عانس" ، ولا يقابله لقب مماثل في عالم الذكور . بعد الزواج، غالبا ما تصطدم الأنثي العربية برجل يحمل داخله عقيدة " الماليزم" - إن جاز التعبير وهي نقيض الفيمنيزم- ،يري أصحاب تلك العقيدة أن الأنثي أما ،أختا ،زوجة قد وُجدت خصيصا لإسعادهم، وتلبية طلباتهم، ولا يلتزمون هم في المقابل تجاه الأنثي بأي شئ ؛ اللهم إلا الالتزام المادي ،الذي تشاركهم فيه الأنثي في أحيان كثيرة . غالبا ما يبني أصحاب عقيدة " الماليزم " - إذا كانوا متدينين أوالأصوب "يدعون التدين "- تعاملهم مع النساء علي الآية الكريمة، التي ورد فيها( واضربوهن)، متناسين الآية الكريمة)وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) ،والأحاديث الصحيحة (اتقوا الله في النساء ) ، و ( ماأكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ) ، وأما غير المتدينين أو "من لا يدعون التدين " ، فيبنون تعاملهم مع الأنثي علي مبدأ البقاء للأقوي أو "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24 " .ومن المثير للسخرية أن من تتولي تربية الأبناء في عالمنا العربي هي الأنثي ، التي غالبا ماتعاني الأمرّين من زوج لا يفعل شيء في المنزل ، سوي أن يجلب المال ، ثم يعتقد أن مهمته قد تمت بنجاح ، وما عليه إلا أن يرتاح ، و أن يتركلزوجته تكملة باقي المهام - حتي لو ساهمت معه في توفير ذلك المال- إلا أن الرجل العربي يري أنه من العيب أن يساعد زوجته في أعمال المنزل من : تنظيف ، وطبخ ، وخلافه ؛ فتلك الأعمال حسب وجهة نظره، - التي ما أنزل الله بها من سلطان - هي من صميم اختصاص المرأة، التي تربي أبناءها علي ذلك أيضا ، وتستمر تلك الدائرة المغلقة ، التي تحيط بالمرأة من كل اتجاه ؛ فتثقل كاهلها ، و تتسبب لها في مشاكل صحية مبكرة . أري ان الأكثر سخرية من ذلك كله هي جمعيات " حقوق المرأة " ، المنتشرة في كل مكان، والتي تطبع المرأة بطابع خاص ؛ فقديما أعطت تلك الجمعيات صورة للمراة المثالية عندها، ألا وهي تلك المرأة التي تمارس رياضة عنيفة؛ لتدافع عن نفسها أو " الست اللي كلت دراع جوزها ", وحديثا تغير ذلك الطابع ؛ فالمرأة المثالية الآن لدي جمعيات حقوق المرأة هي تلك المرأة العاملة الناجحة في عملها، والتي تشارك في صنع القرار وفي الحياة السياسية ،أما مَنْ سواها من ربات البيوت ، وغير المتعلمات ، فهن المقهورات البائسات ، حتي إن اخترن المكوث في المنزل بمحض إرادتهن ، و كن أكثر نجاحا في بيوتهن من النساء العاملات ، أو لم تتوفر لهن الظروف الاقتصادية للتعليم . ذلك الطابع الخاص ، الذي طبعت به جمعيات حقوق المرأة نفسها ، يجعل أهدافها متركزة حول الخصومة مع الرجل، بدلا من الاهتمام بالمرأة نفسها، ويجعل من خطاباتها وشعاراتها الرنانة ، مجرد افكار موجهة للنخبة ، وليست قابلة للتطبيق علي القاعدة الجماهيرية العريضة؛ فلم تفلح تلك الجمعيات في إنهاء العنف ولا التمييز ضد المرأة ، كما جعلت من شعاراتها مادة للسخرية في بعض الأحيان ، حين يتم ذكر اسم تلك الجمعيات ، ولم تستطع تلك الجمعيات اختراق الانتهاكات ، التي ربما تحدث يوميا للنساء في البيوت؛ كما فقدت تلك الجمعيات مصداقيتها لدي جمهورها الافتراضي من النساء ؛ فعادة لا تلجأ النساء إلي تلك الجمعيات ولا تهدد مثلا برفع شكواها إليها؛ ما يدفع للتساؤل :هل تحتاج الأنثي حقا إلي جمعيات لتدافع عنها ؟، أم يُكتفي برفع الوعي لدي النساء ، ومن ثمّ تدافع كل إمرأة عن حقوقها بنفسها ؟أم هل علينا نحن معشر النساء الاكتفاء بالحقد علي الجماد، الذي يحظي بعناية ربما لاتحظي بها معظم النساء ؟