اللي يسأل مايتوهش . ذلك المثل الشائع لدينا، والذي لايعبر دائما عن الحقيقة ؛ فبعدما اتبعت في المترو وصفة أحدهم إلي محطة السيدة زينب، وجدتني في اتجاه شبرا بدلا من اتجاه حلوان ! . قليل من الفَتي قد يضر ، أما الكثير منه فقد يتسبب في كارثة ، ذلك هو الشعور الذي ينتابك بعدما تشاهد ذلك الإعلان، الذي يستلهم فكرته مما حدث في المتحف المصري العام الماضي ، ويظهر في ذلك الإعلان مجموعة من العاملين في المتحف المصري، بعد انفصال ذقن توت عنخ آمون عن رأسه وقد أفتي أحدهم بدقها بمسامير ، رد عليه آخر أن ذلك خطأ ، والأفضل هو لصقها بمادة لاصقة، أما الثالث فقد رأي أن يبلغ عن الواقعة ، ذلك ماكان في الإعلان ، أما الواقع فقد كان أكثر فَتيا؛ فقد طبق المسئولون في المتحف المثل الشعبي " اكفي ع الخبر ماجور" بكل حذافيره ، فلم يبلغوا عن الواقعة، وتحايلوا عليها بالتحاذق والفهلوة ؛ فتفتق ذهنهم عن لصق الذقن بمادة الصمغ الغير قابلة للذوبان ! ، وكي تلتصق سريعا رأوا أن يكثروا من الصمغ ؛ ما نتج عنه تشويه القناع ، وبدي الصمغ واضحا للعيان ، اكتُشفت الواقعة ، و تم الاستعانة بخبير ألماني لإزالة اللصق وترميم الذقن بطريقة علمية. لم يكلفنا التحاذقوالفتي أموالا فقط ، لكنه كلفنا الأهم " سمعتنا " ، وإحراجنا أمام العالم. (2) الشباب ينتهي في سن ال 18، وقد يمتد في بعض الأحيان إلي 25 . ربما تسيطر عليك تلك الفكرة، بعد ما تشاهد ذلك الإعلان ، الذي يروج لشبكة علي الهاتف يطالب فيها الشباب – بحد أقصي 25 سنة – إلي الانضمام لتلك الشبكة ،لتلقي خدمة مميزة : كالاستماع لنوع من الأغاني ، والاشتراك في تطبيقات للشبكات الاجتماعية بدون تكاليف إضافية . أعلم أن هناك من تحايل علي الشركة من أبناء الثلاثينات ؛ للاستمتاع بالخدمة ، لكن السبب الرئيسي لذلك التحايل ليست الخدمة في حد ذاتها ، بل رفضهم لفكرة أنهم لم يعودوا في زمرة الشباب. إعلان آخر يطبق نفس الفكرة ، ويطالب الشباب بفعل أشياء كثيرة قبل سن ال 18 سنة، تلك الأشياء تتلخص في المرح والانطلاق، وخوض المغامرات الخطرة : كرفع الموتوسيكل في الهواء ، ربما كانت فكرة الإعلانين غير واقعية ، ففي سن 18 الي 25 في بلدنا قد لا نجد لا الوقت ولا الإمكانيات للمرح- إلا قليلا -، و عادة ما نسعي في هذا السن إلي الاهتمام بالدراسة، والبحث عن العمل - إن وجدناه – ، ثم إثبات الكفاءة والمهارة حتي نحتفظ به، وعادة مايمتد ذلك السعي إلي سن الثلاثينات، ثم يبدأ الاستقرار والبدء في البحث عن شريك الحياة ، وقبل أن نعيد البحث عن المرح ، الذي عادة ما يغيب عنا مع كثرة المسئوليات وتشعبها ، واتساع دوائر الإنفاق؛ نُضطر للبحثعن عمل إضافي آخر، بعد ما نُواجَه بأننا مهما أخلصنا في العمل ، فلن نصل إلي الترقية ، إلا بالأقدمية ، في بلد تنتشر فيه موضة تعيين المسئولين ، في المناصب الرفيعة - فقط - لمن تجاوز سن الخمسين . كثيرا مانشاهد في التليفزيون ، مَنْ ينظر في المرآة من أبناء الخمسينات بحسرة وألم، نادما علي مرور سنوات عمره هباءا ، دون الاستمتاع بها ، فهل سيفعل أبناء الثلاثينات نفس الشئ ؟ أم سيظل ذلك العمر متميزا عن غيره بأنه نصف الطريق بين النضج والشباب ، بين الانطلاق والرزانة ؟ (3) إذا كنت تريد إثبات رجولتك ؛فكل ما عليك فعله هو أن تأمر وتنهي زوجتك، بالذات أمام الغرباء. ستسيطر عليك تلك الفكرة ، بعد مشاهدتك لذلك الإعلان ، الذي يجلس فيه شاب متزوج علي حجر أمه، ويأمر زوجته بتغيير الحفاضة لإبنه،بينما تنظر له الأم ابتسامة رضا ، وعلي الرغم من عدم واقعية فكرة جلوس شاب في ذلك العمر علي حجر أمه، إلا أن فكرة ذبح القطة للزوجات ، وتعمد إصدار الأوامر في وجود الغرباء لا زالت منتشرة في بلدنا ، ليست في أوساط اجتماعية متدنية فحسب، بل في الراقية أيضا، كما شاهدنا في الإعلان. ستتوقف أمام نظرة الرضا في عين الأم ، التي ربما عانت في شبابها من زوج كابنها؛ لذلك فهي تري أن علي زوجة الابن أن تتحمل ماتحملته هي . ستشاهد في إعلان آخر احتفاءا كبيرا بالست المصرية؛ حيث أنها الراعي الرسمي للمنزل , صاحبة المهام المتعددة : بداية من صنع الطعام إلي تغيير أنبوبة البوتاجاز، وإصلاح ما يتلف في المنزل، و معاونة الرجل في عمله خارج المنزل ، فمن تشاهد ذلك الإعلان ربما تعتقد أنه كي يتم الاحتفاء بها ؛ فكل ماعليها هوألا تترك شيئا للرجل ليفعله في المنزل ، سوي أن يتناول الطعام وهو في سعادة بالغة . قد يعتقد الكثير منا أن الإعلانات مجرد مادة خفيفة للفصل بين مقاطع البرامج أو المسلسلات والأفلام ؛ فربما لا تتجاوز مدة الإعلان بضع دقائق ، لكن المؤكد أنها تترك آثارا في نفوس الكبار والصغار ؛ فعادة مانستشهد في أحاديثنا وتصرفاتنا بما نري في التليفزيون، ولا أبالغ إن قلت أن تأثير الإعلانات قد يتجاوز تأثير فيلم أو مسلسل قد لانشاهدهم إلا مرة واحدة في عمرنا، بينمايُفُرض علينا تكرار رؤية الإعلان في اليوم عشرات المرات ، والتكرار يعلم الشطار وغيرهم أيضا.